لا شك بأنه لا يخفى على فخامتكم ما يعانيه أهالي قطاع غزة ليس من الاحتلال الإسرائيلي وما يفرضه عليهما من حصار فحسب, وإنما أيضا ممن يولون أنفسهم عليهم إجبارا ترهيبا أو حتى ترغيبا, وهذا ما أصاب الناضر إلى تصرفات مواطني غزة بكافة انتماءاتهم وطبقاتهم وشرائحهم, والمتتبع لشأنهما بالذهول والجمود , مع العجز الكامل عن دراسة تلك التصرفات أو السلوكيات وما ستفرزها على ارض الواقع من انعكاسات فكيف لا وقد استجد عليهم ظلما اشد قساوة لأنه قد جاء وما زال ممن يلتفون بعباءة من نحبهم ,ونلتف حولهم ,وندفع ثمن التفافنا وحبنا إليهم من كرامتنا, ومن أعمارنا, وهذا ما دفعني لأن ارفع إليكم برقيتي المفتوحة هذه واثقا من حنكة فخامتكم ,وحكمته في علاج ظاهرة نتمنى زوالها قبل استفحالها, ونكون قد وصلنا إلى نقطة لا يمكن العودة فيها من حيث بدأنا ولا حتى الوقوف ولو للحظة تأمل مع الذات.
كما تعلم فخامتكم بأننا ندفع ثمن التفافنا حولك وتمسكنا برمزيتك الدستورية وشرعيتك الثورية ولكن ما يؤسفنا حقا أن نصادف أحيانا بعض من يتبوؤن مناصب هامة وحساسة في سلطتنا الوطنية يقولون ما لايفعلون ,ويفعلون ما لا يقولون , ولعل ما يؤسفنا حقا ويؤلمنا بأننا أصبحنا نتذكر يهود الدولة العثمانية كلما شاهدنا البعض منهم أو سمعنا عن تصرفاتهم فهم بتصرفاتهم كيهود الدونمة الذين نجحوا فعلا في حينه بإسقاط أركان دولة الخلافة بعد أن نجحوا في التغلغل في صفوفها , ولبسوا رداء الإسلام زورا وبهتانا.
إن ما نراه اليوم من يهود دونما السلطة الوطنية, وما نسمعه عن تصرفاتهم يجبرنا أن نضعهم في نفس خانة يهود الدونمة الذين هدموا أركان الدولة العثمانية , فإذا كان هؤلاء قد لبسوا رداء الإسلام لتنفيذ مخططاتهم الاستعمارية, فإننا نجد بأن يهود دونما السلطة قد لبسوا رداء العروبة والانتماء لا لشيء إلا لهدم أركان السلطة الوطنية, وإفشال تجربة الدولة فالوطنية والانتماء منهما براء, كما كان الإسلام براء من يهود الدولة العثمانية.
ما أكثر يهود دونما السلطة الفلسطينية,وخاصة من هؤلاء الذين يعملون في السلك الدبلوماسي الذين جاؤا إلينا, وركبوا باخرة العودة والنضال بعدما كانوا قد قدموا زهرة شبابهم وخلاصة تفكيرهم لدول الخليج ,أو ممن كانوا قد قدموا إبداعاتهم لدول المهجر وعادوا لمزاحمة من ناضل وحلم ببناء دولة بعد معاناة من النضال في ساحات المعارك ,أو من تشتت في صحارى الدول العربية, وما أكثرهم واسمح لي فخامتكم أن اطلب منكم متابعة البعض كعينة من هؤلاء وخاصة من بعض العاملين في سفارتي دول الجوار أصحاب الولاء والانتماء للدولة التي هم فيها وليس للدولة أو السلطة التي يمثلونها.
إن تلك التصرفات والسلوكيات البعيدة عن ثوابتنا الوطنية,والتي لا تنخرط في بوتقة من ناضل وحلم ببناء دولة ستولد حتما عاجلا أو آجلا ردات فعل وربما هزات عنيفة نتمنى أن نتفاداها وصولا بأسرع وقت لحلم طال تحقيقه, فكما للبيئة انعكاس على الإنسان شكلا ومضمونا كما قال ابن خلدون في مقدمته,فان للتصرفات اللاوطنية والتي تخرج عن ما يتمناه شعبنا ويتمناه بقدر معاناته ونضاله انعكاسات أيضا على المواطن الفلسطيني , ولعلك تجدني صائبا فخامتكم لو أنني قلت جازما بأنه لو كان ابن خلدون ما زال على قيد الحياة وعايش أوضاع مواطني قطاع غزة لاعتقدت جازما بأنه سيضيف إلى ما قاله عن انعكاس البيئة على الإنسان ماتستفيد منه لأجيال تحسبا لغدر زمان ربما لن يكون بعيدا إذا ما استمر الحال على ما هو عليه .
إن الحصار, والإغلاق ,والاجتياحات المتكررة ,والعيش في ظل انقلاب اسود طال أمده في ظل انعدام أي افق سياسي ,أو انفراج اجتماعي يرافق كل ذلك معاناة لا تنتهي من قطع بالكهرباء وانقطاع ليس عن العالم الخارجي فحسب ,وإنما حتى عن اقرب محيط جغرافي تجعل من تصرفات مواطني قطاع غزة وأحوالهم قريبة من أحوال البهائم بأمزجتهم وأخلاقهم في ظل واقعهم المتردي, فمن لهؤلاء يا فخامة الرئيس إذا في ظل انشغالكم ومتابعتكم لقضيتنا مع عالم تآمر وما زال يتآمر؟ ومن لهؤلاء الدين عانوا وما زالوا من انقلاب يدفعون ثمنه في الوقت الذي نرى فيه إن كل من تسبب به أو كان طرفا فيه ينعم بنعيم سلطة ورفاهية قادة؟, ومن للذين عانوا وما زالوا من حصار فرض عليهم وليس على من ولوا أنفسهم عليهم إجبارا؟ ومن للعالقين أيضا في دول عربية لا تسمح لهم مصر بالمرور عبر أراضيها للعودة إلى غزة حيث إقامتهم وانتمائهم ؟.
نرجو من فخامتكم في ظل انشغالكم الذي لا نحسدكم عليه ,ونتمنى من الله أن يعينكم على ما ابتلاكم أن تشكل لجانا لمتابعة أحوال مواطني قطاع غزة ,وإدارتها وتسيير أمورهم الحياتية قبل فوات الأوان ,ولا أنسى أن أطالبكم من حيث أمانة المسؤولية الملقاة على عاتقكم بتشكيل لجنة لمتابعة موظفي السلك الدبلوماسي من حيث أمانتهم وولائهم وانتماءاتهم وهل هم حقا في مكان مناسب أم إنهم اندسوا إلى هذا السلك في وقت لا يناسب كل وطني ولا يصب في مصلحته.
0 comments:
إرسال تعليق