الحلم العربي بدل الربيع العربي/ سعيد الشيخ

هناك "فصحنة" من النمط التقليدي تنتشر هنا وهناك في مقالات كتاب عرب موزعة ما بين الصحافة الورقية والاليكترونية، تحاول اقناعنا بما هو نظري دون الاخذ بمعطيات الواقع المنتج من مواضيع القضايا المطروحة للنقاش.
على ان هذا الطراز من هؤلاء الكتاب لديهم "ثقافة عالية" لم يصلها اقرانهم ممن نفضوا ايديهم من "الربيع العربي"، بعدما شاهدوا حجم الخراب على مجمل الحياة العربية... والشواهد على ذلك لا تحصى ولا تعد، ومع ذلك لا يريد ان يراها هؤلاء لان ثقافتهم العالية لا تسمح بذلك. وعليه، فأن الذين راؤا ونبّهوا "لا يقرأون الواقع بمنظار صحيح" كما كتب أحدهم مؤخرا وهو المحفّز لي لكتابة هذا المقال.
من أين يجيء هؤلاء الكتاب بمشهدية حضور قضية فلسطين في حراك "الربيع العربي" اذا كانت كل الشواهد تؤكد ان فلسطين قد غيّبت من الهتاف وهي ليست على بال احد من "أبطال" هذا الربيع. بل على عكس ذلك يذهبون باطلاق التصريحات الناعمة والمواسية، لتهدئة روع الاحتلال الاسرائيلي القلق من تغييرات ايدولوجية قد تحدث في طبيعة الصراع العربي _ الاسرائيلي.
تعلن الثورات العربية الى انها تسعى الى التغيير، وقد اعطت اليسير من المؤشرات حول طبيعة هذا التغيير وملامح وافية عن القوى والنخب الزاحفة الى السلطة... وما نشاهده اليوم ليس أكثر من تغيير في العباءة. كانت العباءة القومية والوطنية ويتم استبدالها بعباءة الاسلام السياسي مثير الجدل في قضايا لا تخطر على بال أحد، ولا هي بطبيعة الحال محسوبة على الخطاب النهضوي...فكيف ننعزل عن الواقع ونظل نلصق بقوى هذا الربيع القول الذي نردده منذ خمسينيات القرن الماضي:"ان فلسطين قضية العرب المركزية". وقد رأى الكثيرون من منظري الربيع بأن هذا القول هو "بضاعة" النظام العربي الرسمي الاستبدادي، ولا بد من تجاوزه بما يتلاءم مع الرعاية والسياسة الاميركية والاوروبية...
لقد تخلصت ثورات الربيع العربي من بعض الديكتاتوريات، ولكنها لم تستطع التخلص من البريق الامريكي، وهي هنا لم تستطع التطاول الى مستوى "الحلم العربي" الذي كان دائما ينظر الى التحرر والاستقلال وبما يحقق النهضة الوجودية للامة العربية بكل مستوياتها. وطبعا كانت "اسرائيل" دائما هي معوق هذه النهضة لا لسبب الا لتفوقها المتنامي الذي يقابله تخاذل انظمتنا.
واستمرت القوى التي جاءت الى السلطة في ظل الربيع العربي على ذات النهج المتخاذل. ألم تأتي المؤشرات بهذه الصورة من تونس وليبيا ومصر ومن المعارضة السورية التي تدب الصوت وهي تنادي الولايات المتحدة الاميركية وحلف الناتو للتدخل العسكري وحسم الوضع لصالحها؟
الحلم العربي كان أكبر من هذا الربيع!!
وما كان يسمح بربط الحداثة بالتبعية، ولا لنفوذ النفط وقوى الرجعية ان تتقدم الصفوف الاولى وبلادها عبارة عن غابة من الاستبداد، حيث السواد ما زال يظلل المرأة. ونظام الذي لا يملك هو عبد في صفوف العبيد عند الذين يملكون.
 الحلم العربي لم يكن يكتفي فقط بالترقيع..ولا اللف والدوران في ذات المربع الاستبدادي والسلطوي...لقد كان الامل الكبير المحروس بالوعي التحرري والتنويري الذي يدعو لنقل الامة من الظلم والظلام الى النور الكوني الفسيح.
الربيع الغامض والمتردي هذا الذي نشهده، لا يضاهي الحلم العربي الذي حلمت به ملايين البشرمن هذه الامة ومن المحيط الى الخليج.
لماذا لا يتم احياؤه وفاء للتاريخ العربي وللمقدسات المغتصبة. ومن دون تطهيرها لا كرامة لعربي ولا لمسلم!!

CONVERSATION

0 comments: