** يبدو أن هناك أكثر من 12 مليون قبطى يعملون مستشارون لقداسة البابا ، فلو نظرنا نجد أن محبة البابا لشعبه جعلت البعض يتمنى الجلوس بجواره لنوال البركة ولن يكلف فى هذه الحالة سوى أن يسعى "عبده مشتاق" لإلتقاط بعض الصور فى ضيافة قداسة البابا ونشرها على الصحف ليتحول بين ليلة وضحاها إلى مستشار لقداسة البابا .. فإذا كان يعمل محاميا فيكفى جلوسه فى حضور قداسة البابا مرة أو إثنين ليوحى للأخرين أنه المستشار القانونى لقداسة البابا ، وإذا كان له رتبة كهنوتية يطلق على نفسه المتحدث الرسمى للكنيسة الأرثوذكسية وإذا كان يداوم على الصلاة ويسعى جاهدا لإلتقاط صورة له مع قداسة البابا يطلق على نفسه المستشار القانونى لقداسة البابا ..
** هذه الألقاب والمصطلحات مع إحترامى للجميع بدأت تنتشر على صفحات الجرائد والمجلات وبعض البرامج الفضائية مع الإعتبار أن قداسة البابا ربما لا يعلم عنها شيئا وإذا علم فقداسته تشغله مشاكل الأقباط التى صارت تلازمه مع كثرة الإجتماعات والمؤتمرات واللقاءات التى لا تتوقف .
** ففى جريدة المصرى اليوم الصادرة فى 16 يونيو 2010 حوار أجراه "هيثم دبور" مع رجل الأعمال "هانى عزيز" بعنوان "مستشار البابا لـ "المصرى اليوم" " فقد إعتبر هانى عزيز أن صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام البابا بمنح المطلقين تصريحا بالزواج الثانى فى الوقت الذى تجرى فيه إنتخابات مجلس الشورى وقبل إنتخابات مجلس الشعب كاف لدفع الأقباط إلى عدم المشاركة فى الإنتخابات وذلك طالما أن الحكم الصادر ضد دينهم ، وقد ألمح هانى عزيز إلى أن القيادة السياسية طمأنت البابا بإيجاد حل للأزمة ليلة "أربعاء الغضب" وهو ما دعى قداسة البابا إلى التنبيه بعدم حضور أعداد زيادة عن المعتاد حضورها فى عظته الأسبوعية .
** وقال هانى عزيز :"أنا هنا لا أعلق على الحكم لكننى أعلق على ما فعله القاضى بعد إصدار الحكم بدعوة الإعلام لشرح الحكم فى سابقة لم تحدث من قبل" ، كما قال " إن جميع الأديان متفقة فى الكثير فيما عدا إختلافات قليلة وفى نفس الحوار قال محرر المصرى اليوم أن هناك بعض الأقباط العلمانيين مثل كمال زاخر أدان لجوء البابا لذلك معللاً أنه لا يجوز إستخدام أدوات إسلامية فى التعامل مع النص المسيحى لوجود إختلافات بين طبيعة النصين فالقرأن كما قال زاخر فى تصريحاته للصحف "نص إلهى مباشر" أما الإنجيل فقد كتبه رجال مرشدون !! ، وأكد هانى عزيز أن كل الأديان متفقة فى الكثير فيما عدا إختلافات قليلة والإنجيل ولا إجتهادات مع النص .. وأناجيل متى ولوقا ومرقس ويوحنا نصوص لأنها بشارات "عيسى" والتى كتبها تلاميذه ..
** هكذا تحدث المستشار هانى عزيز كما يطلق على نفسه وأعتقد أن قداسة البابا لا يمكن أن يوافق أو يلجأ إلى أسلوب التهديد بمنع الأقباط من الذهاب إلى لجان الإنتخاب بسبب حكم إدارى ، بل أن البابا تعودنا معه على الحكمة فى معالجة أى موقف طائفى أو سياسى أو حكم محكمة ، فهل يعلم الأخ المناضل هانى عزيز أن تصريح مثل ذلك ربما يؤدى إلى إشتعالات طائفية ، كما تناسى الأخ المناضل أن الحرب التى يقودها الشعب القبطى ضد الجهل والتطرف والإرهاب وضعوا أيديهم فى أيدى شركائنا فى الوطن من إخواننا المسلمين المستنيرين وقد قطعنا شوطا كبيرا للقضاء على التطرف والإرهاب .. نحن نعلم أن هناك ألاف من الأحكام الإدارية التى لا تنفذ فهناك أحكام ضد شيخ الأزهر ويكفى مكتبه أن يتخذ الإجراءات القانونية ضدها أما إذا كانت الأحكام تتعلق بالعقائد فأعتقد أن عدم الإهتمام بها أو الرد عليها هو أبلغ رسالة يمكن أن تكون للرد على هذه الأحكام .
** لقد أساء كل هذا الضجيج للكنيسة قبل أن يسئ للدولة .. إنه حكم إدارى يلزم الجهات الإدارية أى الخاضعة للدولة .. والكنيسة نعم مصرية وتسرى عليها الأحكام الدستورية فيما يتعلق بالتراخيص والمنشأت والمبانى أما ما يمس العقيدة أو التعاليم الروحية فهذا شأن كنسى فقط ولا يستطيع أى كائن أياً كان أن يقل منه أو يزدريه .
** لقد ردد هانى عزيز بعض كلمات البابا والبعض رددها فى أكثر من مناسبة حتى جعل البعض يتساءل إذا كنتم تستشهدون بالأحاديث القدسية وإعتبارها نص إلهى إذن فلماذا لا تؤمنون ببقية ما أنزله القرأن فعلى سبيل المثال ، القرأن فى بعض الأحاديث يتهم المسيحيين بأن المسيح هو نتاج علاقة تزاوج جسدية بين الله والقديسة مريم "ما كان الله أن يتخذ ولا ولد وإن أراد الله أن يتخذ ولدا لإصطفى من عباده من يشاء " ويقول القرأن أيضا "لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة" ، كما يصفهم القرأن تارة بالضالين "ولا الضالين" وتارة أخرى بالكفار "لقد كفروا الذين قالوا أن الله هو المسيح عيسى بن مريم" ..... وأيات كثيرة كلنا نحفظها جميعا وكان البعض منا يدرسها فى المراحل التعليمية ، فالمتطرفون يؤمنون أن غير المسلمين هم "عهدة" فى ذمتهم ولا يحق لهم أن يتساوون مع المسلمين وهم ينكرون على الأقباط حقوق المواطنة فيتهمونهم بالكفر وهم مطالبون بدفع الجزية وهم صاغرون "أى مذلون مهانون" هذا عن ما ورد ببعض الأحاديث بالقرأن ، كما أن المسلمين فى العصور الماضية إعتبروا أن الأقباط كفار كما إعتبروا أن الأجانب فى العصور الماضية بلادهم دار حرب .
** أما فى العصور الحديثة فالعالم كله أمم متحدة أو قرية كونية واحدة فهل هذه النصوص القطعية تؤخذ بها فما بال الزمان ينسخ هذه النصوص ويتجاوزها .
** لقد تناسى الأستاذ هانى عزيز أننا فى دولة نرفض أن نقول عليها دولة إسلامية .. فمصر دائما هى دولة الرسالات السماوية فلم تعد مصر مجتمع دينى يقوم على الإيمان المشترك ودولة الأزهر من ناحية والكنيسة من ناحية أخرى ، بل أن مصر مجتمع وطنى يقوم على المصالح المشتركة بين أبنائه والحاكم فى المجتمع القديم مفوض من السماء وظل الله على الأرض يحكم بإسمه ويجسد إرادته فلا محاكم ولا مجالس حقوقية ... أما فى المجتمع الجديد فالحاكم يستمد سلطته من الأمة التى هى مصدر السلطات ، فهل نحن نسعى للعودة للعصور الوسطى ، وهل يمكننا أن نعود للوراء ألاف السنين بنص قرأنى قدسى أم إننا نسعى إلى بناء حياة سياسية صحيحة للأجيال القادمة بعيدا عن نظام الخلافة لبعض الخلفاء الراشدين الذى تحول الحكم على أيديهم إلى طغيان كامل متوحش وعلى أيدى الأمويين والعباسيين والعثمانيين فهل نسعى للصدام الدينى والتمسك بحرفية ما جاء بالكتاب المقدس والأخرين يتمسكون بالإسلام الشيعى والبعض يطالب بالإسلام السلفى والبعض يطالب بتطبيق الشريعة الوهابية وحد الردة ويتحول المجتمع إلى بحور دم فكل فريق سيتمسك بنصوص دينية وأصبحنا بدلا من المطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدستور أصبحنا نطالب بتفعيلها وتحكم دولة الدين على القانون ..
** فهل نكف عن هذا العبث .. نحن إذن فى حاجة ملحة إلى إلتحام الشمل بين الجميع ونتخلص به من كل ما يفسد حياتنا الوطنية فى مجالاتها المختلفة فالجواب يتلخص فى جملة واحدة هى "فصل الدين عن الدولة" وليس معنى هذا أن تتخلى الدولة عن القيم الدينية أو تتخلى الكنيسة عن إيمانها الأرثوذكسى أو الكنسى أو يتجاهل الدين قضايا الناس وهمومهم العملية ولكن المعنى المقصود أن يستقل الدين بنفسه فلا تفرض عليه الدولة منطقها ولا تستخدمه فى تحقيق أغراضها وسياستها وتستقل الدولة عن الدين فلا يستخدمها رجاله فى مقاومة التطور فلا يغتصبون السلطة بالحق الإلهى .. نرجو الحذر حتى لا ننزلق للفكر الوهابى المضلل .
رئيس مجلس إدارة جريدة النهر الخالد
Email : elnahr_elkhaled2009@yahoo.com
0 comments:
إرسال تعليق