يعد التعصب للرأي هو البلدوزر الذي يقوض بناء أي أمة مهما كانت صلابتها أو تقدمها فهو الدوامة التي تجتذب المتشدد إلى أسفل سافلين وباستطاعة أي منصف أو مواطن عاقل على أي رقعة بالعالم الحكم على تقدم أو تخلف أي أمة من خلال مدى تفهم ووعي وديمقراطية أبنائها ونظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك من النظم التي ترسي وتنظم حركة الحياة فيها أو من مدى تشدد وجمود وديكتاتورية أفرادها وأنظمتها المختلفة، وعندما يُعرَّف التعصب على أنه عدم الاعتراف بآراء الآخرين فإن التشدد هو أقصى درجات التعصب لأنه بمثابة الوقود الذي يحيل عدم الاعتراف بالرأي الآخر إلى محاربة واعتقال واستباحة معتقدات وأفكار الآخرين وربما تصفيتهم لضمان الإحكام والسيطرة.
هكذا نرى أن التشدد باعتباره إلزام وقهر أصحاب الرأي الآخر بمفاهيم ومقاصد محددة يكون في غير محله أو موضعه لأنه في النهاية سيسقطنا في هاوية الهدم والتخريب والضلالة عن سواء السبيل.. ولعلنا نشهد هذا المعنى في محكم التنزيل.. حيث يقول الله تعالى ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )) (سورة المائدة/77)
ويقول سبحانه في آية أخرى((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (سورة البقرة/143)
وهكذا نرى أن الإسلام وسائر الأديان السماوية تُنفِّر أشد النفور من التعصب والغلو والتشدد.
ولكن الأجدر بنا في هذا الموضع أن نناقش ماهية الأسباب التي تنشط فيها حالات التعصب للرأي وعدم الاعتراف بالرأي الآخر وماهية الدواعي التي تدفع جماعات على تبني ( جمود الفهم ) كسياسة عامة لهم بالقدر الذي لا يسمح لهم معه برؤية مفاهيم وأراء الآخرين!!.
هنا يكمن بيت القصيد- ولعلنا نجد في قانون نيوتن الثالث الإجابة الشافية لهذه التساؤلات..
فمن المعروف أن هذا القانون لنيوتن هو أحد قوانين الحركة.. حيث يعرف منطوقة بأن (لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه يعملان في نفس الخط )
يعني القانون أن لكل فعل قوة مقاومة لقوة الفعل.. ومن هنا- يجب علينا عدم الاستهانة بردود الأفعال والترويج لتحقير أثارها.. لأنه لولا وجود رد الفعل المنطقي لما احتاج الأمر لوجود الفعل ذاته.. هذا التدافع هو الميزان الذي أقام الله عليه الذرة والمجرة لا ينكره إلا جاهل..
إذن بحسب قوة الفعل تنشأ قوة رد الفعل فإذا كان الفعل حاداً يأتي له رد فعلٍ حاد مساوٍ ومضاد له في مضمونه.
ولعلنا نسمع مسميات كثيرة لا حصر لها عن الجماعات المتطرفة، فهذه جماعات مناوئة للحكومة الفيدرالية، وهذه الجماعات اليمينية المتطرفة،وهذه الجماعات اليسارية المتطرفة وهذه جماعة التكفير والهجرة وهكذا.. ولكن - يبقى الأهم دائماً هو دراسة الأسباب التي أدت لوجود جماعات تتبنى العنف كوسيلة دفع ومقاومة أو لترسيخ مفاهيمها ومعتقداتها هذا ما يعنينا في هذا المقام.
فلو أنه اعتدى نظام على آخر - مثلاً - بوازع المصلحة التي يتحرك العالم في فلكها وتم هذا الاعتداء تحت أي سيناريو أو مبرر ومهما استخدم هذا النظام أو حلفائه آلتهم الإعلامية الجبارة لترسيخ مبررات الاعتداء تحت أي مسمى في كيان المعتدى عليهم أو لخداع الرأي العام لديهم فإن هذا لا يمنع أبداً من وجود رد فعل يتناسب مع حجم وكيفية الاعتداء ويظل مُفعَّلاً طالما أن الاعتداء قائم هكذا نفهم التدافع في قانون نيوتن.
ولعلنا نفسر أيضاً من روح ومضمون هذا القانون كيف تنشأ صراعاتنا عندما تُصادر حرياتنا وكيف يُكال إلينا بمكيالين عندما نكيل بمثليهما للآخرين!
وكيف ينفجر بالون في وجوهنا عندما نضغط عليه بمنتهى القوة.. وكذلك يمكننا تفسير واقع الحكمة التي تقول ( إن الكبت يولد الانفجار )، هذا الكبت الذي إن فرض على أي أمة فلابد أن يشعل فتيل ثوراتها..
قانون نيوتن لا يجامل أحداً وهو لا يُخطىء أبداً..
إذن من أين نبدأ لنصحح أوضاعنا!!..أعتقد بأنه للإجابة على هذا السؤال يجب أن نتعرَّف على دوافع الفاعل أولاً ثم نقوم بتقويم وتهذيب ما سوف يصدر عنه من فعل بحيث نضمن من الآخرين رد فعلٍ آمن وإلا فليس على أي معتدي أو من يُحيك المكائد للغير سوى أن يتحمل جرائر مكائده.
ويا للحكمة ووقار أبيات الشاعر الكبير نزار القباني وهو ينشد:
فإن من بدأ المأساة ينهيها
وإن من فتح الأبواب يغلقها
وإن من أشعل النيران يطفيها
0 comments:
إرسال تعليق