......كل المعطيات والدلائل تشير إلى أن ما يجري من تحركات سياسية وطرح لمقترحات ومبادرات وعقد لمؤتمرات وجولات مكوكية على مختلف أشكالها وأسمائها سواء المتعلقة منها بإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية ووضع حد للاحتلال أو المتعلقة برفع الحصار الظالم المتواصل على شعبنا في القطاع منذ أكثر من أربع سنوات،كلها تندرج في سياق إدارة وإعادة انتاج الأزمات لا حلها،فعلى صعيد إدارة الأزمة السياسية وجدنا منذ مؤتمر مدريد مروراً بأوسلو وانتهاء بخطة أوباما لحل القضية الفلسطينية ان كل تلك المبادرات والمؤتمرات والتحركات السياسية،كانت في مجملها وجوهرها تخضع للشروط والاملاءات الإسرائيلية،وهي تفتقر الى المرجعية الدولية وآليات التنفيذ والسقوف الزمنية للتطبيق،ولم يكن الهدف منها انهاء الاحتلال وتطبيق قوانين الشرعية الدولية،بل تأبيد الاحتلال وشرعنته،ولهذا نجد سباقاً مارثونياً من المفاوضات العبثية غير المنتهية،والتي كلما تعثرت أو اقتربت من انسداد الأفق،تعمل أمريكا وأوروبا الغربية على حقنها وإنعاشها مؤقتاً،وبما يمكن من إعطاء الفرصة لإسرائيل وأمريكا وأوروبا الغربية من استكمال تحقيق أهدافهما والحفاظ على مصالحهم في المنطقة،
فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من حكومة شامير في فترة مؤتمر مدريد وحتى الحكومة الإسرائيلية الحالية في عهد نتنياهو،وهي تنتهج نفس السياسة والهدف المفاوضات من أجل المفاوضات،ودون تقديم أية تنازلات جدية فيما يتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حتى في الحد الأدنى منها.
وعندما شعرت إسرائيل وأمريكا وأوروبا الغربية بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية 25/1/2006،بأن الواقع الفلسطيني وتلك الانتخابات أفرزت قوى سياسية فلسطينية ستغير من قواعد اللعبة،ومن شأن ذلك التغير أن يفرض على إسرائيل قواعد وشروط سياسية جديدة فيما يخص التسوية وعملية السلام،بادرت فوراً إلى فرض حصار ظالم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ورفض نتائج تلك الانتخابات،وسعت ووظفت كل طاقاتها وإمكانياتها من أجل عزل هذا النهج والخيار والعمل على إسقاطه.
ولكن عندما شعرت أن الحصار والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني،لم يعطي النتائج المرجوة بل كان له تأثيرات ونتائج عكسية،فالجماهير لم تتمرد أو تثور على السلطة القائمة،بل وقفت الى جانبها كما أن الحصار زاد من حالة الململة والغليان في الشارع العربي،ناهيك عن زيادة الاحتجاجات والانتقادات والمطالبات عالمياً بفك الحصار عن القطاع،وأيضاً هذا الحصار زاد من حرج وتآكل شعبية النظام الرسمي العربي المشارك في هذا الحصار.
ومن هنا حتى لا يستمر هذا النهج والخيار بوضع العصي في دواليب التسوية وفق الرؤيا الإسرائيلية- الأمريكية قامت إسرائيل بشن حرب عدوانية على قطاع غزة في كانون أول/2008 ،بهدف القضاء على السلطة القائمة هناك وقوى المقاومة،ولكن تلك الحرب العدوانية لم تنجح في تحقيق أهدافها وسجلت المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني درجة عالية من الصمود الأسطوري،رغم الدمار الهائل الذي أحدثته آلة الحرب الإسرائيلية في البنى التحتية والممتلكات.
وعقب ذلك عمدت إسرائيل إلى تشديد الحصار على القطاع،بحيث حرمته من كل شروط ومقومات الحياة الإنسانية،تحت حجج وذرائع منع تدفق السلاح الى القطاع،والمشاهد المأساوية الناتجة عن هذا الحصار حيث الوفيات الناتجة عن نقص الدواء،واستمرار عيش الناس في العراء والذين لم تمكنهم منع مواد البناء من إعادة ترميم وبناء بيوتهم،حرك الكثير من المشاعر الإنسانية عربياً وإقليمياً ودولياً،وبادر الكثير من نشطاء العمل الأهالي والمجتمعي وكذلك برلمانيين أجانب إلى تنظيم قوافل إغاثة للقطاع المحاصر،ولعل النقطة الرئيسية في التحول فيما يخص الحصار الظالم على القطاع،هو أسطول الحرية الذي أشرفت تركيا على تنظيمه لكسر الحصار على غزة ،وما نتج عن ذلك من تداعيات،حيث اعترضت إسرائيل أسطول الحرية في المياه الدولية وقتلت تسعة من ركابه وأصابت العشرات،ومنعت وصول المساعدات الى المحاصرين في القطاع،ولكن تلك التداعيات فتحت الباب على مصرعيه فيما يخص ضرورة رفع الحصار عن القطاع،وأصبح هناك سخط شعبي عالمي ومطالبات دولية رسمية وشعبية بضرورة رفع الحصار عن القطاع.
هذا السخط والحالة الشعبية والرسمية المتصاعدة،جعلت إسرائيل تفكر ملياً في طرق وآليات جديد تطيل من أمد الحصار لا إنهاءه،وبادرت الى عقد لقاءات مع الإدارة الأمريكية والتي بدورها عقدت لقاءات أخرى مع شركاءها العرب من النظام الرسمي العربي المشاركين في هذا الحصار،بهدف امتصاص النقمة والغضب على الحالة الشعبية العربية والدولية المطالبة بفك وكسر الحصار.
حيث جرى الاتفاق على ضرورة تخفيف شروط الحصار وليس إنهاءه في لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ومندوب الرباعية توني بلير،بحجة وذريعة أن رفع الحصار عن القطاع وبالذات البحري منه سيحول ميناء غزة إلى ميناء إيراني،وبالتالي سيشكل خطر أمني وعسكري على إسرائيل.
ومن هنا فالواضح في كلا الحالتين العملية السياسية والحصار،فإن الهدف ليس إنهاء الاحتلال ورفع الحصار،بل ما يخص الضفة الغربية تأبيد وشرعنة الاحتلال مقابل تحسين الشروط والظروف الاقتصادية والحياتية للفلسطينيين تحت الاحتلال،وفي القطاع استمرار الحصار مع تامين للغذاء مقابل الأمن لدولة إسرائيل.
وعليه فإنه من الملح والضروري العمل باتجاهين الأول،وهو أنه يتوجب على الطرف الفلسطيني المفاوض،أن يكف عن الاستمرار في سياسة المفاوضات العبثية مباشرة أو غير مباشرة،فهي لن تؤدي إلى تأمين أو تلبية الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،بل استمرارها يعطي المشروعية لإجراءات الاحتلال وممارساته في التهويد والأسرلة والاستيطان، والاتجاه الثاني وهو العمل الجماعي وعلى كل الصعد المحلية والعربية والدولية شعبياً ورسمياً،من أجل كسر الحصار وإنهاءه،فكما هو الاحتلال فإسرائيل تعمل على جعله نمط حياة وأمر واقع،وبالتالي تحقيق هذه المسائل مرتبط،بالعمل على وضع حد لسياسة الانقسام المدمرة،ومن ثم بناء إستراتيجية فلسطينية موحدة،إستراتيجية تعتمد على بناء خيار سياسي آخر غير خيار المفاوضات،خيار يعيد الاعتبار للمقاومة والبرنامج الوطني الفلسطيني،تلتف حوله كل القوى والفعاليات الجماهيرية والشعبية،وبدون ذلك فإننا سنجد أنفسنا أمام احتلال مشرعن ومؤبد في الضفة الغربية وحصار دائم على قطاع غزة،مع ضياع للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وتبديد لكل المنجزات والمكتسبات المتحققة بفعل النضال والمقاومة.
0 comments:
إرسال تعليق