الإعلام الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي مازال ينقل أخبار العرب الثائرة دون تحيز لا مع الأنظمة التي وقعت اتفاقات سلام معها، ولا مع شعوبها الثائرة التي تصبو إلى التحول الديمقراطي والمجتمع المدني الذي تتغني به إسرائيل.. أليس هذا غريبا من دولة تدعي الديمقراطية والشفافية؟! إنه من الطبيعي لإسرائيل أن تلتزم الصمت حيال ما يجري في المنطقة لعدة أسباب أهمها: بأنها لا تريد لهذه الشعوب أن تتحول إلى مجتمعات ديمقراطية متقدمة، بحيث تبقى هذه الشعوب هزيلة مُستبَدة تحكمها طبقة من الأولغارشيا لا يعنيها الوطن والمواطن بقدر ما تبقى حاكمة تسيطر على خيرات البلاد وتستعبد العباد.. والثاني: أن هذه التحركات أو الثورات في بعض الأوطان العربية لا تخيف إسرائيل في المنظور القريب، بل على العكس من ذلك.. فما حصل في تونس ومصر سيشغل هذه المجتمعات فترة طويلة لترتيب أمورهما الداخلية إن لم يطرأ ما يؤخر أو يعرقل هذه الدول نحو التقدم والاستمرار في تحول هذه المجتمعات نحو الأفضل، أما ليبيا واليمن ومن بعدهما سوريا أو دولا أخرى على الطريق فهي جميعها مؤهلة للانقسام، وهذا أيضا في صالح إسرائيل التي اتخذت من جنوب السودان المنقسم مؤخرا بالطريقة (الديمقراطية) قاعدة انطلاق قوية للقارة الأفريقية وكانت بشائرها الأولى هي: استهداف الطيران الإسرائيلي العسكري في تدمير سيارة على أراضي السودان الشمالي.. وحتى لو تحررت هذه المجتمعات من الاستبداد فإن تحول هذه المجتمعات بصورة سريعة أمر مستبعد؛ لأن التطور والبناء له شروطه وظروفه، وأن ما أفسده الدهر لا يمكن أن يصلحه العطار..! مهما يكن الأمر؛ فما يهم إسرائيل من تلك الدول هو القوة العسكرية لتلك الأنظمة والتي أثبتت الأحداث العربية أن القوة لتلك الأنظمة بُنيت لحماية الدكتاتور الجمهوري أو الملك أو السلطان؛ فها هو بشار الأسد ومن قبله أبيه يحرك دباباته ومدرعاته، وربما يلحقها بالطائرات أيضا إلى درعا ومدن أخرى في سوريا ! وأن تلك القوة العربية مجتمعة لا يمكنها مواجهة إسرائيل.. من جهة أخرى فإن إسرائيل تراقب عن كثب بحيث يبقى ميزان القوة دائما لصالحها..
لا نريد هنا تشخيصا للحراك الشعبي العربي، سواء في الدول التي استطاعت إسقاط النظام أم تلك الدول التي مازالت منتفضة، وكذلك الدول التي لم تتحرك شعوبها بعد.. ولو قبلنا بهذه المقارنة البسيطة بين الدول العربية الغنية والفقيرة بإسرائيل؛ لعرفنا جيدا لماذا تتحرك الشعوب خصوصا في تلك الدول المواجهة لإسرائيل والتي كانت طيلة الوقت تبرر عجزها وفقرها لحالة الحرب القائمة، أما اليوم وبعد ثلاثين سنة من اللاحرب واللاسلم، وفي الوقت الذي تعجز فيه الأنظمة العربية من توفير سكنا متواضعا لمواطنيها تقوم إسرائيل ببناء المساكن على أحدث طراز، ولا يوجد هناك.. إسرائيلي واحد يعجز من الحصول على بيت ملائم له، هذا بالنسبة للسكن فما بالك بالأمن الغذائي ومتطلبات الحياة العصرية؟؟ ناهيك عن المنظومة الاقتصادية لتلك الدول وإلحاقها بالعولمة الاقتصادية التي لم توفر العيش الكريم للمواطن العربي؛ فكيف إذن لهذه الشعوب أن تقدم الدعم اللازم لقضيتنا الفلسطينية ؟؟
نعتقد أن الفلسطينيين أينما كانوا قد استبشروا فرحا بالانتفاضات العربية، ومرد ذلك طول زمن المرارة من الاحتلال من جهة، وقسوة الأنظمة العربية في تعاملها معهم وتآمرهم على قضيتهم منذ حرب فلسطين وجيوش الإنقاذ إلى يومنا هذا، بل إن بعض الأنظمة العربية لا تريد كيانا فلسطينيا وتعمل على عرقلة أي تحرك يصب في هذا المجال، والكل يعرف كيف يعامل الفلسطيني في تلك الدول هذا إن استطاع الوصول أو الإقامة في تلك الدول؟ بالإضافة إلى شق الصف والوحدة الفلسطينية من بعض الأنظمة المستقطبة للفصائل الفلسطينية، كذلك لم يظهر حتى الآن نظاما عربيا واحدا يقود الأمة العربية نحو النمو والتطور مقارنة مع التطور الهائل لكثير من الدول التي استقلت بعد الدول العربية كالهند واليابان والباكستان وغيرهما..ناهيك عن استخدام الملايين من الأجانب في الدول العربية الخليجية بالمقابل هناك الملايين من العرب لم يجدوا فرصة عمل كي يعيشوا باستقرار وأمان في أوطانهم.. من هنا يأتي فرح عموم الفلسطينيين للحراك الشعبي في الدول العربية لأنهم جميعا يقرون بأن مجتمعات عربية قوية هي قوة كبيرة لهم، وأن التغيير بات مطلوبا ولا يهم بأي صورة ستكون..؟
لكن للحالمين الفلسطينيين نقول: لا تفرحوا كثيرا لأن التغيير المطلوب لا يتأتى سريعا بالزمن المطلوب فلسطينيا، وبدلا من أن نوقف الزمن والمراهنة على الظروف القادمة لبعض الدول العربية علينا كفلسطينيين أولا أن ننتهي من حالة الانقسام فورا والاحتكام إلى صوت الشعب من خلال صناديق الانتخابات وبأسرع وقت ممكن بدون شروط من أحد. ومن ثم الإجماع على برنامج سياسي واقتصادي يلتزم الجميع بتنفيذه ومراقبة ذلك من خلال المجلس التشريعي المنتخب ومؤسسات المجتمع المدني بحيث يركز البرنامج على الاهتمام بالإنسان الفلسطيني وإعداده لما يؤول له المستقبل.. ونعتقد أن السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس وسلام فياض قد حققت تطورا ملموسا في هذا المجال وإن اقتصر ذلك على شق الوطن في الضفة الفلسطينية وبقيت غزة المسلوبة تعيش على حلم الوحدة لتزيد قوتنا قبل الذهاب إلى استحقاقات أيلول القادم..
0 comments:
إرسال تعليق