تنتهي الكثير من قصص الهجرة بشكل حزين. لكنها غالباً ما تكون قصص تكشف من وراءها قصص مأساوية وانسانية، امتدّت لسنوات وشهدت معناتاً بقدر الخيبات التي قضت عليها. لكن قصة عائلة طلال الراعي (37 عاما) و ابنائه الثلاثة (9 خليل, 7 عبدالكريم, 4 نور) وشقيقته فيما المعلومات اكدت الى نجاة الام نديمة بكور وولدها خليل فقط بعدما قذفتهما الامواج الى الشاطىء. وقصتهم ليست مختلفة عن بقية المهاجرين اللبنانيين. فالأحداث الجارية في لبنان والظروف التي يعيشونها حيث يتردى مستوى الأمن والثقة في المستقبل وتردى الأوضاع الاقتصادية بسبب ان البلد اصبح يفتقد الى المقومات الأساسية لما يسمى دولة القانون والنظام واحترامه واحترام حقوق الانسان. قضية اصبح يعاني منها اكثرين من اللبنانيون بأنهم في بلدهم لا يستطيعون ان يبنوا مستقبلهم فيه، بسبب أن هناك فقدانا للأمن والنظام وللمستقبل وللأمل في هذا الوطن فتركوه ليواجهوا مهب الهجرة والموت و دفعوا بحياتهم ثمن رحلة البحث عن حياة لائقة وهادئة.
يعيش السيد محمد بدر المفجوع، على وقع صدمة خسارة اقربائه الذين استشهدوا غرقا من على متن العبارة التي كانت تقلهم في رحلة لجوء غير شرعي إلى أستراليا. يتغلب السيد بدر على حزنه الشديد وهو يقول "ليس وقت المعاتبة الان... ولكنني نبهتهم كثيرا, وما علينا الان سوى ان نقول ان يصبرهم ويهون عليهم هذه الفاجعة" ويروي لي هذه القصة. محمد لدية محل خياطة في ضواحي سيدني, هاجر منذ حوالي ال 27 سنة الى استراليا نتيجة الحرب الاهلية اللبنانية عبر القنوات الهجرة الشرعية, قصة واقعية ويعرف تفاصيلها جيداً وليست قصه من نسج الخيال بل قصه يعرف ابطالها جيداً. فلقد قابل ابنة اخته في التبانة شمال لبنان لأخر مره قبل بدء الرحلة المشؤومة من لبنان باربعة ايام خلال زيارته القصيره للبنان. نديمة بكور خريجة الجامعة استشارت خالها وتحدثت بطريقة غير مباشرة عن الرحلة, فحزرها كثيرا من مغبة السفر بهذه الطريقة, وحدثها عن المخاطر الجمى التي تنتظرهم, واخبرها عن تشدد الحكومة الاستراليا على الهجرية الغير شرعية وان الحكومة الجديدة ترسل كل اللاجئين الغير شرعيين الى جزيرة قريبة من استراليا (ناروا) وتبقي عليهم الى اجل غير مسمى وتحت ظروف صعبة جداَ ولان السلطات الاسترالية باتت تشدد اجراءاتها في هذا المجال. ويقول ان الدافع الاساسي ليس الفقر اوالحاجة المادية فقط لأن زوجها لدية اجازة مهنية ويعمل كحلاق ومستوره والحمدلله. انما التنصّل السياسي والأجتماعي والديني من المسؤوليات، في وقت تلعب فيه الحياة لعبتها اللئيمة مع أبطال القصة الذين يمكن إدراجهم جميعاً في خانة الضحية.
فأتت المأساة والكارثة، كان يمكن أن تتغيّر الكثير من فصولها لو أننا نقيم في دولة، أو لو أن أبطالها لم يكونوا من الفقراء الذين تجرأوا على التحدي والحلم بمستقبل افضل. ان عدد الضحايا من اللبنانيين، بين مفقود وشهيد، يبلغ 40 شخصا وان عدد الناجين يبلغ 25 من غرق العبارة التي كانت تقل المهاجرين الغير شرعيين في المياه الإقليمية الإندونيسية، في بحر سيانجور المعروف بأمواجه العاتية. والتي لقي أكثر من 20 لبنانيا، معظمهم من النساء والأطفال، حتفهم. دفع كل شخص منهم مبلغا يتراوح بين تسعة وعشرة آلاف دولار أميركي لإيصالهم إلى أستراليا. ولكن شاء القدر ان تنجو نديمة مع ابنها البكر خليل (9) الراقد في احدى مستشفيات جاكارتا, لترى بأم عينها زوجها يموت عندما انشطر المركب الى قسمين وارتطما رأسه بخشبة اودت بحياته قبل ان يلمس جسده البحر, ورأت ولديها عبدالكريم (7), ونور (4) وهما يغرقان امام عينها وهي عاجزت عن المساعدة او نجدتهم. وها هي الان بحكمة ربانية ربما لأعطائها امل من جراء هذه الفاجعة او تحمل المصاب والصعاب انه نجا ابنها خليل الذي الهاها عن حالة الحزن والغضب وفقدان اولادها وزوجها.
وفي حين تمنع الشرطة الإندونيسية التواصل مع الناجين منهم بعدما نقلوا إلى فندق في جاكارتا، والمعروف ان هذه اول حالة غرق في اندونيسيا تتضمن وجود لبنانيين. و وفق ما قال محمد بدر، خال نديمة بكور الراعي، لاقى صعوبة كبيرة في تحويل مبلغ مالي من استراليا لتسيير حالها ريثما تستقر حال ابنها الراقد في المستشفى, لأنها فقدت اوارقها الثبوتية كلها في الحادثة، فيما تجري متابعتها العمل لإعادة جثامين ضحايا عائلتها التي تحللت وانتفخت وتعفنت من سؤ اهمال السلطات الاندونيسية. ورغم تعويلها مع عائلات الضحايا على الجهود الرسمية اللبنانية، فإن القلق لا يزال يكبلهم بعدما تحول الخوف من فقدان أبنائهم إلى خوف على مصير جثامينهم وخسارة من نجا منهم إلى الأبد أيضا.
ملاحظة: وحدها صحيفة سيدني مورنيغ هيرالد الأسترالية أتت على ذكر ما حدث في موقعها الإلكتروني ، لكن من معرض تطرقها للهجرة غير الشرعية، فقالت إن سفينة كانت مبحرة قرب المياه الإقليمية الإندونيسية وتسلمت إشعاراً ليل الخميس بأن مركب صيادين كان في حالة غرق وعليه ركاب، فاستطاعت إنقاذ 44 راكباً، بينهم 39 رجلاً وامرأة واحدة والبقية أطفال، ممن كاد البحر الإندونيسي يبتلعهم.
بأسم الجالية اللبنانية في استراليا نعرب عن أسفنا وحزننا العميق، ونتوجه بهذه المناسبة الاليمة بأحر التعازي لذوي وعائلات الضحايا، سائلين الله سبحانه وتعالى ان يتغمدهم بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته. الرحمة لشهداء لقمة العيش وكل العزاء لوطننا الحبيب ولكل اللبنانيين.
0 comments:
إرسال تعليق