فتنة مصر.. والكويت/ محمد طعيمة


قد يبدو منع عشرات الكتب لمبدعين ومثقفين مصريين قبل أيام من دخول الكويت تعبيرا عن توظيف ديني تفشى عقب تجربة الغزو الصدامي الأليمة. توظيف تقاسمه سلفيو وإخوان البلد الذي كان الأكثر تنورا بالخليج حتى قبل الغزو. من ذات التوظيف انطلقت إهانة المفكر المصري الراحل (نصر حامد أبوزيد) بطرده من المطار رغم وصوله للكويت بتأشيرة دخول سليمة. وقد يبدو طرد حكومة الكويت لمصريين متعاطفين مع البرادعي مجاملة لنظيرتها في القاهرة، لكن ما يثير الدهشة هو رعاية الكويت ومن قبلها البحرين لمحرضين على الفتنة الطائفية في مصر، خاصة أن مجتمعي البلدين عرفا تاريخيا بالانفتاح النسبي على الآخر.. الديني والثقافي.
بعد طرده من أمريكا عام 2004، وفي نوفمبر 2007 بعد ثلاث سنوات من إيواء إخوان البحرين له، لبت المنامة طلب الكويت وطردت موظِّف الدين الإخوانجي (وجدي غنيم)، لاتهامه من 3 نواب سلفيين كويتيين بالإساءة لفئات من شعبهم إبان حرب الخليج عام 1990. الاتهام جاء على خلفية صراع سلفي ـ إخوانجي وطارت فيه حقيبة الأوقاف من الوزير عبدالله المعتوق، أغسطس 2007، لـ"هدره المال العام باستضافة دعاة أساءوا للكويت". لم يحم غنيم اعتذاره العلني ولا تحالف فريقه من "بنّاوية" البحرين مع عائلتها الحاكمة، ولم ينجح إخوان الخليج في توفير إقامة له في إحدى دوله.. احتراما لرغبة الكويت. رحل غنيم إلى جنوب أفريقيا حيث لاحقه الطرد، ضمنا بسبب خطابه العنصري ضد المرأة والمسيحيين.. ورسمياً بسبب إقامته غير الشرعية. وقبل أيام أسقطت الكويت جنسيتها عن المتطرف الشيعي (ياسر الحبيب).. حماية لشعبها من فتنة طائفية تنتظر شرارة لتحرق بلدها، وبعدها بيومين أسقطت المنامة جنسيتها عن المتحدث باسم المرجعية الشيعية آية الله السيستاني.. وقاية لشعبها من الفتنة. لكنها لا تمانع في تصدير الفتنة لغيرها، فلأكثر من ثلاث سنوات ظل غنيم يبث دعواته الطائفية ضد أقباط مصر.. دون أن تتحرك القاهرة لحماية نسيجها أو تهتم المنامة بمراعاة مشاعر ملايين المصريين.
لنصف قرن ظل الخليج منصة صواريخ تستهدف العقل الجمعي المصري، لتهدد تراكمات ليبرالية ما قبل الثورة ومدنية دولة عبدالناصر. لم تنفرد البحرين باستباحة نسيجنا الوطني، فبعد لقائه عبدالعزيز آل سعود عام 1927، عاد حسن البنّا ليعلن تكوين) الإخوان) على مُسمى تنظيم وهابي دموي قامت شرعيته على "تصفية" المختلف معه من ذات الدين، وبث خطاب الكراهية ضد المنتمين لباقي العقائد، وتلته خيوط تمويل ورعاية لتيارات سلفية مصرية تنتمي لنفس الخطاب. ومن الكويت انطلقت قبل أيام أخطر دعوات كراهية أقباطنا سفوراً.. مُحرضة على مقاطعتهم باسم (جبهة علماء الأزهر).
تأسست جبهة علماء الأزهر عام 1965 وأُشهرت رسمياً بعد عامين كـ"مؤسسة مدنية" تخضع لقانون الجمعيات الأهلية، وتراجع دورها مع تحالف السادات مع موظفي الدين في السبعينيات، ثم أُعيد تنشطيها عام 1994 بقيادة د.محمد النجار. الجبهة، ورجالها، كانت وراء معظم دعاوى تكفير المثقفين، ومع صدامها بمشيخة الأزهر قرر محافظ القاهرة حلها عام 1998 وأيد القضاء القرار، والتزم "كل" أعضائها بالحكم.. عدا (يحيى حبلوش)، الذي قضت محكمة جنايات القاهرة بسجنه بتهمة سب وقذف الراحل د.سيد طنطاوي في مقال نشره عام 2002.
حبلوش كان رأس حربة دعاوى تكفير عديدة، أبرزها ضد د.سيد القمني ود.حسن حنفي. مع تنفيذ قرار حل الجبهة وفّر له "بنّاوية" الكويت عملاً وملاذاً، قبل أن يفارقهم عام 2008 بسبب الخلاف حول "درجة التصعيد" ضد احتفال شيعة كويتيين بـ"يوم الغدير/ ذكرى اغتيال الخليفة عمر"، ليقترب من تخوم السلفيين. هكذا استمرت بيانات (جبهة علماء الأزهر) لصاحبها "الوحيد" يحيى حبلوش، بدعم إخواني ثم سلفي. وسذاجة أو خبثاً، ظل زملاء يروجون لها، تكفيراً أو دعوة لمقاطعة أقباطنا.
تحمي البحرين حرية العقيدة.. للمسيحيين واليهود وتضمن تمثيلهم بالحياة العامة وفي برلمانها وبوزارة خارجيتها، ويمكن "فهم" تضيقها على الشيعة كجزء من صراع يتعلق ببقاء أسرتها المالكة، و"فهم" رعايتها لمروجي الفتنة في مصر، مع تآكل نفوذ القاهرة الإقليمي، كجزء من تحالف البنّاوية معها ضد شيعتها. تحالف لا يقف عند الإخوان المحليين، إذ تضمنت وثائق "فضيحة البدر" عن تلاعبات تجنيس السُنة أسماء لزملاء مرتبطين بالجماعة الأم.. جنسية وتنظيماً. لكن، للكويت موقف مفارق لدول مثل قطر.. من "كنيستنا المصرية"، وللسعودية.. من المسيحيين عامة، فـ"العادي" أن تتصدر صورة القس الإنجيلي عمانويل غلاف مجلة أو يظهر بفضائية كويتية أو في ديوانية محلية وصليبه الضخم على صدره، أو أن تتبرع الحكومة أو شخصية بارزة من الأسرة الحاكمة لكنيستنا الوطنية بمبلغ مالي أو قطعة أرض.
هكذا، تحمي الكويت نسيجها الوطني.. ومسيحييها، وتسقط جنسية مواطن وتطلب من البحرين ترحيل موظف دين شهير.. منعا لفتنة داخلية، فلماذا توفر ملاذاً لرؤوس كراهية تستهدف وحدة نسيج أختها الكبرى. على الأقل لتساوي بين مؤيدي البرادعي وبين مشعلي الحرائق في أرض الفراعنة.. أم أن آل الصباح يدركون أن اللانظام المصري شريك في الإشعال.. فتدعم الحرائق بحماية (حبلوش).
العربي القاهرية

CONVERSATION

0 comments: