آذار لي/ جواد بولس


أحب آذار لأنه يوقد الحنين إلى تنهيد السطوح في ليالي القمر الحزين. أحب آذار حين ينبش وجعًا منسيًا في جوف قلب. أحب آذار لأنه يأخذني إلى دفء البراكين. أحب آذار الذي من نور وشمس وأمنيةِ راعٍ يبكي من عشق.
أحبّه ولذا لن أكون في الناصرة يوم الحادي عشر منه. لن أتحدّى مارزل ولن أثبت له ولزمرته كيف يكون العنادُ أصيلًا والنضال عتيًا، وكيف على صخرة وحدة القوى الوطنية تتشظى إفرازات الحركة الصهيونية ويتحجّر لعاب مارزلوها ويمسون هناك أعمدة من ملح ووسائل إيضاح لورثة لوط ومن فوّت دروس التاريخ وعبره.
لن أكون في الناصرة التي ستتوحَّد بعرًى من حبر سيجف بشمس آذار الصاعدة، وكلامٍ كحبيبات رمل في ساعة من صُنعِ من كان وسيبقى "أزنى من قرد".
لن أكون هناك، لأنّني أوثر صوت الجداول على إيقاعات الصدى. أحب رماح "عنترة" تذكّرني ببارق ثغرك يا حبيبة "زيّاد" لا قعقعات مجنّات من ورق وبغتة.
وفي الثالث عشر من آذار سأكون هناك، مع كثيرين، على ظهر هضبة حوّلها أصحاب الحلم إلى صرح وحديقة، "حديقة البروة"، حيث، كما أوصى المحمود، يمتصه زهر على مهل ويضوّعه في المدى ذكرى ووفاء. ففي الثالث عشر فلسطين تزف، كما العهد، عاشقها الخالص عريسًا في عرس الثقافة والفرح. يا له من ميعاد، سيصير حسرةً إذا أضعته بإثم صدفة أو غلبته إغفاءة كإغفاءة يونان في جوف حوت.
لن ينسينا الباروخ هذا آذارَنا، سيّان عندي إن انتقى تاريخ زيارته المستفزة لكثيرين عن سوء نيَّة وعمد أو عن غير قصد وجهل. (قلت إنَّ زيارته مستفزة لكثيرين لأنٌني افترضت للحظة ماذا كان ليحصل لو جاء هذا الباروخ للناصرة ووقف ومن معه على قارعة الطريق دون أن يلتفت إليه أحد أو ليرجع مع بعض بلل تسبّبه شفاه المارة وفائض ريق وعزيمة).
أعرف، لأنّني قرأت بعض َمن كتب، أن هذه الاحتمالات مرفوضة عند كثيرين وطنيين لا يقعقع لهم بالشنان، ولأنها أفكار ومواقف تعكس نفوس انهزاميين أو بعض من سكتوا دهرًا ونطقوا كفرًا، تمامًا كما سيكتب البعض فيما كتبته أنا لكم هنا.
سأعود لآذاري الذي لن يفسده فائض حماس ونضالٌ اتّحد من أجله أضّداد حشرهم الباروخ هذا في زاوية العيب أو كما يعرفها لاعبو النرد "بمسكة على الخشب". لقد زجّ هذا الباروخ جميعَهم، على غير ميعاد، في خانة "الييك"، فهاوية هنا وهاوية هناك وكيفما أدرتها، يا رفيقي، لن يأتيَ منها خير، والشر، أقلّه على الرصيف، صفًّا واحدًا والشفاه تتمتم، ليمر هذا اليوم وليمروا.. وبعد دحر الباروخ هذا وصدِّه في قلب ناصرة العرب سيعود كلٌّ إلى غمده والى صدر قصيدته منتشين بما ستتلقنه الصهيونية من درس سيفسد عليها ما خططت له ورسمت وسيتمنى كبارها قبل صغارها لو لم يقم هذا المأفون، ابنها وممثّلها، بتحرّشه الوضيع. وليرحم الله من كان السبب ومن جمّع قلوبًا على غير ميعاد وجلب للناصرة وأصحاب البيت نصرًا سيبقيها عالية مهما تشاوف المرازل بناصرتهم العليا، وأعلى من كل بيان تقريع استقبلوا فيه زيارة "شمعون" أو صدر في ماض سحيق وبيان سيصدر في مستقبل قريب عند أول حفنة أو حفلة أو زفة.
أما أنا، فآذاري في صدري. وفي ثغر أمي، فهذا آذارها الزاحف إلى الثمانين. يأتي وعشيقة "زهير" عليلة. تحيا بحبها للحياة، تعشقها ولا تعشق أكثر منها إلٌا النشيد ودودة القز ومن أنجبتهم، خمسة أحببنا آذار من أجل سعاد واليوم نحبه أنفاس فجر وترانيمَ غروب نودِعُها صدورَ الملائكة تراجٍ لتحفظها لنا نبعًا وحصنًا وقانا ويقينا من شر "باروخ" ومن شر حاسد وتجار السراب ومن أجادوا اللعب "بثلاثة أوراق" وما يباع من وطن.
لن أكون في الناصرة ولا أعتذر. ولو كنت صاحب قرار لما تصرّفت تمامًا كما صلى باروخ وتمنى. ولو كنت قائدًا للجماهير لما استنفرتُها لتخوض معركة لن تضيف لرصيد ومصلحة الجماهير العربية في إسرائيل أيَّ مردود جوهري يذكر، باستثناء بيانات الشجب والاستنكار وترداد شعارات تسبب لمردديها رعشات كتلك التي لا تتحقق إلا على قارعات الطريق أو في سباقات خيل العرب.
يقر كثيرون بحق مارزل المبدئي بالتظاهر في الناصرة وأمام بيت أي نائب أو مقر حزب يستهدفه. هذا موقف صحيح لأن من لا يؤمن بذلك يسحب من تحت أقدامنا كأقلية، ستتظاهر حتمًا في مواقع كثيرة في الدولة، البساط والحق بالتظاهر والتعبير.
ومن هنا لا أعرف ما مبرر الدعوات والاستنفار لقبول التحدي ولتلقين هؤلاء العنصريين درسًا على عتبات النصراويين وكأننا على مشارف معركة الحسم وفي يوم الحشر.
في خدمة من هذه السحجة والتكبير والاستغاثة والاستنفار؟ برأيي كل ذلك يصب في مصلحة مارزل وليس في صالح العرب والديمقراطيين.
مارزل هذا عنصري خطير قبل خطوته العتيدة في الناصرة وليس بسببها ومارزل هذا سيدخل الناصرة عنصريًا مأفونًا وسيخرج منها أكثر عنصرية وشعبية بين شعبه وانتم، بما لم تقدروا عليه قبل الزيارة، وبردة فعلكم خلال وبعد الزيارة، ساهمتم بزيادة رأسماله.
سأكون كما يشتهي آذار أن نكون، صنّاعَ فرح وغضب، لا صدى لعواءات الذئاب. يحسبنا مارزل وقومه أحفادًا لمن "تسيل على حد الظُبات نفوسُهم" ربما، لكن في آذار هذا سأركض وراء الظباء هناك حيث ثغر سعاد ما زال ينقط عسلًا ومحمود يملأ الحقل سنابل .

CONVERSATION

0 comments: