وعند عبد الرزاق طلاس الخبر اليقين/ محمد فاروق الإمام

بعد أسابيع من مغادرة العميد مناف طلاس سورية متوجهاً إلى باريس، وهذا خبر سمعناه من وزير الخارجية الفرنسية وهو يلقي كلمته في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في باريس، راحت العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية تلمع شخصية هذا العماد إلى درجة أن الكثيرين اعتقدوا أن هذا العماد هو مفتاح الحل للأزمة في سورية وهو الوجه الذي يمكن أن يقود المرحلة الانتقالية ويوصل سورية إلى بر الأمان ويحقن دماء أهلها، وتم التداول باسمه على لسان عدد من المسؤولين السوريين والتقارير الدبلوماسية لكي يلعب دورا في المرحلة الانتقالية. وزيادة في هذا التلميع ذهب العماد إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك العمرة محاطاً بعدد كبير من الحراس ووسط حفاوة بالغة لا يحظى بمثلها إلا قادة الدول، وكأنه لا يزال على سروج خيله كقائد عسكري وركن ركين من أركان النظام السوري المتآكل، يخطب الجميع وده كما كان الحال مع أبيه، الذي اشتهر بصف من النياشين والأوسمة على صدره وكأنه اكتسبها من معارك كبيرة خاضها وانتصر فيها، وهو في الحقيقة لم يكن إلا شريكاً للجلاد حافظ الأسد في ما اقترفه من جرائم بحق السوريين على مدار ثلاثين سنة وشريكاً له في كل الانكسارات والهزائم التي ألحقها بسورية، وشريكاً له بالارتباط بالدولة الصفوية إيران والتحالف معها ضد العرب، وهو الذي أوصل الوريث بشار الأسد ليحتل منصب رئيس الجمهورية وفاء لوصية والده، وكان لا يجيد في حقيقة الأمر إلا فن الطبخ وتنسيق الزهور ومعاشرة المومسات والظهور معهن في بلاجات ومسابح أوروبا.
وأعلن العميد مناف طلاس أخيراً انشقاقه عن البيت الأسدي الذي عاش في حضنه منذ نعومة أظفاره، كما فعل أبوه العماد من قبله، داعياً في أول ظهور له بعد إعلان انشقاقه عن الجيش السوري النظامي في 24 تموز، السوريين إلى التوحد من أجل "خدمة سورية ما بعد الأسد".
وقال طلاس في بيان تلاه عبر قناة "العربية" التلفزيونية الفضائية: "دعوتي أن نتوحد من أجل سورية موحدة ذات نسيج متوحد ومؤسسات ذات استقلالية لخدمة سورية ما بعد الأسد".
وأضاف متوجهاً إلى السوريين في ما أسمته قناة العربية "الإعلان الرسمي لانشقاقه": "أطل عليكم في هذا الظرف العصيب الذي تمر به بلادنا حيث تسيل الدماء البريئة وكل ذنبها أنها تطالب بالحرية"، داعياً إلى "فعل المستحيل من أجل الحفاظ على وحدة سورية وضمان الشروع في بناء سورية الجديدة، سورية التي لا تقوم على الانتقام والإقصاء والاستئثار".
وختم طلاس بيان انشقاقه قائلاً: "من واجبنا كسوريين التوحد لجعل سورية حرة ديمقراطية لنبني من جديد سورية أكبر من الأفراد"، داعياً إلى الحفاظ على المؤسسات التي "ليست مؤسسات أفراد اختطفوها وأفقدوها مكانتها". معلناً أنه لا يسعى إلى أي منصب أو أية مسؤولية في سورية في المرحلة الانتقالية إلا إذا كان ذلك يخدم سورية ويحقن دماء السوريين.
مناف طلاس لم يظهر، في إعلان انشقاقه كما جرت العادة، ووراءه علم الاستقلال، ولم يتوجه بأي كلمة لقيادة الجيش الحر أو المجلس العسكري الذي يضم نخب الرتب العالية من الضباط المنشقين وهو دون بعضهم رتبة وقدماً، ومن ثقافة أدب الجيش احترام الرتب والتسلسل العسكري فيها وهذا ما لم نجده عند العميد طلاس، وقد سمعنا منه كلاماً فوقياً متخطياً كل العادات والأعراف العسكرية المعتبرة في كل جيوش العالم، وهذا يدل على أن طلاس لا يزال يعتقد أنه من علية القوم وأن على الجميع النظر إليه على أنه الرجل الذي مفاتيح كل حلول الأزمة في سورية، وأن على جميع المعارضين من عسكريين ومدنيين أن يسعوا إليه ويسلموا له مقاليد الأمور لقيادة سورية في المرحلة الانتقالية، فشهوة الحكم والسلطة شيء مؤصل في آل طلاس كما كانت في آل الأسد، وهم يعتقدون – واهمون- أن بإمكانهم بما لديهم من مكاسب اغتصبوها أو نهبوها من المال العام أن ينقلوا سورية من "سورية الأسد" إلى "سورية طلاس"!!
وزيادة في تمكين موقع مناف طلاس خرج علينا أخوه فراس، الفار مع أبيه إلى باريس منذ بداية الثورة، معلناً أنه وأخيه مناف قدموا للثوار الشيء الكثير من الأسلحة والعتاد والذخائر والأموال والمعلومات السرية التي ساعدت الجيش الحر والثورة، ومكنت كتائب الفاروق من الصمود في حمص والرستن، وكدنا نصدق هذا الكلام الذي وروج له البعض في وسائل الإعلام، إلى أن أطل علينا البطل الملازم الأول عبد الرزاق الطلاس يوم أمس السبت 28 تموز، يعلن بصراحة ووضوح، وهو ابن هذه العائلة، أنه يرحب بانشقاق مناف طلاس، دون أن ينوه إلى أية قرابة تربطه معه، معلناً أن مناف طلاس لم يقدم للجيش الحر ولا للثورة أي نوع من أنواع الدعم المزعوم للجيش الحر أو لكتائب الفاروق التي يقودها، وهذا ينفي مزاعم فراس طلاس التي ادعا فيها أن مناف طلاس قدم الدعم والمساعدة لكتائب الفاروق في أثناء تواجده على رأس عمله كقائد لأحد ألوية الحرس الجمهوري.
وبظهور الملازم الأول عبد الرزاق طلاس على شاشة العربية وإعلانه الصريح الواضح بنفيه حصول الجيش الحر أو كتائب الفاروق على أي دعم أو مساعدة من مناف طلاس أو شقيقه فراس، يؤكد إلى ما ذهبنا إليه في مقال سابق من أن الثورة لا يمكن بأي حال من الأحوال اختطافها أو سرقتها لصالح أسرة أو فصيل أو لون أو طائفة أو مذهب أو دين أو معتقد، لأن الثورة ملك لكل السوريين بكل نسيجهم الاجتماعي الذي عاشوه لقرون طويلة تجمعهم الهوية الوطنية التي لا تفرق بين عرق ودين وطائفة ومذهب، دون الوقوف عند أكثرية أو أقلية فالوطن يساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، والحكم بين الجميع في سورية الغد صناديق الاقتراع الحرة النزيهة.

CONVERSATION

0 comments: