نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الثاني من نيسان مبادرة"سلام" يقوم عليها رؤوساء سابقين لجهاز الشاباك الاستخباري وقادة في جهاز الموساد وأجهزة أمن أخرى،وتلك المبادرة أو الوثيقة التي وقع عليها حوالي أربعين من قادة الأمن الإسرائيليين،القارئ والمتمحص لمعانيها ودلالاتها الواردة في المخلص المنشور،يرى أنها لا تنطوي على أي تحول أو تغير استراتيجي في الرؤية الإسرائيلية للمفاوضات والعملية السلمية،ويبدو أن انسداد أفق المفاوضات وما يحدث من ثورات عربية وما لها من تأثيرات وتداعيات إستراتيجية على مستقبل إسرائيل ومكانتها ودورها ووجودها في المنطقة،هي أحد العوامل الهامة التي دعت هؤلاء الجنرالات إلى طرح مبادرتهم،وخصوصاً أن المفاوضات مع السلطة الفلسطينية قد دخلت في حالة موت سريري،حيث حكومة" نتنياهو" اليمينية ترفض تقديم أية تنازلات جدية مقابل السلام حتى التجميد المؤقت والشكلي للاستيطان، تنازلات تفي ولو بالحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني،وهي تريد السلام والأمن والأرض،وتنظر للشعب الفلسطيني على أنهم مجموعات سكانية تعيش على "أرض دولة إسرائيل"،وكذلك من المرجح أن ما يسميه الرئيس عباس استحقاق أيلول،هو استحقاق لن يتمخض عن أي شيء جدي لجهة حقوق الشعب الفلسطيني ودولته المستقلة،وهو ليس أكثر من استحقاق كاذب ووهمي وبالتالي سيدفع الرئيس عباس ربما الى الاستقالة ومغادرة الحياة السياسية،وقد تندفع الأمور نحو انتفاضة شعبية ثالثة وحل للسلطة الفلسطينية.
هذه المبادرة رغم أنها ليست رسمية ولا تحمل أي جديد،فهي تكرار على نحو أسوء لمبادرة ورؤية الرئيس كلينتون في "كامب ديفيد"/ 2000،تلك الرؤيا التي رفضها الرئيس الشهيد الراحل أبو عمار،كما أنها لا تتطرق لا من قريب أو بعيد للكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية،وتتحدث عن عملية تبادل أراضي بنسبة 7%،وهذا يفسر أن جزء من هذه المبادرة يستند الى رؤية وزير خارجية إسرائيل المتطرف ليبرمان القائمة على التبادل السكاني "عصرنة " التطهير العرقي،كما أنها لا تضمن أي انسحاب إسرائيلي كامل من القدس الشرقية،بل تتحدث عن أحياء عربية تحت السيادة الفلسطينية وأحياء يهودية تحت السيادة الإسرائيلية،وهي تخلي مسؤولية إسرائيل التاريخية والسياسية والأخلاقية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين،فهي تختزل حق العودة للاجئين الفلسطينيين بالعودة الى معازل الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 أو التوطين والتعويض في البلدان الموجودين فيها.
هي مبادرة تتعامل مع ما فرضته إسرائيل على أرض الواقع من حقائق ووقائع،وهي ترفض التعامل مع قرارات الشرعية الدولية،وهذا واضح من المفاوضات العبثية التي مضى عليها أكثر من سبعة عشر عاماً،فإسرائيل وأمريكا تصران على ان مرجعيتها هي طاولة المفاوضات وليس قرارات الشرعية الدولية.
وهذه المبادرة عدا عن أنها غير رسمية وسبق أن التقت الشخصيات التي طرحتها بالرئيس أبو مازن في رام الله،بعد الرفض الإسرائيلي لوقف الأنشطة الاستيطانية في الضفة والقدس،فإنه لا يوجد لها أية حظوظ للنجاح فعدا عن الأسباب الوجاهية المطروحة لرفضها فلسطينياً،فإن ما يجري من تصعيد وهجمة مسعورة وغير مسبوقة على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية وفي المقدمة منها القدس،حيث يتم الإعلان بشكل شبه يومي عن المصادقة على إقامة مئات الوحدات الاستيطانية في القدس الشرقية، فإنه يصبح من المتعذر حتى نقاش مثل هذه المبادرة،وقادة الأجهزة الأمنية هؤلاء يدركون جيداً أنه بدلاً من الاستمرار في طرح المبادرات،والمستهدفة فقد فك طوق العزلة الدولية المتزايدة على إسرائيل،فإنه آن الأوان أن تخرج قيادة إسرائيلية تمتلك الجرأة والشجاعة لدفع استحقاقات جدية وحقيقية لأية تسوية سلمية،بدلاً من الاستمرار في إدارة الأزمة والمفاوضات العبثية،وعلى القيادات الإسرائيلية أن تتخلى عن عقلية العنجهية والغطرسة والبلطجة المسكونة بها القيادات والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة،فمن مدريد وحتى الآن القيادات الإسرائيلية تردد نفس الأسطوانة المشروخة عن رغبتها في السلام والاستعداد لتقديم تنازلات مؤلمة من أجله،ولكن على أرض الواقع نجد عنصرية وتطرف وحقد على الآخر ونفياً وإنكاراً لوجوده وحقوقه،ونهباً وسلباً لأرضه،وقتلاً واعتقالاً وطرداً وإبعاداً لأبنائه،وقطعاً وخلعاً وحرقا لأشجاره ومزروعاته،وتدميراً وهدماً لبيوته وممتلكاته ...الخ.
فعن أي سلام يحدثنا جنرالات إسرائيل؟،فمبادرتهم أو وثيقتهم هذه تذكرنا بالرؤساء والمسؤولين الأمريكان والأوروبيين،الذين بعد ترك مناصبهم الرسمية،والتي خلال وجودهم فيها يكونون أشد تطرفاً من اليمين الإسرائيلي تجاه حقوق الشعب الفلسطيني،ولكن بعد الاستقالة أو نهاية فترة حكمهم وسلطتهم،يصحو ضميرهم قليلاً ويبدؤون الحديث عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعيش في دولة مستقلة،ويبدؤون كجنرالات الأمن الإسرائيلي في طرح مبادرات وتصورات للسلام،دون أن يمتلكوا أية قدرة أو سلطة لتنفيذها أو ترجمتها الى فعل على أرض الواقع.
جنرالات إسرائيل هؤلاء يدركون جيداً،أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأقل ما كفلته له الشرعية الدولية من حقوق،ولن يجدوا قائداً فلسطينياً واحداً ينتحر سياسياً،لكي يتنازل أو يتخلى عن حقوق شعبه،وفي ظل ما تقوم به حكومة هؤلاء الجنرالات من مواصلة للاستيطان وتكثيف له في القدس والضفة الغربية،يصبح خيار الحل القائم على الدولتين في مهب الريح أو غير واقعي،ويكون الخيار المطروح هو خيار الدولة الواحدة .
ومن هنا نحن لا نجد أي شيء جديد أو تغير جدي وجوهري فيما يطرحه الجنرالات الإسرائيليين في مبادرتهم،فهي لم تخرج عن إطار تفاهمات كلينتون في عام/2000 ،بل وحتى هناك تراجعات عن هذه التفاهمات،وكأنه مطلوب من الشعب الفلسطيني،أن يستجيب لشروط وإملاءات إسرائيل وقادتها في المفاوضات والتسوية.
وهؤلاء الجنرالات عليهم ممارسة ضغوط جدية على حكومتهم من أجل أن تنهي احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة،وأن تعيد للاجئين حقوقهم وفق قرارات الشرعية الدولية- قرار 194 – ،فأي حل يلغي أو يلتف على حق العودة للاجئين الى ديارهم التي هجروا وشردوا منها لن يكتب له النجاح،ولن يصمد على أرض الواقع.
وعلى قادة إسرائيل أن يدركوا جيداً أن الشعب الفلسطيني،لن يتشرد ثانية في المنافي والشتات،وسيبقى متشبثاً وصامدا ًب وعلى أرضه، ولن تجبره كل إجراءات الأسرلة والتهويد والتطهير العرقي على التسليم ورفع الراية البيضاء أو مغادرة أرضه.
0 comments:
إرسال تعليق