تميز حكم نتنياهو الأول والثاني بعدم التحرك نحو شيء .. خاصة في هذه الحكومة المشكلة من أوساط عنصرية يمينية متطرفة يصفها اليهود أنفسهم بأنها الأكثر سوءا وفاشية في تاريخ الدولة، وتحذر حتى أوساط اليمين التقليدي من مخاطر حكومة ليبرمان نتنياهو، وغني عن القول ان الصحافة الإسرائيلية مليئة بالنقد السياسي والفكري لنهج هذه الحكومة والواقف برأسها، على تفويته فرصا ممتازة لانجاز حل سلمي مع الشعب الفلسطيني، وبدأت تسمع أصوات تدعو لتضافر جهود كل العقلانيين ، من جميع الاتجاهات السياسية للتخلص من حكومة أوصلت الدولة، حسب رؤيتهم، إلى عزلة دولية آخذة بالاشتداد ، والتي سيكون لها تأثيرا سلبيا على الاقتصاد الإسرائيلي ، عدا المفروغ منه، انهيار مكانة إسرائيل الدولية،أو ما تبقى منها، ولن يكون الغطاء الأمريكي عندها كافيا، بل سيقود إلى عزلة واشنطن والإدارة الأمريكية إذا استمرت المبالغة في دعم دولة مارقة على القانون الدولي والإنساني. وذهب البعض إلى التحذير من أن ما يبدو على باراك اوباما من تساهل مع بيبي نتنياهو وسياسة حكومته، هو "ظاهرة انتخابية" مؤقتة، وان اوباما لا يسامح وسينتقم في الوقت المناسب (والقصد بعد تأمين انتخابه للمرة الثانية للرئاسة الأمريكية).
بعض الأصوات حسنة الاطلاع على أسرار السياسة الأمريكية، طرحت رؤية تقول ان عدم الاستجابة لطلبات اوباما بتمديد تجميد الاستيطان، وعدم تقديم إسرائيل مقترحات واضحة حول لب القضايا المتنازع عليها ، سيقود إلى فرض حل بالقوة.
بالطبع سمعنا الكثير من هذه الأقوال في السنوات الماضية أيضا .
المميز الجديد أن المجموعة الرباعية الدولية التي تشمل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة، سربت موقفا يمكن أعتباره انذارا لبيبي نتنياهو، بان عدم تقديم نتنياهو مقترحات مناسبة ، سيقود إلى اعتراف المجموعة الدولية ، بدولة فلسطين على أساس حدود عام 1967، وعاصمتها القدس العربية.
ما يهمني أكثر هو رصد ما يدور في المجتمع الإسرائيلي نفسه، لسبب أساسي أن النظام العربي الساقط، السابق.. لم يكن بمستوى المسؤولية القومية، ولا الفعل القومي، لا في إطار مجتمعه ولا في إطار منطقة الشرق الأوسط . وأهمل أخطر ما في الأمن العربي القومي، مسالة المناعة الأمنية، والمكانة الإستراتيجية الدولية لكل دولة على حدة وللعالم العربي كمجموعة دولية، وأهدر كرامة الشعوب العربية ،وهذا يرتبط ارتباطا كاملا بالأوضاع الداخلية العربية أيضا ، من الناحية الحقوقية الإنسانية، وصولا إلى العلوم والاقتصاد، وكأن النظام العربي القديم، الساقط والمتساقط ، قام بكل ما هو مطلوب من أجل دحرجة الشعوب العربية ودولها إلى الحضيض الدولي، مما أعطى المحتل المعتدي ساحة خالية ، حرة من الرقابة والتحرك العربي ،يعمل فيها ما يشاء ضد العرب وامنهم ، ليس في فلسطين فقط ،بل في لبنان أيضا، وفي سوريا الأسد التي أشبعتنا عنجهيات قومية،حيث قصفت اسرائيل مفاعل ذري وجرى اغتيال شخصيات عسكرية سورية أو حليفة، وأشبعنا إعلام البعث السوري عن "الثمن الرهيب" الذي سيدفعه العدو، مع ان الحدود السورية هي الأكثر أمانا على الإطلاق لإسرائيل. ويبدو ان اسرائيل تعتمد عل نظام قبيلة الأسد أكثر من اعتمادها على جيشها لضمان أمن الجولان المحتل. ووصلت ايادي المحتل إلى الخليج العربي، وهناك معلومات عن تعاون بين المخابرات القطرية والموساد ، وان عملية الموساد ضد السفينة "كارين– أ" كانت بناء على عملية تنسيق بينهما. ووصلت الى السودان قبل أيام بقصف سيارة وقتل مسؤول كبير من حماس، وقبل سنة قامت بعملية مشابهة وقبل سنوات قامت ب "عملية موشي" لتهريب يهود اثيوبيين عبر اراضي السودان "الدولة المستقلة ذات السيادة" والنظام في نومة أهل الكهف. وهناك جزيرة سعودية تحت الاحتلال الاسرائيلي بصمت مطبق من السعودية، كما اشارت مصادر عديدة ، وربما وصلت ايادي اسرائيل إلى دول عربية أخرى ( تونس بن علي مثلا ، وليبيا القذافي ، ومملكة المغرب)، أو يجري التستر حفاظا على كرامة لم يعد منها شيء يستحق الحفاظ عليه، هذه الأنظمة المستباحة تعاملت معها المجموعة الدولية ، وخاصة الولايات المتحدة، كأنظمة قطيع وليس كأنظمة بشر، فوقفت دول عديدة متفرجة وغير مكترثة ما دام أصحاب الألم والأمر يتلهون بنهب ثروات شعوب طال نومها ، قبل أن تيقظهم ثورة تونس، بانفجار تسونامي ثوري عاصف قلب كل الحسابات.والأمل ان يقود التسونامي العربي إلى بداية حالة جديدة تعيد للكرامة العربية مجدها وقوتها وسطوتها ، ويجعل المعتدين وحماتهم يفكرون ألف مرة قبل أي قرار يتعلق بقضايا عربية.
