اتفاق النقاط الخمس/ محمد فاروق الإمام

الأيام القابلة هي من ستكشف الرابح والخاسر في اتفاق النقاط الخمس بين العرب وموسكو الذي عقد تحت قبة الجامعة العربية، وما نعتقده نحن أن الرابح الأول هو النظام السوري والخاسر الأول هو الشعب السوري، فقد ربح النظام مزيداً من الوقت يساعده على ارتكاب المزيد من الجرائم وسفك الدماء وهذا ما نشاهده على الأرض، فبعد أن تمكن زبانية النظام من دخول بابا عمر واستباحته بعد الفيتو الروسي الذي عطل قراراً بإدانة النظام، هذا هو يلتفت إلى إدلب ليستبيحها ويدخلها ويفعل بأهلها الأفاعيل ويترك المدينة قاعاً صفصفاً كما فعل ببابا عمرو، عقب توصل لافروف وزير الخارجية الروسي إلى عقد اتفاق النقاط الخمس مع الوزراء العرب في القاهرة يوم أمس السبت 10 آذار.
قيل الكثير عن دعوة لافروف للاجتماع بوزراء الخارجية العرب، ومما قيل أن هذا الطلب جاء بعد غضب عربي على موقف موسكو واستعمالها الفيتو ضد قرار كان من المفترض ان يحقن دماء السوريين ويكف يد النظام عن جرائمه، وقيل أن موسكو كانت في معمعة انتخابات رئاسية وكان لابد من موقف متصلب لبوتين تجاه الغرب وأمريكا لكسب المزيد من أصوات الناخبين الروس، وقد مرت هذه الانتخابات وفاز بوتين بالرئاسة ولابد من إعادة النظر في موقف موسكو من الأزمة السورية، وقيل أن موسكو شعرت بعزلتها الدولية وتسرعها في استخدام الفيتو وأرادت تصحيح ذلك، وقيل ان موسكو بموقفها إلى جانب نظام مجرم وقاتل يعني تنكرها للقيم الأخلاقية والإنسانية التي ثارت من أجلها ضد ماضيها الظلامي أيام الحقبة السوفييتية السوداء، ولابد لها من موقف جديد يدحض كل تلك الدعاوي ويحافظ بنفس الوقت على ماء وجهها وتعود إلى واجهة الأحداث بموقف لا غالب ولا مغلوب وهذا ما أعتقده أنه الدافع الأول لعقد صفقة النقاط الخمس مع العرب.
لقد دخل لافروف على خط تسوية الأزمة السورية من أوسع الأبواب الشرعية العربية والدولية، دون أن يتخلى عن تمسك موسكو بموقفها المبدئي مما يجري في سورية، أو أن يتراجع عنه قيد أنملة، كما جاء في تصريح له قبل توجهه إلى القاهرة، عندما أعلن بكل صفاقة وغطرسة (لا ينتظر أحد أن تتراجع موسكو عن موقفها قيد أنملة تجاه الأزمة السورية).
وتمخض اجتماع لافروف بوزراء الخارجية العرب في القاهرة، إلى اتفاق الجانبين على خطة عمل عربية روسية لحل الأزمة السورية.
ويتلخص الاتفاق في بيان مشترك عن جامعة الدول العربية ووزير الخارجية الروسي حول مبادئ تسوية الأزمة السورية جاء في نقاط خمس تقول:
1-إيقاف العنف من جميع الأطراف. 2-آلية مراقبة محايدة. 3-لا لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي. 4-إمكانية إيصال المعونات الإنسانية لكل السوريين بدون أي عائق. 5-الدعم الثابت لمهمة كوفي عنان بهدف بدء حوار سياسي بين الحكومة وكل مجموعات المعارضة، بموجب التفويض الذي يقع ضمن صلاحيات وموافقة الأمين العام للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية".
لقد تمكنت موسكو من خلال اتفاق النقاط الخمس مع الجامعة العربية من كبح جماح كل الأطراف التي كانت تدعو إلى إيجاد حل للأزمة السورية خارج مجلس الأمن، وقد خيب مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي عقد في تونس آمال السوريين بما نتج عنه من قرارات قزمة لا ترقى إلى الحد الأدنى من طموحاته، كما تمكنت من تجاوز المناخ السلبي الذي هيمن على علاقاتها مع أطراف عربية وخاصة منها السعودية والقطرية، حين توصلت إلى صياغة اتفاق مشترك روسي- عربي حول مبادئ حل الأزمة. ويمكن وصف هذا الاتفاق بأنه اختراق ناجح جداً - في ظاهر الأمر - للدبلوماسية الروسية لم يتوقعه أحد.
موسكو بعقدها هذا الاتفاق مع الجامعة العربية تكون قد حققت مكاسب كبيرة، أولها فك العزلة الدولية عنها، وثانيها ضخ الحياة في العلاقات العربية الروسية التي ظن الكثيرون أنها قطعت وإلى الأبد، وثالثها سحب البساط من تحت أقدام الغرب وأمريكا وانتزاع الملف السوري منها، وقد راهن الكثيرون بهذا الغرب وأمريكا لفعل شيء على الأرض يوقف شلال الدم ويكسر يد النظام الباغي في سورية.
أخيراً لابد لنا أن نترقب نتائج هذا الاتفاق بحذر شديد ونحن نشاهد آلة القمع الأسدية لا تزال تضرب بقوة وجوه الثائرين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية في كل مناطق البلاد السورية من شرقها حتى غربها، وقد كان أول بنود هذا الاتفاق وقف العنف، وهذا ما لم يحدث، بل ارتفعت وتيرته وتصاعدت قوته وتوسعت رقعته عمودياً وأفقياً دون أن نلمس شيئاً على الأرض يشجع على قبول الثائرين والمعارضة السورية بمثل هذه المبادرات والحلول، وقد جاءت تصريحات رأس النظام الباغي عند لقائه بالمبعوث الدولي كوفي أنان، بقوله (لا يمكن أن يكون هناك حلول للأزمة السورية أو وقف للعنف إلا بعد القضاء على الإرهاب وتنظيف المدن السورية من العصابات المسلحة)، دون أن نسمع أي تعليق من موسكو على مثل هذه التصريحات التي تضع العصي في عجلات عربة أي مبادرات أو حلول دولية إن لم تكن مقرونة باستعمال القوة في تنفيذها، وهذا ما لم يحدث وما لم تقبل به موسكو حتى الساعة، ومن هنا فإنني أعتقد أن هذه المبادرة الممهورة بتوقيع العرب وموسكو ولدت ميتة إن لم يكن هناك اتفاق سري أبرم تحت الطاولة يحول دون الفيتو الروسي، وقراراً قوياً يصدر عن مجلس الأمن مشفوعاً بإنذار قوي للنظام الباغي في سورية بمعاقبته إن لم يتوقف فوراً عن القتل.

CONVERSATION

0 comments: