انتصاراً للمرأة العربية 3/ كريم مرزة الأسدي

المرأة والرجل متكاملان تماماً، والنوع الإنساني  وليدهما على مرّ الأزمان  ، النوع هو الباقي ، والفرد هو الفاني 

المقدمة  : الموقف الصعب
تكلمنا في الحلقة السابقة عن ثورات الجواهري والصافي والجعفري وبحر العلوم الفكرية والاجتماعية والشعرية ، ولم أر شعراً أروع من قول العبقري الخالد أبي نؤاس في تحليل مواقفهم وموقفه من التمرد على العقل الجمعي وجماعته ، اقرأ  رجاء :  
سقى الله أياماً ولا هجر بيننا**** وعودُ الصبا يهتز فــي ورق خضرِ
وسقياً لأيام مضت وهي غضةٌ ** ألا ليتها عادت ودامتْ إلى الحشـــرِ
غدوت على اللذات منهتك الستر**وأفضت بنات السرِّ مني إلى الجهرِ
وهان عليَّ الناسَ فيما أريدهُ**** بما جئتُ فاستغنيتُ عـن طلب العذرِ
رأيتُ الليالي مرصداتٍ لمدتي******فبـــادرتُ لذاتي مبـــادرةُ الــدهر
رضيتُ من الدنيا بكأسٍ وشادنٍ******* تحيّر فــي تفضيلهِ فطن الفكر
صحيح مريض الجفن مدنٍ مباعدٌ *** يميتُ ويحيى بالوصالِ وبالهــجرِ
فإذن هو منهتك الستر باللذات جهرا، ولا يبالي بالناس ولا الخليفة ، ولا يطلب عذرا ، ويرى الليالي تترصد أنفاسه  ، فيغالب الدهر ، وهذا لعمري من أشجع المواقف الإنسانية ، وإن كنتُ لستُ من أنصارها ولا أصحابها ، بل أدعو لفضيلة عرفنا ، ومن هنا أتفهم تماماً قول الدكتور زكي مبارك في حق أبي نؤاسه : "  وكان أبو نواس في موقفه الحرج من أشجع الشجعان ، فالدعوة إلى الفضيلة يستطيعها كل مخلوق ، والتخلق بأخلاق الشرفاء لا يحتاج إلا إلى قسط  ضئيل من الرياء ، أما الدعوة إلى المجون فتحتاج إلى جرأة فاتكة لا يتسلح بها إلا من أمدته الحياة بمدد من القوة النفسية ." ، وقول الدكتور قد مرّ علينا عند كتابة الحلقات الخمس المطولة عن أبي النؤاس ، وأعيدها لمناسبتها للموقف الجديد ، وأنا معه تماماً في هذا البيت الرائع :
 وهان عليَّ الناسَ فيما أريدهُ**** بما جئتُ فاستغنيتُ عـن طلب العذرِ
إذا خضع الشاعر أو المفكر أو المصلح لمشيئة العقل الجمعي ، أو لقول هذا أو ذاك ، لفقد الركيزة الأساسية لمهمته الإنسانية أو القومية أو الوطنية ، والعذر أقبح من الفعل ، لأنه إقرار منافق رخيص ، لا ينسجم  وروح الإنسانية ، إلا إذا أحسّ  هذا المميز حقّاً وصدقاً  أنه سار على النهج الخطأ ، فيكون إصراره من باب ( تأخذه العزّة بالإثم ) ، والتراجع هنا من شيم الأبطال الصادقين!!  

المرأة والرجل متكاملان فسيولوجياً وبنيوياً : 
ما الفرق البنيوي و الفسيولوجي بين الرجل والمرأة بشكل موجز .
 تعقيبا على تعليقٍ لإحدى السيدات العالمات بالآثار على صفحة التواصل الاجتماعي ، ذكرت لها  ما يلي :   "عزيزتي ...أنت لك باع عميق بالتاريخ ، لاسيما عالمة آثار ، نعم عصر المشاعية البدائية ، وقبل أن يكتسب الفرد هيمنة العقل الجمعي ، كانت الحقوق متساوية مبنية على التفاهم ، وتلبية الحاجة الغريزية للإنجاب ،  فمن الناحية الفسيولوجية والتشريحية ، لا فرق بين الذكر والأنثى إلا بربع جين من مجموع 46 ( 23 زوج ) ، وهذا الربع في كل من الذكر والأنثى هو الذي يحمل الجينات المسؤولة عن تشكيل الأعضاء التناسلية الذكرية أو الأنثوية ، وهو المسؤول عن تركيب الهرمونات التي تظهر الصفات الثانوية للذكر والأنثى ، أما بقية الصبغيات   5 7 ,45 فهي متشابهة في جنسي النوع الإنساني  (المرأة والرجل) ، لذلك هذه الفوارق والتمايز الكبير بين الذكر والأنثى مرجعه البيئة والتقاليد الاجتماعية ، والعقل الجمعي ، شكرا سيدتي على إثارة هذا الموضوع " ، المهم الصبغي رقم 46 في الفرد هو الذي يحدد جنسه ، ففي الذكر يكون معقوفاً ، يسمى (ص) ، وفي الأنثى يكون ممتداً يسمى (س) ،  وعلى (ص) توجد الجينات المسؤولة عن تشكيل الأعضاء التناسلية الذكرية ، والغدتين  التناسليتين الذكريتين (الخصيتين) اللتين تقومان بوظيفتين أساسيتين  ،إولاهما إنتاج النطاف ( الخلايا اجنسية الذكرية) ، وثانيهما إفراز هرمونات الأندروجين، وأهمها التستوستيرون (من الهرمونات الذكرية ،ويفرز بكميات قليلة من الغدة الكظرية) ، لإظهار الصفات الثانوية للرجل عند البلوغ  كنمو  الشعر قي الوجه ، وخشونة الصوت  ، عظام الجبهة ...  ،  وعلى (س) توجد الجينات المسؤولة عن تشكيل الأعضاء التناسلية الأنثوية ، والغدتين التناسليتين الأنثويتين (المبيضين)، اللتين تقومان أيضاً بوظيفتين ، إنتاج البويضات  ( الخلايا التناسلية الأنثوية ) ، ولحكمة بالغة جداً ، لا يتسع المجال لتفصيلها ، تتشكل بويضة واحدة في الشهر على الأغلب من كلتي الغدتين ، وأحياناً نادرة تتشكل بويضتان ، واحدة في كل مبيض ، وعندها تتكون التوائم غير المتماثلة (الأخوية) - التوائم المتماثلة تتكون من انشطار البويضة نفسها في قناة البيض - ، والوظيفة الثانية للغدتين ( المبيضين) إفراز هرمونات البروجستيرون والإستروجين   ، وهي التي تعطي الصفات الثانوية للمرأة .
   نرجع للصبغي  ( الكروموسوم) ، وربّك جعل هذا الصبغي رفم 46  يحمل الجينات ، بما فيها من شفرات وراثية لتشكيل الجهاز التناسلي بجنسيه ، مع صفاتيهما الثانويتين ، وهو المسؤول عن  تكاثر النوع البشري على هذه المعمورة ، ولولاه  لانقرض الإنسان منذ الجيل الأول ، أما الصبغيات الأخرى ، فهي المسؤولة عن تشكيل أجهزة الجسم الأخرى بأعضائها ، وأنسجتها ، وخلاياها ، وكل الأجهزة والأعضاء في جسم الإنسان مسؤولة عن حياة الفرد إلاّ الجهاز التناسلي فهو الذي حظى بقدسية استمرار النوع ، والحق فقط الخلايا الجنسية منه ، وهي الخلايا التي تمر بانقسام اختزالي لتتولد منها النطاف عند الرجل والبويضات عند الأنثى - كما أسلفنا -  ، أما بقية خلايا جسم الإنسان وهي  تشكل أكثر من 99% (نسبة تقريبية) ، فهي خلايا جسمية مسؤولة عن حياة الفرد، بمعنى كلّ أجهزة الجسم وأعضائه ، بما فيها الجهاز التناسلي بكامل أعضائه وغدده ، خلقت من أجل الخلايا الجنسية بنطافها ووبيوضاتها ، ومنح الإنسان هذه اللذة الرهيبة لاستمرار النوع على هذا الكوكب العجيب الغريب المميز عن مليارات النجوم والكواكب لتحمل الأمانة الغيبية بسرها المحير للألباب - كما ستأتي !!!
وتزعمُ أنّك جرمٌ صغيرْ *** وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ 
من أين يأتي العيب؟  ، ومن أين تأتي الدناءة ؟ ومن أين تأتي الحقارة  في تقديس ما قدسته الطبيعة نفسها للجنس حتى أغرت الإنسان بجاذبية لا نهائية للممارستها ، وهنالك حديث شريف ، معروف مألوف ، مضمونه ، الزواج نصف الدين ، أو مَن يتزوج يكمل نصف دينه ، ولذلك كلّه   تُعتبر عملية التكاثر أبدع وأهم وأقدس عملية حيوية في هذا الوجود ، لأنها تحفظ النوع من الانقراض، والنوع هو الخالد، لا الفرد ، فالفرد مصيره ، كما يقول معرينا :
صـاح هـذي قبـورنـا تـمـلأ الــرُحـ
بَ فـأيـن القـبـور مــن عـهـد عــاد
خـفـف الــوطء مــا أظــن أديــم الـ
أرض إلا مــــن هــــذه الأجــســـاد
رُب لحـدٍ قــــد صــار لـحـداً مــراراً
ضـاحــكٍ مـــــن تـزاحــم الأضـــداد
ودفــيـــنٍ عــلـــى بـقــايــا دفـــيـــن
فــــــي طـويــل الأزمــــان والآبــــاد
تــعــبٌ كـلـهــا الـحــيــاة فــمـــا أعـ
جـب إلا مـــن راغــبٍ فـــــي ازديــاد
إنّ حزناً في ســـــاعـة المـوت أضعـا
ف ســرورٍ فـــــي ســــاعــة الـمـيـلاد
القصيدة من أروع القصائد العربية ، بل الإنسانية ، لا أعتقد هنالك أديب لم تمر على عينيه دالية المعري في رثاء صديق عمره أبي حمزة الفقيه ، إذن الإنسان الفرد للقبور واللحود ، وما هذه الأرض إلا من هذه الأجساد ، وما الأجساد إلا من الأرض ، وهنا تكمن دورة الحياة في الطبيعة ، والحياة كلّها تعب وعناء ، وكما أكد شوبنهور الألماني الذي جاء  من بعده بتسعمائة عام تقريباً - وهنالك تشابه كبير بين الرجلين البصيرين-  ، إن الحياة ألم متواصل ، تتخللها فترات قصيرة من اللذات الخادعة ، والحق ما هذه اللذات سوى سبيل لبقاء النوع !!   
والحقيقة - بعد الحق ! -  طرق هذا الأمر إلى ذهني لحظات نظم قصيدتي الملحمة ( 84 بيتاً ) لرثاء الجواهري  ، قائلاً : 
وإذا أثاركَ في الحـــــياةِ تحيّرٌ *** أنْ يستحيلَ  الفكرٌ محضَ رمام 
(فالحائر الجبّار) أنـتَ  نظيرهُ ***  فكراَ بلا وضــح ٍ ولا إبهــــــام ٍ
قد حيّرَ الألبابَ ربّـُـكَ  لـــغزهُ **** بينَ الوجـــودِ وقوة الإفهـــــام ٍ
المطلقُ الحركات من أسرارهِ ***** (تتكاثرُ الأحياءُ) في الأرحـــام ِ
هاأنت َتشخصُ ماثلاً بضميرنا****** والفكرُ والأفعالُ رهنَ قيــــام ِ 
      أشرت في بيتي الأول من هذه المقطوعة  إلى قول الجواهري في مطلع قصيدته  بمناسبة ذكرى وفاة الرصافي :  
لغزٌ الحياةِ وحيرة ُ الألبابِ ***أنْ يستحيلَ الفكرٌ محضَ ترابِ
 توفي الرصافي 1945م , وقال الجواهري بيته في ذكرى الرصافي 1959م .
 وفي بيتي الثاني، وقولي (فالحائرُ الجبارُ)‘إشارة إلى أبي العلاء المعري، وقوله في قصيدة الرثاء السابقة لصديقه الفقيه  :
والذي حارتْ البرية فيهِ ***حيوانٌ  مستحدث ٌ من جماد  
طبعاً ما أراد بالحيوان إلا الإنسان ، وله قول آخريصب في المعنى نفسه،  وأكثر تعميماً :
سألتموني فأعيتني إجابتكم *** من ادعى أنـّه دار ٍفقد كذبا
وللجواهري قصيدة رائعة عن أبي العلاء المعري، وهو متأثر ببعض أرائه ، لذلك قلت أنت نظيره ،  بل ضمنت  قول الجواهري نفسه ، وعكست العبارة عليه بنعت معريه :  ( الحائر الجبار) في بيته التالي :
والملهمَ (الحائرَ الجبّارَ) هلْ وصلتْ *** كفّ ُالردى بحياةٍ بعدهُ سببا ؟ 
  ومهدت في البيت الثالث للبيت الرابع ، و (المطلق الحركات)  كناية عن الخالق الذي أعتبر من أبدع إبداعته (تكاثر الأحياء) ، وخصصت الإنسان بقولي في الأرحام ،فوظيفة التكاثر من قبل تشغل ذهني كثيراً تأملاً وتعمقاً ، لذلك أعدّها أقدس ، وأطهر ، وأهم عملية حيوية في الوجود ، ومن ينظر إليها بعين الدناءة  والحقارة ، والنجاسة ، والصغر- كما أسلقنا - ، إمّا جاهل ، أو منافق ، من هنا تأتي قدسية المرأة بالنسبة للرجل ، والعكس صحيح ،ليس عيباً أن يجهر الرجل ، أوأن تجهر  المرأة ، بحبهما ، أو عشقهما  ، ولا أعلم من أعطى الحق للرجل بالجهر ، والغزل ، والمبادرة ، ولا يحق للمرأة بمثله ...!!  ،ولكن ضمن النظام الأخلاقي، والشرعي ،والقانوني ، لا حسب شريعة الغاب ، والاقتتال ، فالجنس من الغرائز الأساسية ( الدوافع الفطرية)  الأربع  القوية  لدى الإنسان ، دون تمييز ، تأتي مع  - ولا أقول بعد ، والسبب  حسب توفر الحاجة -  الأمومة ، والعطش ، والجوع ، ولها - الغريزة الجنسية -  أثر كبير في سلوكه ، وصحته النفسية ، فكبتها رغماً ، يؤدي إلى أمراض نفسية عديدة ، كالنفاق ، والجبن ، ، والغيرة ، والحسد ، والخجل ، وعدم الثقة بالنفس ، ... بل إلى ضعف الفكير ، وقلة مردود الانتاج ، والعالم النفسي الشهير  فرويد الذي اهتم بدراستها ،وكيفية تطورها من الناحية النفسية ،وصلتها بشخصية الفرد ، يرى أن فائض احتياجها قد يستغله الفنانون والشعراء والمبدعون عموماً عند إبداعاتهم ، من هنا يأتي الغزل العفيف والإباحي عند الشعراء حسب الظروف الذاتية والموضوعية لكل شاعر أو شاعرة ، وإن حُرمت  معظم الشاعرات في بيئتنا العربية من هذا الحق الفطري ، وإليكم عذري ، لا تتخيل عن موضوع العدالة ، بل عن الإطالة ، وإلى الحلقة القادمة مع شكري وتقديري 

CONVERSATION

0 comments: