.....من الواضح جداً أن ما جرى الحديث عنه من تفاهمات بين السلطة ممثلة بالرئاسة والحكومة الإسرائيلية ومعهم الأمريكان،لم نجد لها أية ترجمات عملية على أرض الواقع،ولم تحترم إسرائيل تلك التفاهمات،فهي المتعودة الخروج على كل الأعراف والمواثيق الدولية والبقاء فوق القانون الدولي وبرعاية وحضانة من أمريكا واوروبا الغربية،حيث أقدمت على اعتقال النائب محمد أبو طير يوم الأربعاء 30/6/2010 بالقرب من منزله في صور باهر،والغريب في الأمر أن تجري محاكمة هذا النائب بحجة التسلل والإقامة غير المشروعة في القدس،وهو المولود فيها أب عن جد وجد ومئة جد،فهو ليس"عوليه حداش" ليس بقادم من بولونيا او أثيوبيا،وليس بالدخيل ولا بالطارئ ولا بالمستوطن ولا بالمستعمر،وناهيك عن ولادته وطفولته وتجذره في القدس، فوجوده في سجون الاحتلال أكثر من 28 عاماً يمنحه الحق ليس بالهوية بل بالجنسية والتي طبعاً ليس ابو طير بالراغب بها أو الساعي اليها،ففي العرف والعادة والقانون من يتضمن فلاحة أو رعاية أرض ويستمر في فلاحتها خمسة عشر عاماً فما فوق يصبح له حق الانتفاع فيها.
والنائب ابو طير وغيره من نواب كتلة الاصلاح والتغير خاضوا الانتخابات في القدس بموافقة إسرائيلية وأمريكية ودولية،عندما كانت تلك الانتخابات مطلباً دولياً قبل أن يكون فلسطينياً،ولكن إسرائيل وأمريكا لم يحترموا نتائج تلك الانتخابات،عندما أفرزت نواباً لا يلتزمون بأوسلو والاتفاقيات السابقة التي داستها إسرائيل أصلاً،فأقدموا على فرض حصار ظالم على الشعب الفلسطيني منذ تلك اللحظة،وشرعوا في اعتقال النواب المحسوبين على حماس وحاكموهم على أساس مشاركتهم في تلك الانتخابات،وشرعت إسرائيل في إجراءات سحب مواطنتهم،والتي تعطلت بسبب وجود النواب في المعتقل،ولكن بعد خروجهم من المعتقل سرعت إسرائيل من تلك الخطوات،حيث أمهلت الشرطة الإسرائيلية بناء على أوامر خطية النواب مدة شهر للرحيل عن بلدهم،وبدأت من النائب أبو طير حيث تسلم فور خروجه من السجن أمراً في 19/5/2010 ينص على أن مدة بقاءه في القدس تنتهي في 19/6/2010 ،وأبو طير وغيره من النواب ووزير شؤون القدس السابق أعلنوا رفضهم المطلق والقاطع لهذا القرار،ولكن إسرائيل التي تربت على العربدة والزعرنة والفرعنة بسبب وجود من لا يردها أو يتصدى لها من العرب والمسلمين أولاً،ومن المجتمع الدولي المعهرة قيمه ومعايره ثانيا بسبب الهيمنة الأمريكية والأوروبية الغربية عليه،أقدمت على اعتقال النائب أبو طير بحجة انه متسلل ومقيم غير شرعي في القدس،وقد تصادف يوم عرضه على المحكمة في 1/7/2010 مع لقاء ميتشل مع الرئيس أبو مازن،والذي كان يؤمل منه ان يعلن إلغاء اللقاء بناء على ما أقدمت عليه إسرائيل من اعتقال للنائب أبو طير،ولكن بما أنه تم اللقاء فمن المفترض أن يسمع ميتشل كلاما كما يقول المثل العامي"كوسخ الأذنين" اذا كانت إسرائيل لا تحترم تعهداتها في قضية كقضية النواب،فهل ستحترم تعهداتها في الاستيطان وغيره؟،وما الجدوى من هذه اللقاءات العبثية والمضرة؟سوى أنها تشرع ما تقوم به من إجراءات وممارسات إسرائيلية،فميتشل غير القادر على استعادة بطاقة هوية النائب أبو طير،فهل سيخرج من جعبته شيء آخر؟،فلو كان هناك موقف فلسطيني حازم وجدي من هذه القضية لحلت قضية النواب المقدسيين بشكل فوري،فإسرائيل عندما اعتقلت وفد عرب الداخل الذي شارك في قافلة أسطول الحرية لكسر الحصار الظالم على قطاع غزة،ووجهت لهم النيابة الإسرائيلية اثنتي عشر تهمة باطلة،أمام موقف تركي صلب وحازم أفرجت عنهم بعد يوم واحد،ولكن نحن عندنا من أدمن التفاوض من أجل التفاوض،والذي لا يتمسك لا بشروطه ولا بمواقفه،لن يكون قادراً أبداً لا أن يكون لا أردوغان ولا حتى من هو أصغر بكثير من أردوغان والشيخ حسن نصر الله.
ومن مهزلة محاكمة الشيخ النائب أبو طير ولائحة الاتهام التي قدمت له،أنه منح رقم هوية وهمي ليس له علاقة برقم هويته المقدسية حمل الرقم (100600127 ) على اعتبار انه قادم من المريخ او كوكب آخر،فمحاكم لا قراقوش ولا حتى المحاكم النازية او الفاشية سجل في تاريخها مثل هذه المهازل والمحاكم الصورية،والغريب هنا مدى حالة السقوط والخزي والعري التي وصل إليها النظام الرسمي العربي وما يسمى بجامعة الدول العربية،وأيضا البرلمانات العربية والدولية،والتي مطلوب منها هنا ليس لازمة الندب والبكاء المعروفة والاستجداء على أبواب البيت الأبيض والمؤسسات الدولية والأسطوانة المشروخة من شجب واستنكار،بل موقف جاد وحازم،إما أن تحترم قوانين الشرعية الدولية وتطبق على الجميع،وتفرض على إسرائيل العقوبات الدولية،وإما لا احترام ولا التزام بهذه القوانين التي أصبح بندها السابع الخاص باستخدام القوة العسكرية حصراً بالعرب والمسلمين.
إننا أمام هجمة شاملة وغير مسبوقة على المدينة المقدسة،وأيضاً فنحن أمام حالة توحد غير مسبوقة أيضاً ضد إجراءات الاحتلال وممارساته من كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني المقدسي ومؤسساته المجتمعية والأهلية والشارع المقدسي،والقدس التي تتوحد ضد الهجمة المسعورة عليها،مطلوب من حركتي حماس وفتح بالأساس مغادرة نهج الفئوية والتصارع على سلطة وهمية،والعمل بشكل جدي على إنهاء ظاهرة الانقسام المدمرة،فلا مجال لوطن حر ومستقل في ظل الانقسام،ولا حماية للقدس من التطهير العرقي والأسرلة والتهويد بدون موقف سياسي موحد وبدون رؤية وإستراتيجية موحدتين،واستمرار الضعف الداخلي والانقسام وتضارب الأجندات والرؤى والإستراتيجيات،سيجعلنا لا نخسر فقط قضية النواب المقدسيين،بل سنشرع الطريق لتفريغ القدس من نخبها وقياداتها المقدسية.
0 comments:
إرسال تعليق