من الخطأ الظن ان الرأي العام الإسرائيلي منساق كله وراء التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني. ولكني أرى ان الدور العربي داخل إسرائيل مصاب ببعض الشلل ، ولا يؤدي دوره بشكل يخدم قضيتنا الأولى، واستطيع القول ان خطابات كثيرة ومواقف سياسية مختلفة ، أضرت بالأقلية العربية ونضالها الشرس والصعب محليا وفلسطينيا.
لا يوجد نضال في فراغ. ولا توجد مطالب حسب الأحلام. أمامنا معركة صعبة معقدة ، وما قامت به حماس ، وبغض النظر حول مصداقيتها أو عدمها، هي خطوة انتحارية للشعب الفلسطيني، وادعاءات انتصارها في عملية الرصاص المصبوب مثلا ، هو زرع للوهم وانتصار شر من هزيمة. الانتحار ليس انتصارا. تهديم بنى تحتية ومنازل وإعادة غزة 20 سنة إلى الوراء ، ليس انتصارا ، مقتل 1450 أو أكثر ليس انتصارا. الموت ليس انتصارا .
ان ما أنجزته السلطة الفلسطينية سياسيا، (اعتراف عاصف من دول عديدة وتغييرات هامة في التمثيل في دول عديدة) واقتصاديا (نمو اقتصادي تجاوز أل 9% في السنة الأخيرة في الضفة الغربية،مما جعل البنك الدولي يعلن ان السلطة جاهزة للتحول إلى دولة مستقلة) يعتبر أكثر خطورة على سياسات إسرائيل من كل صواريخ حماس ( الألعاب النارية) التي جرت وتجر مآسي مدمرة على الشعب الفلسطيني .
النهج السياسي المتقن، رغم كل الانتقاد الذي نسمعه من البعض عن السلطة الفلسطينية ، وبعضهم يدعي سقوط شرعيتها، أنجز لصالح مشروع الدولة الفلسطينية، خطوات هامة كثيرة، ومتجاوزا عائق انقلاب حماس بالغ الخطورة على الشعب الفلسطيني نفسه، وسلاح حماس وانصياعها لقوى ترى بحماس مركب في إستراتيجيتها الشرق أوسطية يسير في طريق إفشال انجاز الاستقلال الفلسطيني .
ويمكن إضافة انجاز آخر للمعركة السياسية الاقتصادية التي تخوضها السلطة الفلسطينية ، الإختراق المتزايد والمتسع لأوساط مختلفة في المجتمع اليهودي في إسرائيل، التي بدأ يرتفع صوتها القوي ضد سياسة نتنياهو وحكومته، والضغط المتنامي من تلك الأوساط للتقدم نحو حل سلمي يعتمد مشروع السلام العربي، وكانت مجموعة جنرالات ، منهم قادة جيش سابقون وشخصيات أمنية وأكاديمية وسياسية وأدباء ، ومن بينهم ابن رئيس حكومة إسرائيل الأسبق يتسحاق رابين، قد قدمت مشروعا سلميا قبل أسابيع قليلة ، رحبت به واشنطن.
وهذا الأسبوع نظم عشرات رجال الفكر والشخصيات الاجتماعية ، اجتماعا قرب مكان إعلان دولة إسرائيل، في شارع روتشيلد في تل ابيب ، تحت عنوان : "إعلان الاستقلال من الاحتلال" ومن المشاركين 18 من الحائزين على جائزة إسرائيل، أعلنوا مباركتهم للإعلان المتوقع عن استقلال دولة فلسطين على أساس حدود العام 1967.
المشاركون وقعوا على وثيقة إعلان يبارك إقامة دولة فلسطين في حدود 1967 ويدعو الجمهور للتوقيع على الوثيقة والتي ضمن نصوصها : نحن الموقعين أدناه، ندعو كل إنسان مؤيد للسلام والحرية لكل الشعوب، ان يبارك إعلان الاستقلال الفلسطيني، وان يمد يده لتشجيع مواطني الدولتين أن يقيموا بينهما سلاما على أساس حدود 1967، وتسويات متفق عليها. إن نهاية الاحتلال هو شرط أساسي لتحرير الشعبين".
المبادرون يقولون: لسنا ساذجون ، إنما نقوم بخطوة تطمح أن تطرح بديلا حقيقيا لسياسة الحكومة الإسرائيلية.
هذا هو الواقع السائد بكل تشكيلته ، التشنجات لن تفيدنا ، والشعارات البعيدة عن الواقع ، رغم أنها تدغدغ أحلامنا، لم تنجز حتى اليوم إلا الأوهام. لست ساذجا لأحلم أن الحل سيأتي على عربة بابا نويل ، بصندوق الهدايا المعهود .إنما أنا على قناعة ان إتباع نهج سياسي فلسطيني سلمي، يعمق أزمة حكومة إسرائيل ويفضح نهجها ألاحتلالي والقمعي، مع أملنا ان يتسارع التغيير في العالم العربي، لن يكون عندها مناص ، إلا فرض الحل على أساس حدود 1967والقدس العربية عاصمة لفلسطين.
ونحن سنبقى هنا في وطننا، وهناك شعبنا في دولته. مع حلمنا ببناء مستقبل شرق أوسط نقي من الحروب والقتل.
nabiloudeh@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق