تفوق رئيس وزراء تركيا السيد رجب أردوغان على أعتى خبراء مخابرات وأبواق وصنوج ووسائل إعلام بعث حليفته سوريا في ابتكار المسميات اللغوية الكبيرة والرنانة، واختراع وإطلاق الشعارات العاطفية والوهمية والشعوبية، وفبركة وتفصيل أوهام التحرير الكاذبة لجهة عشقه للفلسطينيين وتفانيه في سبيل خدمة قضيتهم وسعيه لفك الحصار البحري الذي تفرضه عليهم إسرائيل في قطاع غزة.
�
وقد أجاد وأفاض اردوغان في تقمصه المسرحي لشخصية البطل والمحرر والخطيب المفوه إلى درجة أنه أعلن عن نيته التوجه شخصياً على متن بارجة تركية إلى غزة لتحدى الحصار، وذلك بعد أن غرف بنهم وجشع من خوابي مفردات القاموس العكاظي ولم يترك نعتاً مشيناً فيه إلا وأطلقه على دولة إسرائيل وقادتها، كما أنه لم يوفر الدول العربية حيث خاطب الإسرائيليين قائلاً: "نحن في تركيا لسنا قبائل ولسنا كبعض الدول"، والمقصود� في كلامه الإستعلائي هذا العرب طبعاً.
�
هنا دبت الغيرة القاتلة في صدور قادة الحرس الثوري الإيراني فأعلن ممثل المرشد الأعلى في هذا التنظيم العسكري الفاشستي السيد علي شيراز بأنه: "إذا أمر المرشد الأعلى للثورة السيد خامينئي فان الحرس الثوري على استعداد لمرافقة السفن والأساطيل المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى غزة".
�
تفنن وأجاد أردوغان وتقدم حتى على أحمدي نجاد في اللعب على أوتار التعصب الإسلامي والجهادي والديماغوجي الرخيص، وبرهن بالفعل أنه متمرس في فن المزايدة والخداع والتجارة والشعوبية بأشواط على منظمة حماس وحزب الله وأحمد سعيد والصحاف وناصر قنديل ووئام وهاب وباقي ربع الحناجر الصداحة بأناشيد التحرير والمقاومة والممانعة والنحر والقهر. كما فاز عليهم جميعاً في خوض غمار المعارك الدونكيشوتية، والخطاب التحريضي والمذهبي وفي إثارة الغرائز ومكونات الحقد والكراهية.
�
ففي أعقاب المواجهة التركية الإسرائيلية قبالة شواطئ غزة التي سقط خلالها تسعة قتلى من الناشطين الأتراك توج الجهاديون في سوريا وغزة ولبنان وبعض الدول العربية تركيا حامية لجهادهم الثوري ورُفعت صور اردوغان "البطل المحرر" في كافة المظاهرات ووصل الحماس الثوري والتنافسي عند قيادات حزب الله في لبنان إلى الإعلان بأن تركيا هي أكثر عروبة من الدول العربية وطالبوا الحكام العرب الذين انتقدوا مواقفهم بشدة وسخفوا مبادرتهم للسلام بأن يقتدوا بنموذج ثورية وجهاد المناضل اردوغان.
�
لقد انضم اردوغان "البطل" شخصياَ إلى ربع تجار دم ودمار، ومتعهدو تهجير وإفقار شعوبهم، وهو يحاول توريط بلاده في تبني خطاب مخادع وديموغوجي ما من مرة حقق للعرب أو للقضية الفلسطينية أي انتصار أو إنجاز، ودائما كانت ضحاياه هي الشعوب العربية وقضياهم الإنسانية والمعيشية والوطنية.
�منذ قيام دولة إسرائيل في الأربعينيات وحكام وساسة وأحزاب الأنظمة الدكتاتورية والعسكرية والمذهبية في شرقنا التعيس يخيرون شعوبهم بين أمرين، أما الولاء الغنمي والأعمى والمطلق لهم والسكوت عن كل ممارساتهم القمعية، وإما اتهامهم بالعمالة لإسرائيل وبالخيانة. وقد تفننوا في أساليب التعذيب والقمع والاضطهاد، وتخصصوا في فبركة الاتهامات والإجرام.
قتلوا روح المبادرة وسطحوا الحس النقدي عند الناس وعملوا على نشر ثقافة الجهل والتعصب والانغلاق والحقد والكره ورفض الآخر، وها هو اردوغان التركي العثماني يلتحق مؤخراً بركب هؤلاء التجار ويزايد عليهم.
�
إن أهداف الهجمة التركية الممتطية حصان القضية الفلسطينية ليست خافية على أحد، فالعثمانيون الجدد لا زالت أحلام الإمبراطورية العثمانية البائدة تدغدغ مشاعرهم وهي شاخصة باستمرار وبقوة في كل تحركاتهم ومشاريعهم وتحالفاتهم وخطاباتهم، وبالتالي هم يسعون دون كلل لبسط نفوذهم وسلطتهم على كل الدول العربية والإمساك بقرارها والهيمنة على ثرواتها والمزايدة في قضياهم الوطنية.
�
المطلوب من الدول العربية المعتدلة وخصوصاً دول الخليج العربي ومصر والأردن أن تقف في وجه الهجمة التركية وتصدها وتفضح مراميها وتكشف ألاعيبها، وفي نفس الوقت أن تخرج عن صمتها المميت وخجلها القاتل وتبدأ فوراً وقبل فوات الأوان باتخاذ إجراءات صارمة وواضحة وشجاعة لرد ولجم التمدد الإيراني الوقح الذي لا يهدد بالواقع إسرائيل التي لديها من القوة والسلاح والدعم الغربي ما يحميها بل يهدد دولهم وثرواتهم.
�
من المحزن أن الدول العربية هذه لا تزال مترددة ولم تحسم أمرها في المواجهة بعد في حين أن التغلغل الإيراني يتفشى أكثر وأكثر وهو ينخر مجتمعاتها ويحاول تلغيمها وتفجيرها من الداخل كما فعل في اليمن وكما هي الحال في كل من البحرين والكويت ولبنان حيث ينشط الحرس الثوري الإيراني في زرع خلاياه المخابرتية والعسكرية.
�
الحكم التركي لا تهمه القضية الفلسطينية وهي لم تكن في يوم من الأيام من أولوياته أو من القضايا التي يسعى لحلها، إنما يرى فيها حالياً مجرد بضاعة رائجة يحاول المزايدة والمتاجرة بها بخداع وحنكة ولهذا فهو يبيع الشعوب العربية الكلام وفقط الكلام، وهو يتنافس في هذا المجال مع إيران الملالي بهدف تقاسم الجبنة والهيمنة على جزء من الدول العربية.
�
ترى هل ستستفيق الدول العربية من غيبوبتها لتدرك بالعقل والمنطق والواقع والحقائق الخطر الإيراني والتركي وتعمل جاهدة لعدم عودة لا الإمبراطورية العثمانية ولا الفارسية إلى بلادها؟ نتمنى ذلك، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
0 comments:
إرسال تعليق