الفلسطينيون يتخبطون ولا يعرفون ما يريدون، ولا إلى أين يتجهون، ولا ماذا يقررون، ولا من يخاطبون، ولا إلى أين يلجأون، ولا أبواب من يطرقون، فقد فقدوا البوصلة، وتاهت بهم الطرق والمشاريع، ولم يعودوا يعرفون ما هي الأولويات والضروريات، وما هي حاجات الشعب الملحة، وهمومه العاجلة، وحقوقه المستباحة، وما الذي يحدق بهم وبقضيتهم، وماذا يخطط لهم عدوهم ويدبر، وماذا ينفذ وينجز، وماذا يسرق وينهب، وماذا ينتظرهم في ظل الثورات والانتفاضات، وانشغال الحكومات بمناصبهم والشعوب بمصائرهم، وانهماك القوى والمجتمعات بالحراك الشعبي العربي المنقطع النظير، فلم تعد القضية الفلسطينية تتصدر نشرات الأخبار، ولا أجندة القادة والزعماء على طاولات المفاوضات، وغابت عن المبادرات والاجتماعات ولقاءات القمم، وبات الإسرائيليون هم الذين يصنعون الحدث الفلسطيني باعتداءاتهم وجرائمهم وتجاوزاتهم اليومية بحق الفلسطينيين أرضاً وسكاناً، بينما يتلقى الفلسطينيون الضربات، ويصرخون ردة فعل، واستجابةً طبيعية للظلم والأذى، دون أن تكون لهم المبادرة، أو أن ينسب إليهم الفعل الأساس المحرك، وقد كانوا هم السباقون دوماً في توجيه الأحداث، وتسليط الأضواء، وإشغال القادة والحكام، وإثارة قلق العدو وخوفه.
السلطة الفلسطينية لا تعرف الطريق إلى الدولة الفلسطينية، ولا السبيل إلى تحقيق الأحلام الوطنية عبر المقاومة المسلحة أو الانتفاضات الشعبية، وتظنها في قرارٍ أممي يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعلن فيه بأغلبية أعضاءها الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، على أن تكون القدس الشرقية عاصمةً لها، وتدعو إسرائيل كونها قوة إحتلال للإنسحاب من الأراضي المحتلة، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم العتيدة عليها، وقد بدا أنها ستحضى باعتراف عددٍ كبيرٍ من الدول، ومنها الرباعية الدولية والعديد من دول أوروبا الغربية، وقبل أن تصل السلطة الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم، فهي تهدد الحكومة الإسرائيلية، وتحاول أن تبتزها لتقدم لها بعض الفتات الذي قد يردعها عن الوصول إلى الأمم المتحدة، أو يبرر لها أمام شعبها امتناعها عن تنفيذ تهديدها بعرض قضيتها على الجمعية العمومية لنيل الاعتراف الدولي بشرعية دولتها على الحدود التي صنعتها حرب يونيو/حزيران 1967، وبغير هذه الوسيلة لا تعتقد السلطة الفلسطينية أنها ستحقق شيئاً من أمانيها وطموحاتها.
أما الحكومة الفلسطينية في رام الله فتعتقد أن الطريق إلى الدولة الفلسطينية تعبده المؤسسات الوطنية الفلسطينية، واقتصادٌ فلسطينيٌ زاهر، وشخصياتٌ فلسطينية تحسن العمل المؤسساتي، وعلاقاتٌ دولية مميزة، ومشاركةٌ فلسطينية لافتة في المؤتمرات والمنتديات الدولية، ورفضٌ معلن لكل أشكال المقاومة المسلحة والشعبية، ومحاولاتٌ حقيقية لإقناع الإسرائيليين بأن الفلسطينيين يستحقون أن تكون لهم دولة مستقلة، وأنهم قد وصلوا إلى درجةٍ من التطور والرقي المؤسساتي، تؤهلهم لأن تكون لهم دولة قادرة على إدارة شؤونهم بأنفسهم، وضمانٌ دولي وأمريكي لمستقبل الدولة الفلسطينية، فلا تتغول عليها إسرائيل، ولا تعتدي عليها لتقوض أركانها، وتهدم بنيانها، وتسوي بالتراب مؤسساتها، وتقضي على الأحلام التي تراود رئيس حكومة رام الله ومن معه، وهم الذين أبدوا تفهماً لممارسات إسرائيل العدوانية، وأعلنوا استعدادهم للاعتراف بيهودية دولتها، وبأحقيتها في الوجود الشرعي النقي في المنطقة بهويتها الدينية اليهودية.
أما فصائل المقاومة الفلسطينية فهي لا ترى وسيلةً لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، ودحر الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أرضه، وتمكينه من بناء دولته، ونيل استقلاله، وإعادة من لجأ من أبناءه إلى أرض الوطن، سوى المقاومة بكل أشكالها، بما فيها المقاومة المسلحة، فهي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الإسرائيلي، وهي الوسيلة التي تخيفه وتردعه وتجبره على إعادة التفكير في استراتيجيته، وإعادة برمجة خططه ومهامه وأولوياته، وهي القادرة على لجم مستوطنيه، وتقليص مستوطناته، وتجميد البناء فيها، كما أنها وحدها التي تعيد الثقة إلى الفلسطينيين وتشعرهم بأنهم أقوياء وقادرين على إيلام العدو كما يؤلمهم، وإلحاق الضرر به كما يؤذيهم، فتبكي عيونهم، وتدمي قلوبهم، وتحسر نفوسهم، وهي طريق تقودُ دوماً إلى النصر العزيز، والغلبة المظفرة، وتحقق الغايات والأهداف المرسومة، وتستعيد الحقوق وتعيد الأرض الضائعة.
أما الشعب الفلسطيني في وطنه وفي الشتات، وفي المدن والمخيمات، وفي السجون والمعتقلات، فهو حائرٌ وقلق، وخائفٌ ووجل، ولا يعرف إلى أين تمضي به قيادته، وما القرار الذي ستتخذه، وما السبيل الذي ستسلكه، فهو يرى أن السلطة الفلسطينية مرتبكة مترددة، وعاجزة عن اتخاذ أي قرار، أو المضي في أي طريق، رغم تهديداتها المتكررة، فهي عاجزة عن اعتماد الطريق الأممي لنيل الاعتراف الدولي بدولتها، إذ تهددها إسرائيل باجتياح مناطقها، وتلوح الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حقها في مجلس الأمن، وتهدد السلطة الفلسطينية في حال إصرارها على الذهاب إلى الأمم المتحدة بحرمانها من المساعدات والمعونات، وأنها ستتوقف عن الضغط على الحكومة الإسرائيلية لكبح جماحها العسكري واعتداءاتها ضد مناطق السلطة الفلسطينية.
وهو حائر أيضاً من برنامج رئيس حكومة رام الله الذي يبني أحلاماً في الفضاء، ويزرع مؤسساتٍ جذورها في السماء، ويضعها كلها رهينةً بيد إسرائيل، تعبث بها وفق مزاجها وأهواءها، تدمرها وقت تشاء، وتتركها حيناً عندما ترى أن الظرف السياسي الإقليمي والدولي لا يسمح لها بتدميرها وتخريبها، ويحار الشعب الفلسطيني كثيراً من رئيس حكومة رام الله الذي يراهن على أخلاق الغرب، وعلى وعود الإدارة الأمريكية، واطمئنانه الساذج إلى الإلتزام الإسرائيلي بالحفاظ على مؤسسات الدولة الفلسطينية، في الوقت الذي يشجب فيه المقاومة، ويتنكر للانتفاضة، ويرفض استخدام القوة لنيل الحق واستعادة الكرامة.
وحيرة الشعب الفلسطيني تمتد إلى فصائل المقاومة الفلسطينية، التي امتنعت أذرعها العسكرية عن القيام بعملياتٍ عسكرية ضد أهدافٍ إسرائيلية، واكتفت ببضع صواريخ تطلقها بين الحين والآخر رداً على الاعتداءات الإسرائيلية، أو تلويحاً بما تملك من قدراتٍ صاروخية، تهدد باستخدامها في أي محاولةٍ إسرائيلية جديدة للعدوان على قطاع غزة، ولكن فلسطين ليست غزة فقط، وإنما هي كل الأرض الفلسطينية المحتلة، فإن كان الظرف الآني في قطاع غزة يحول دون المقاومة منه وفيه، فإن الاحتلال جاثمٌ في كل مكانٍ في الضفة الغربية، وفي مدينة القدس بشطريها، وينبغي مقاومته ومواجهته بكل القوة الممكنة، مقاومةً بالسلاح، أو انتفاضةً شعبية عارمة، تكون ثالثة تعم كل أرجاء الوطن.
0 comments:
إرسال تعليق