النكبة المركّبة كمنتج لقيادة فاسدة/ سعيد الشيخ

في برنامج "الذاكرة السياسية" على فضائية العربية يطل المدعو محمد رشيد أو خالد سلام أو أسماء عديدة اخرى، بما ان الرجل هو شخص واحد ويحمل خمسة جوازات سفر من دول مختلفة.. المهم ان الرجل الذي كان مستشارا ماليا للراحل ياسر عرفات يدلي ما في ذاكرته من أحداث ومواقف تحيط بالكشف عن جولات المفاوضات ما بين الفلسطينيين من جهة والاسرائيليين والاميركيين من جهة أخرى والتي افضت كما هو معروف الى وجود السلطة الوطنية الفلسطينية.
"الشعب الفلسطيني لم يخسر شيئا من هذه المفاوضات"!
يقول رشيد المتهم من قبل السلطة بأنه اختلس من خزائنها ملايين الدولارات...فيرد المتهم التهمة بكشفه ان رئيس السلطة وأولاده ايضا يكدسون الثروات من أموال الشعب الفلسطيني.
والشعب الفلسطيني لم يخسر شيئا؟!!
محمد رشيد لم يكن هو ولا أجداده او والديه في فلسطين عام 1948 ليشعر كيف الفلسطينيون عانوا من مرارة الخسران وهم يشاهدوا مدنهم وقراهم تسقط الواحدة تلو الاخرى بيد العصابات الصهيونية، حتى كانت لها هذه الدولة التي قامت على أراض فلسطينية أصيلة في التاريخ الفلسطيني...وذاكرة الالم هذه لم تظل محصورة في الجيل الفلسطيني الذي هجّر من فلسطين شريدا ولاجئا، بل هي تعيش مع كل الاجيال الفلسطينية لان روايتها ما زالت تنتقل من جيل الى جيل.
وهو لم يأت الى النضال الفلسطيني من المخيم حيث معاني النكبة تتجسد هناك بكل معاني القهر والحرمان مما يكسب النضال بعده الوجداني في هدف الحرية وتغيير الواقع المرير. لم يأت محمد رشيد الى الثورة الفلسطينية ثائرا بل موظفا في مؤسساتها له حساباته التي تختلف عن حسابات الثوار. وقد استطاع ان يوظف ذكاءه وفطنته ليختلس الملايين ويكدس ما كدسه من ثروة تفوق التوقعات ويفرّ من أراضي السلطة مطلّقا "النضال" وأهله.
والشعب الفلسطيني لم يخسر شيئا؟!!
محمد رشيد لم يحلم كما يحلم أبناء المخيمات خصوصا والفلسطينيون عموما .. هؤلاء الذين يتطلعون الى العودة الى ديارهم وممتلكاتهم في الوطن كتتويج لسنوات الكفاح .. اذ بالقيادة المتنفذة في منظمة التحرير تعترف بكيان العدو .. تعترف بالتوقيع والختم عن تنازلها عن المدن والقرى المحتلة ، وهنا مقتل الامل في حرمان الاجيال الفلسطينية من مجرد الحلم في ان يكون لها يوما للعودة، وتعود فيه الى حيفا وعكا وصفد وكل فلسطين التاريخية بعاصمتها القدس.
الخسارة المتأتية من المفاوضات مع العدو كانت نكبة جديدة مرّها يضاهي مرارة النكبة الاولى ان لم يكن أكثر ... حيث الاولى كانت من فعل الاغتصاب، وللضحايا حق المقاومة. أما الثانية فهي من فعل التخاذل والتواطؤ المريع. حيث تحيل القيادة الفلسطينية الحقوق الفلسطينية وتاريخ النضال والمقاومة الى هباء.
لم يكسب الشعب الفلسطيني من اتفاقيات اوسلو وملحقاتها شيئا ... تربح منها اسرائيل شرعية وجودها، ويخسر الفلسطينيون حق المطالبة بوطنهم التاريخي بمقابل هذه الملهاة التي اسمها سلطة وطنية.
من أين يفهم محمد رشيد وأمثاله هذه المعادلة طالما ان النضال كان بالنسبة اليهم هو البحث عن الثروة في هذه الثورة ... الخامدة.
أم ان الفهم يتعطّل امام بريق المال والمصالح الضيقة؟
----------------------------------------------------
كاتب وشاعر فلسطيني

CONVERSATION

0 comments: