العرب بين العجز الفكري والعجر الجنسي/ صالح الطائي


في محاضرة رائعة للطبيب الأديب رافد علاء الخزاعي وردت مجموعة من الأرقام الإحصائية عن ما يصرفه فرسان العروبة وذكورها الشجعان من مليارات لمعالجة عجزهم الجنسي وتقويم ذكوريتهم المنتكسة المخذولة التي كانوا يتفاخرون بها على مر التاريخ في سوح الوغى لدرجة أنهم قادوا الكثير من الحروب الدموية في جغرافية الكون المترامية للبحث عن الجميلات، وقد استوقفتني تلك الأرقام ودفعتني للبحث عن إحصائيات بالمبالغ التي يصرفها العرب لمعالجة عجزهم الفكري، ولاسيما وأنهم يشكون من العجزين هذا وذاك. هذا نتيجة عدم الحاجة إليه والخوف منه، وذاك لشدة الحاجة إليه والخوف من فقدانه!
وأود بداية التذكير ببعض الأرقام التي أوردها الدكتور الفاضل لكي أقارنها بالأرقام التي سأوردها من خلال البحث.
يقول الدكتور الخزاعي: أثبتت الدراسات أن دول الخليج أنفقت أكثر من 15 مليار دولار على (الفياجرا) عام 2005 وتأتي المملكة السعودية السادسة على مستوى العالم استهلاكا للمقويات الجنسية، وتزيد نسبة استهلاك السعوديين بعشرة أضعاف على ما يستهلك في روسيا، رغم أن عدد سكان روسيا يزيد على عدد سكان المملكة بعشرة أضعاف! تليهم في المرتبة الشرفية جمهورية مصر العربية التي تنفق ما يقارب 12.5 مليار جنيه مصري سنوياً، ثم اليمن السعيد، وإمارات البترودولار العتيد.
وهذا ما أشار إليه المؤتمر العالمي عن صحة الرجل الذي عقد في مدينة (نيس) الفرنسية عام 2010 من خلال إحصاءات أفادت أن إنفاق العرب على أدوية الضعف الجنسي يبلغ أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً ، مع إشارة إلى أن السعوديين ينفقون قرابة 1.5 مليار دولار سنوياً، يليهم المصريون (مليار دولار) ومثلهم اليمنيون، ثم الإماراتيون (500 مليون دولار).

وهذه الأرقام في تصاعد جنوني يتناسب مع ازدياد الشد النفسي الذي يؤثر على القدرات الجنسية، ففي الكويت الشقيق الذي يصر على مبلغ التعويضات الظالم يعاني من الضعف الجنسي رجل من بين كل خمسة رجال، وتشير دراسة محلية إلى أن 12% من الرجال في السعودية مصابون بالضعف الجنسي، كما دلت الأرقام أن 80% من حالات الطلاق في مصر تحدث بسبب المشاكل الجنسية.
ومع ذلك أرى هذه الإحصاءات غير دقيقة بالمرة لأن غالبية أغنياء الخليج لا يستخدمون الأقراص الموجودة في صيدليات بلدانهم لكي لا يفتضح أمر عجزهم الجنسي، وهم الذين طالما تفاخروا بعجر ذكوريتهم الصاروخية، ولذا يقومون باستيراد (الفياغرا) ذات النوعية الممتازة على حسابهم الخاص من دول المنشأ مباشرة، أو يقومون بجلبها معهم في سفراتهم المتعددة، ويمثل ذلك نسبة عالية جدا لا تدخل ضمن الإحصاءات الرسمية بما يرفع الأرقام إلى مستويات عالية قد ترقى فوق نسبة ما يصرف على التعليم في كل دول العالم وليس في البلدان العربية المنكوبة بذكورها وحدها.

نسأل بالمقابل: يا ترى كم أنفق العرب لعلاج مشكلة العجز الفكري التي يعانون منها والتي جعلتهم على رأس قوائم الفساد والتخلف والجهل والأمية والفقر والعدوانية؟
وأنا هنا لا ألقي التهم جزافا لأن هذه الحالات لدى العرب مشخصة وغير خافية على أحد ومنها مشكلة التخلف الفكري، وقد حذر البنك الدولي من أن مستوى التعليم في العالم العربي متخلف مقارنة بالعالم كله ويحتاج إلى إصلاحات جذرية عاجلة، فهل تلوح في الأفق بوادر لهذا الإصلاح؟ وكيف ينجز مثل هذا الإصلاح في مجتمع مبني على عالم من المشاكل والمعرقلات؟ كما أفاد التقرير الاجتماعي العربي الأول الصادر عن جامعة الدول العربية أن 30% من سكان الوطن العربي يعيشون وسط دائرة من المشاكل البسيطة والمعقدة التي تحتاج إلى وقفة تأمل وحل عاجل! وما ذاك إلا بسبب تفشي الأمية والجهل بين صفوفهم لأن حكوماتهم مشغولة بالصرف على عجرها الجنسي المتضخم ولا تفكر بالصرف على العجز الفكري المتفشي.
إن الإنفاق السنوي على التعليم من قبل الحكومات في جميع أنحاء العالم بلغ حسب آخر الإحصاءات الدولية 323،800،000 مليار دولار أمريكي، فما حصة العرب من هذه الإحصاءات؟
بالتأكيد إنها أقل من القليل، وربما لهذا السبب أفادت إحصاءات منظمة (الإيسيسكو) عن (أوضاع التعليم في الدول العربية) التي أوردتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة أن نسبة الإنفاق في أربعة بلدان عربية ذات قدرات مالية وكثافة سكانية مختلفة تبدو متذبذبة فضلا عن كونها أقل من المعدلات كثيرا، وهذه البلدان المختارة عشوائيا، هي:
1- ســـوريا:- تبلغ نسبة ما ينفق على التعليم الأولي 23،54% وما ينفق على التعليم الابتدائي 22،91% وما ينفق على التعليم الثانوي 14،67%
2- المـغرب:- 18،25% و 28،76% و19،97%
3- السعودية:- 10،48% و11،99% و 12،73%
4- مصــر:- 24% و 22،98% و 16،95%

فهل يمكن للتعليم أن يتطور ضمن هذه النسب المتدنية التي لا تسد جزء يسيرا من الحاجة الفعلية؟ فضلا تسهم هذه النسب المتدنية في تأخير قطاع التعليم في الوطن العربي وتبقيه متأخرا عن الركب العالمي، وهذا ما أشار إليه تقرير خاص للأمم المتحدة عن (التنمية الإنسانية في العالم العربي لعام 2001) قام بإعداده مجموعة من المفكرين والباحثين العرب المستقلين وليس الغربيين الذين لا نثق بتقاريرهم ونتهمهم بالتحيز، ونشرته الأمم المتحدة في أواخر عام 2002 بالقول: "إن العالم العربي أصبح في ذيل قائمة الدول المتخلفة"
أما الذي جعلنا نقبع في ذيل القائمة فهي النسب المخيبة للآمال، فنحن بعد أن دخلنا القرن الحادي والعشرين، وقضينا العقد الأول من قرنه الأول لا زلنا نتميز:
بنسبة أمية تزيد على الـ 65 % في وقـت لا تزيد فيه النسبة عن 3% في الدول الصناعية وكثير من دول العالم الأخرى.
ونسبة أميين عرب يبلغ عددهم 65 مليون إنسان بما لا يتناسب بالمرة مع مجموع السكان العرب!
ونسبة نساء أميات يمثلن ثلثي عدد الأميين العرب الكبير، ويبلغ عددهم أكثر من 40 مليون امرأة.
ونسبة مستخدمي انترنيت لا تزيد عن 6% مقابل نسبة تزيد على 35% في العالم الآخر كما أفاد التقرير.

إن التعليم الأهلي أو التلقائي العام لا يمكن أن يطور منظومة التعليم الشامل والعصري نظرا لما يتطلبه التعليم من مبالغ عالية لا تقدر على توفيرها سوى الميزانيات الحكومية بما يستوجب أن تتبنى الحكومات العربية الصرف على التعليم ولو بنفس درجة الصرف على الفياغرا!
وقد أفاد تقرير منظمة اليونسكو المعروف بـ (التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2009) الذي جاء للتأكيد على الالتزام الذي قطعته الدول الأعضاء على نفسها في مؤتمر المنظمة الذي عقدته في (داكار) عام 2000 أن على الحكومات وجوب حوكمة التعليم لضمان الالتحاق بمدارس جيدة التمويل ذات كوادر متخصصة، وقد أشار التقرير إلى أربعة جوانب يجب مراعاتها وهي:
1. تمويل التعليم:
2. تحديد نظم راسخة للتعليم او ما يعرف بالإدارة المدرسية
3. وضع سياسات للإشراف والمساءلة لتحفيز المعلمين.
4. إدماج التعليم في إطار الإستراتيجيات الأوسع لمكافحة الفقر.
وهي الجوانب التي لا تجد في الوطن العربي كله من يهتم بها أو يعمل بموجبها أو حتى ببعضها، وإن وجدت فهي مجرد شكليات لذر الرماد في العيون.

إن الوطن العربي بمجمله غني بموارده وفيه دولا أو أشباه دول وصلت عندها التخمة المالية إلى أعلى مستوياتها القياسية فأصبحت أغنى من أغنى بلدان العالم ولكنها غير مهتمة بالصرف على التعليم في جغرافيتها أو في أي جغرافية عربية أخرى، وينحصر همها في تنمية مواردها المالية والبحث عن منافذ أخرى لهذا الكسب، لكي تتمكن من تنمية قدراتها الجنسية والتمتع باللحوم المستوردة الطرية، يكفي أن نعلم أن
صحيفة (لوموند) الفرنسية قالت إن أصول (هيئة الاستثمارات القطرية) المنتشرة حول العالم يصل حجمها إلى 60 مليار يورو، وهي موجودة في أكثر من 39 بلداً حول العالم. وهذه الاستثمارات تعمل على تضخيم رأس مال هذه الإمارة التي لا يزيد عدد سكانها الأصليين عن 200 ألف نسمة!. ولكن كم استثمرت الإمارة من مالها القاروني لتطوير قطاع التعليم، أو لتنمية النشاط الفكري في الوطن العربي المنكوب يا ترى؟ وكم تساوي نسبة ما صرفته على التعليم في إمارتها نسبة إلى ما صرفته لعلاج عجرها الجنسي؟


ملاحظة:
العجر لغة هو: السمنة والتضخم

CONVERSATION

0 comments: