في قول مشهور للرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون، عام 1994 حول الصين، قال :" القوة الاقتصادية الصينية اليوم، تجعل محاضرات الولايات المتحدة للصين عن حقوق الإنسان عملاً وقحاً، وفي خلال عقد من الزمان لن يكون لها لزوم، وبعد عقدين ستكون شيئاً مضحكاً".
وهي بالفعل أصبحت شيئاً وقحاً ومضحكاً في نهاية العقد الماضي.
السؤال الذي يفرض نفسه، ليس كون الولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى، هي القيِّم على تنفيذ مبادئ الديمقراطية. إنما ما هي العوامل التي تجعل من الديمقراطية امراً يفرض نفسه ولا يستورد من الخارج بشكل هجين، ولا يمكن تصديره، كما تصدر الأفلام الأمريكية مثلاً؟!
وأكثر من ذلك، بات واضحاً تماماً عبث ربط المعونات الاقتصادية، أو العسكرية، بأداء النظام في قضية حقوق الإنسان، هذا الربط يتناقض مع مبدأ الحق في التنمية الاقتصادية.
إن تشكيل رؤية عامة عن آفاق الديمقراطية في مختلف دول العالم، يشير بوضوح الى أن التنمية الاقتصادية، هي محرك أساسي لدمقرطة الأنظمة، بينما استمرار تعثر التنمية، مرتبط بظواهر تفشي الاستبداد وتقليص فظ لحقوق الإنسان.
ان طرح شعار دمقرطة الانظمة الذي بادرت اليه إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، تظهر غباء تلك الإدارة، إذ لم تطرح مفهوم التنمية الاقتصادية كشرط لدمقرطة الأنظمة.
تجربة العديد من الدول، خاصة في جنوب شرق آسيا، تشير بوضوح الى أن التنمية، فرضت المزيد من الديمقراطية بشكل تلقائي.
من الواضح ان هناك تأثيرات ثقافية ودينية ايضاً، ولكني لا أرى أنها المقرر الحاسم في دمقرطة النظام. إنما هي عوامل قد تسرع أو تعرقل المسار الديمقراطي.
إن انتشار الديمقراطية، لن يتحقق بظل غياب التنمية، وحيث نشهد تحولات ديمقراطية، سنجد أنها نتيجة طبيعية لزيادة قوة البرجوازية والطبقات الوسطى، ولأن الديمقراطية ، في هذه الحال، تشكل قاعدة تنموية مناسبة لها، وليس لأن النظام قرر تغيير نهجه او تبنّي عقائد جديدة.
هذا الإتجاه نلاحظه اليوم مثلاً في الصين، التي فتحت أبوابها للمستثمرين، ويكاد يكون أكثر من ثلثي الاستثمار في الاقتصاد الصيني في العشرين سنة الأخيرة، قد جاء من مصادر من خارج الصين.
فهل يتوقع احد أن يستمر نظام الصين الشيوعي، في التمرس وراء مقولات ونظريات اقتصادية لم تحقق الا انهيار المجموعة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي؟!
صامويل هنتجتون، مؤلف الكتاب الشهير والمثير للجدل "صدام الحضارات" يذكر حادثاً نموذجياً لدور التنمية في تعزيز مواقف أنظمة كانت تتهمها الإدارة الأمريكية بعدم احترام الإنسان، مثل النظام الصيني مثلاً.
في فترة رئاسة كولن باول لوزارة الخارجية الأمريكية، وجهت الإدارة الأمريكية تهديداً للصين بالتخلي عن معاملتها كدولة أولى بالرعاية إن لم تتعاون بخصوص حقوق الإنسان.
الرد الصيني كان بأن عاملت وزير خارجية الدولة العظمى كولن باول، أثناء زيارته للصين، معاملة مهينة، لم تحفظ حتى ماء وجهه، بل ووسعت الصين سلوكها الذي انتقدته الإدارة الأمريكية والذي حدث هو تراجع الادارة الأمريكية أمام العملاق الصيني، بل وحتى أمام دولاً أخرى تحقق معدلات نمو كبيرة مثل اندونيسيا وسنغافورة، بتجاهل احتجاز سنغافورة مثلاً لمواطن أمريكي وأعمال العنف القمعي لاندونيسيا في تيمور الشرقية، بل والأكثر من ذلك "اندفع رجال الأعمال الأمريكيون والاوروبيون بلهفة كبيرة لتوسيع تجارتهم واستثماراتهم مع الصين ودول ما يعرف باسم "النمور" في جنوب شرق آسيا، التي تميز اقتصادها بالنمو السريع.
وبالتالي نجد اليوم أن مساحة الديمقراطية تتعمق مع تعمق النمو الاقتصادي وتطور العلوم والتكنولوجيا وازدياد قوة الدول الاقتصادية وانعكاس ذلك على مكانة المجتمع المدني والرقي الحضاري للمجتمع.
كاتبة وباحثة اجتماعية –نيقوسيا
0 comments:
إرسال تعليق