الانقلاب على حركة فتح كحزب حاكم في قطاع غزة، لم يكن هو الانقلاب الوحيد التي قامت به حركة حماس. الواقع يشير بأن حركة حماس قد قامت بجملة من الانقلابات طالت حتى نفسها.
فحماس التي أسسها المرحوم الشيخ أحمد ياسين وسار بها من بعده المرحوم الدكتورعبد العزيز الرنتيسي هي غير حماس الموجودة الآن في غزة أو في دمشق.
حماس اليوم لا تشبه ماضيها... لقد ذهبت بعيدا في تغيير نفسها منذ نجاحها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، لتصبح حكومة بيدها السلطة الفلسطينية، السلطة المطلقة في قطاع غزة بعد الحسم العسكري عام 2007 وطرد حركة فتح. ليصبح مشهدها كالتالي: رجال بلحى مشذبة يرتدون البدلات الرسمية، ويعقدون ربطات العنق خلف مكاتب أنيقة وذلك بدل اللباس الاخضر والكاكي والمرقّط.
لقد ذهب زمن المقاومة...وهو الزمن الذي كانت حركة حماس رائدته بعدما كبّلت حركة فتح نفسها بأتفاقيات "اوسلو" التي منعت المقاومة بل وأبعد من ذلك: محاربة الفصائل الاخرى التي تنتهج طريق المقاومة.
الموقف الرائد لحركة حماس بالتزام خط المقاومة جعلها تنتشر انتشارا واسعا بين صفوف ابناء الشعب الفلسطيني المعذّب في الوطن المحتل وفي الشتات. وعلى هذا الموقف أيضا تنال أصوات الاغلبية في إنتخابات ديمقراطية بإعتراف القاصي والداني وحتى الغرب.
هنا سيبدأ المفصل الذي يجعل حركة حماس بأن تصدّق انها أصبحت حكومة وعليها التصرف بالشكل الحكومي الذي يرضي مظهرها الداخلي ولتنسجم مع الخارج الذي يراقب تصرفاتها.
لم تستطع الحركة أن توفّق بين الحكومة والمقاومة، الحكومة كمهمة انتجتها الانتخابات.والمقاومة كبرنامج وثقافة فتحت لها الطريق لأن تتبوأ هذه الحكومة.
فغرقت في مهمات الحكومة على حساب مهمات المقاومة، وهي تنسجم الى أبعد الحدود مع هذه المهمة. فيما ظلّت المقاومة مجرد شعار في خطاب وصراخ في مهرجان ومزايدة في مناسبات وصورة في برواز.
حماس تهين المقاومة عندما تؤدي دورها الحكومي ... تلتزم بما التزمت به سلطة "أوسلو" في حفظ الامن الاسرائيلي. سجون تنفتح للمقاومين من الفصائل الفلسطينية الاخرى التي بدأت تعاني نفس معاناة حماس عندما لم تكن هي الحكومة وهي في خط المقاومة.
تصبح السلطة مطلقة بيد حماس في قطاع غزة، سلطة الحزب الواحد القائمة على الاستبداد والاجهزة الامنية حتى ما عادت تتميز عن أي نظام عربي يحكم شعبه بالديكتاتورية، مع ان الواقع الفلسطيني كان يجب أن يأتي بحكومة تتحسس عذابات الناس المركّبة والمزمنة على أكثر من صعيد، وببرامج ترتقي بالنضال الفلسطيني لما فيه من آفاق الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
أنه أمر مريب أن يغيّب علم البلاد، ويرتفع علم الحزب. ان يرتفع علم واحد لفلسطين مقابل مائة علم وأكثر لحركة حماس.
أن أكبر إهانة يمكن ان توجهها حماس للمقاومة عندما تتصرف كما تصرفت سلطة "أوسلو" بتشويه صورة الفدائي أو المقاوم الفلسطيني، وذلك بتحويله تحت ضغط الواقع المعيشي الى شرطي في يده أدوات القمع ويستعملها على أجساد الناس في شوارع الوطن الذي ما زال يعاني من ندوب الاحتلال.
ولا يوجد أكثر فظاعة في التاريخ الفلسطيني من تلك الاتفاقات التي تلزم السلطة الفلسطينية بتأمين الحدود الوهمية مع مستوطنات الاحتلال...تخيلوا الفدائي الفلسطيني يقف حارسا على أبواب المستوطنات ليجد الجندي الاسرائيلي متسعا من الوقت لقضاء اجازة في منتجعات شرم الشيخ أو في ربوع تركيا.
في عشية عيد الفصح اليهودي يقول احد جنرالات العدو لسكان المستوطنات المحيطة بقطاع غزة:" إذهبوا وأحتفلوا بالعيد، فلا حرب ستقع وأعدكم بالهدوء"!
من أين يأتي هذا الجنرال بهذه الثقة؟ نحن لا نعرف ان اتفاقات أو تفاهمات معقودة بين الاحتلال وحماس، ولكن الواقع يشير كم هي هادئة تخوم غزة مثل تخوم الجولان.ومثل كل الحدود العربية، وذلك تماهيا مع حالة العجز وخنوع النظام العربي . والهوان يأتي عندما نتلقى ضربات العدو المتكررة في لحمنا ومنشآتنا دون ان تصدر اي ردة فعل سوى بيانات الشجب التي تكيل وعيد الرد على العدوان في الزمان والمكان المناسبين، وهيهات ان نلحق بهذا الزمان، أو نهيء لهذا المكان.
هل كان المنتهى هو الحكومة، حكومة هنا وحكومة هناك...والحلم الفلسطيني ما كان أقل من البلاد كلها،وليس أقل من عودة اللاجئين الى ديارهم حسب نصوص الامم المتحدة، والتاريخ الفلسطيني لم يشهد جبنا أو تخاذلا تحت أي ذريعة أمام التحديات، لتنام الثورة والمقاومة في حضن حكومتين عندما تستيقظ ثورات الشعوب العربية.
كاتب وشاعر فلسطيني-مدير موقع ألوان عربية
www.alwanarabiya.se
0 comments:
إرسال تعليق