موضوع للنّقاش: الحوار والتّعايش أم المقاطعة؟/ د. حبيب بولس


يدور في أوساطنا اليوم نقاش حول قضيّة الحوار أم المقاطعة- وهذا النّقاش على ما يبدو بدأ بعد هبّة أكتوبر 2000- وما تلاها من تداعيات وازداد اليوم على ضوء ما تسنّه أكثر حكومات اسرائيل تطرّفا وعنصريّة من قوانين مغرقة في العنصريّة- أعني حكومة نتنياهو/ براك/ ليبرمان.
على ضوء هذا النّقاش تأتي هذه المساهمة وهي حتما قابلة للقبول أو للرّفض ذلك لأنّها وجهة نظر شخصيّة ترتكز على قناعات صاحبها.
قابضون على الجمر باليسرى وعلى باقة ورد باليمنى ننقّلُ خطانا على أرض ملتهبةٍ ساخنة مليئة بالبثور، ونحيا مع يقينيّات تنهارُ وأخرى تتبرعم. وفي طريقنا الشّائك هذا لم يهُن عزمنا ولم يطأطأ لنا رأس. نعاينُ الأيّام ونرصدها ولا نفرّط بجمرة ولا بوردة.
جمرة للّذي يرى فينا مطيّة وأبناء جارية وأنصاف بشر، ويعتقد أنّه بالحديد وبالنّار يمكن له أن يجعلنا نذوب ونصهرُ ونتلاشى، ووردة للّذي يرانا كاملي الحقوق متساوين، من حقّنا أن نعيش على أرض وطننا الّذي لا وطن لنا سواه بكرامة. نحن مع الورد واليه نصبو، ولن يُزعزعنا شيء عن تحقيق الحلم.
منذ نصف قرن أو يزيد والمحاولة تقفو المحاولة من قبل السّلطة لتخويفنا ولتحييدنا عن هويّتنا وانتمائنا القومي. كأقليّة قوميّة تعيش على تراب وطنها وكجزء لا يتجزّأ من الشّعب الفلسطينيّ. سواء كان ذلك عن طريق مناهج تعليميّة هزيلة أو برامج اذاعيّة غثّة، أو عن طريق تشويه تاريخنا وطمس معالم حضارتنا. ولكن هذه المحاولات كلّها باءت بالفشل، ذلك لوعي جماهيرنا بأهميّة الانتماء وأهميّة الهويّة وأهميّة التّمسّك بالوطن.
ورغم كلّ ما اشاعته السّلطة من أن هويّتنا مركّبة وعصيّة وهي كعب أخيل الّذي يقودنا الى التّمزّق والضّياع. فهمنا اللّعبة، وفوّتنا على السّلطة الفرصة. وعرفنا أنّ دورنا كبير.
انّ قضيّة الهويّة المركّبة- كعب أخيل- الّتي تروّج لها السّلطة الاسرائيليّة، قضيّة مضحكة. نحن ندرك هذه التّركيبة ونعي في الوقت نفسه أهمّيتها ونرى الى أنّها لأنّها كذلك تصبح مهمّة.
نحن نعرف أنّ عبئاً كبيرًا يقع علينا، فدورنا دوران، وعلينا أن نمارسهما بنجاح وبصبر. الأوّل: دورنا كجزء من المجتمع الاسرائيليّ الّذي نعيش فيه، والّذي بحكم التّجربة صرنا نعرف خباياه وخفاياه وقضاياه وعقليّة أبنائه وحكّامه، وأحلامه وأفراحه وأحزانه، ونقاط ضعفه ونقاط قوّته. والثّاني: دورنا كجزء من الشّعب الفلسطينيّ، هذا الشّعب الّذي لا يمكن لقوّة مهما تجبّرت أن نفصم عرى ارتباطنا به، هذا الشّعب الّذي نعرف معاناته وأحلامه ونرى الى أنّه لا يمكن له ولا للآخر أن يعيش بهدوء وباستقرار وبانتعاش اقتصاديّ اذا لم يتحقّق الحلم، حلم السّلام بين الشّعبين، السّلام المتكافئ.
دورنا اذًا متميّز مميّز مقارنة مع الآخرين، ولأنّه كذلك دفعنا المهرغاليا وصرنا أصحاب تجربة نعرف من أين تؤكل الكتف. نرفع صوتنا عاليا ضدّ كلّ ممارسة خاطئة تقوم السّلطة بها ضدّ شعبنا، وكذلك نوجّه النّقد بجرأة لشعبنا حين يخطئ. نتضامن ونثور ونعلن عن غضبنا ازاء كلّ عمليّة سلبيّة، ونصفّق لكلّ خطوة ايجابيّة بامكانها أن تقرّب بين الشّعبين. دورُنا كبير فنحن نرى الى أنّنا الوحيدون القادرون على أن يكونوا جسرًا للسّلام.
لقد جرّبنا الاحتلال وما سكتنا عنه، حتّى أنجزنا الكثير ولن نهدأ لأنّنا ندرك أنّ أمامنا بعد الكثير الكثير. فعلى شعبنا أن يعرف بحكم هذه التّجربة الطّويلة والمريرة، أنّه لا يمكن أن يصل الى ما يصبو اليه بالطّريق الخطأ. يمكن أن يعتمد على تجربتنا. عليه ألاّ يساوم على حقّ مشروع، ولكن عليه من أخرى أن يجد الوسيلة الصّحيحة. انّ القتل والدّمار من الطّرفين مستنكر. فالقوّة لا تثمر الاّ حقدا والعنف لا يولّد الاّ عنفا، والقتل لا يجلب الاّ قتلا. وكلّ ذلك يبعدنا عن تحقيق الحلم.
علينا ألاّ نوفّر بتصرّفاتنا وممارساتنا ونهجنا الأعذار للعدو، علينا أن نتقن اللّعبة، كي نفوّت عليه الفرصة وألاّ نقدّم له الفرج على صينيّة من ذهب.
العدوّ ذكيّ، وعلينا أن نرتفع الى مستوى ذكائه. ذكيّ في مكيجة الاحتلال وتزيين القمع. ذكيّ في استخدام الاعلام على أنواعه. ذكيّ في تقديم نفسه للغرب على أنّه امتدادٌ له في مستنقع جاهل آسنة مياهه. ذكيّ في تسويق وتصوير نفسه للغرب على أنّه الضّحيّة. ذكيّ في تحميل الغرب مسؤوليّة كونه الضّحيّة. علينا أن نعرّي الأمر بالوسائل المقبولة على الغرب.
وكي يتم لنا ذلك علينا معرفة عقليّة الغرب، علينا أن نفتّش عن الوسائل الّتي من خلالها نصل الى فكره وعواطفه كي نزيل عن عينيه الغشاوة ليبصر حقيقة الجلّاد الّذي يتمظهر بمظهر الضّحيّة.
ونحن قادرون على ذلك، ولكن ونحن نفعل يجب ألّا يغيب عن بالنا أنّنا نحن العرب الفلسطينيّين المتشبّثين بتراب وطننا تقع علينا المهمّة المركّبة. مهمّة فضح الممارسات من جهة، ومهمّة التّشبّث بالدّولة الفلسطينيّة وعاصمتها القدس الشّريف من أخرى.
مهمّة الحياة الحرّة الكريمة في وطننا من جهة، ومهمّة الصّمود أمام كلّ محاولات تغييب هويّتنا وطمس حضارتنا من أخرى. مهمّة الحرص على كرامتنا كأقليّة قوميّة كاملة الحقوق من جهة، ومهمّة مقاومة النّظرة الفوقيّة والتّطلّع الينا كأبناء جارية من أخرى.
والمزعج في كلّ ما ذكر هو أنّنا حين بدأنا نشعر بصدق طريقنا وحين بدأنا نرى الانفراج وشعرنا بثمار كفاحنا في نسيج التّعايش بين الشّعبين، حين بدأنا وبعد طول نضال نلمس بوادر الحلم ، جاءت الضّربة في اكتوبر عام ألفين فإذا الأمر يرتدّ إلى البداية ، وإذا الحلم يتهاوى، ففي هبّة الأقصى الّتي أعقبتها أيّام الغضب عندنا ظهرت السّلطة الاسرائيليّة عارية تماما، فبممارساتها حينه مزّقت النّسيج الّذي حكناه بدمع العين وارتدّت بنا الى الوراء نصف قرن من الزّمان. وكان هذا الأمر علينا صعبا، لا بل أكثر من ذلك.
اذ ما أصعب أن يشعر الانسان بعد نصف قرن من الزّمان أو يزيد من الكفاح الدّؤوب والمتواصل، من أجل حياة حرّة كريمة، تقوم على المساواة والعدل والتّعايش السّليم مع الآخر، أنّه مجرّد صفر.
ما أصعب أن يشعر بعد كلّ هذه السّنين من النّضال من أجل أخوّة الشّعبين أنّه لا شيء. بمعنى انّه رغم مواطنته وحقّه فيها، محظور عليه أن يرفع صوته، أن يحتجّ، أن يتضامن، ومع من؟ مع أخوة له أحسّ بصدق قضيّتهم وعدالتها. واذا فعل يصبح عدوّا خائنا فتصوّب الى صدره البنادق ويطلق عليه الرّصاص المطّاطيّ والحيّ، ويتساقط العزّل أمام آلة حرب مدجّجة بالسّلاح، ولا يرفّ للقاتل أو للمسؤول عنه رمش ولا تهتزّ له جارحة، بل اللّوم يكون على الضّحيّة. فهذا "الضّحيّة" خرق القانون. كيف؟ صرخ تضامن، احتجّ، تظاهر رفع شعارات تندّد بالاحتلال، هتف ضد تدنيس المقدّسات في دولة تزعم صباح مساء أنّها أم الدمقراطيّة!!! ولجميع مواطنيها!!!
هكذا، هكذا وبكلّ بساطة، ويعد هذا العمر الطّويل، تريد السّلطة من مواطنيها أن يصبحوا طاقات مشيّأة، لا حول لهم ولا قوّة ولا رأي. هذا من جهة، كما أنّها تريد أن تسلخهم من جلودهم وأن يعلنوا القطيعة مع شعبهم من أخرى. فكيف يمكن ذلك؟ ومن يرضى به؟!! أربع عشرة ضحيّة ومئات الجرحى، حصاد هذا التّعامل الغريب، ثمن هذه النّظرة الفوقيّة، القوميّة الضّيّقة.
وبالتّالي كيف يمكن لنا كشعب له جذوره وتراثه ووطنه ونحن في الألفيّة الثّالثة أن نقبل مثل هذا التّعامل؟ كيف يمكن لنا كشعب أصيل يفتخر بماضيه وبكلّ ما أنجزه في الحاضر، وبعد هذا العمر الطّويل من المحايأة على ما فيها من عراقيل وصعوبات أن نقبل الكيل بمكيالين، أن نرضى بالنّظرة العنصريّة الّتي تقول صراحة: نحن أبناء السّيّدة، أمّا أنتم فأبناء الجارية؟!
كيف يمكن لنا وبعد أن قطعنا شوطا كبيرا من طريقنا الشّائك في الحياة مع الآخر،أن نقبل تصرّف الشّرطة الحاقد وهي تصبّ جامَ غضبها وحقدها على شعب أعزل لتخنق صوته؟ الحقيقة الصّارخة والمؤلمة في آن، والّتي لا يمكن أن نسكت عنها تقول: انّ السّلطة الحاكمة في اسرائيل، هي سلطة ظالمة تمارس ضدّنا كلّ ألوان سياسة التّمييز القوميّ والقمع والخنق والحصار السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والثّقافيّ.
وبهذه السّياسة تحاول كمّ أصواتنا بحيث لا يسمعُنا الآخرون محليّا وعالميّا. هكذا كان وهذا هو الكائن رغم كلّ هذه السّنين. وقد ثبت هذا وللأسف في أحداث اكتوبر 2000 بعدما كنّا حسبنا أنّ الأمور قد تغيّرت، وأنّ وجودنا قد ترسّخ. لقد فضحت الأحداث سنة 2000 وما بعدها وبشكل معيب كلّ ما تقدّم وخاصّة تعاون الشّرطة مع المعتدين العنصريّين على النّاصرة وعلى غيرها. والاّ كيف يمكن أن نفسّر سقوط القتلى واصابة الجرحى من العرب، فقط؟! وعلى ضوء ما تقدّم ماذا كانت السّلطة تتوقّع منّا؟!
ما ذُكر هو حقائق يعرفها الجميع، ويعترف بها الكثيرون من اليهود العقلاء. والسّؤال الّذي يرتفع بعد كلّ ما ذكر هو: كيف يمكن لي أن أشعر بالأمان في وطني؟ في دولة تقتل مواطنيها؟ كيف يمكن لي أنا المواطن أن أثق بشرطة واجبها الأساس الحماية وليس القتل؟ كيف يمكن لي أن أشعر بحياة هادئة بعد موجة الكره الّتي طغت على السّطح والّتي لا مبرّر لها اطلاقا من جهة، والّتي طفحت بها وجوه الشّبّان العنصريّين في النّاصرة وفي غيرها من أخرى.
والأنكى من ذلك كلّه، أنا الضّحيّة عليّ أن أجد المخرج والجواب لكلّ هذه المساءلات الحارقة؟ أليس هذا أمرا مضحكا ومبكيا في آن معا. أنا الضّحيّة عليّ أن أفكّر ورقبتي تحت المقصلة كي أجد الطّريق، فكيف ذلك؟ أليس هذا من المفارقات الدّراميّة الغريبة؟!
وحين أقول الضّحيّة لا أقصد أن أقول إنّنا كشعب كاملون لا نقص فينا. وحين نوجّه اصبع الاتّهام للسّلطة لا يعني هذا أنّنا لا نخطئ؟ الضّحيّة هنا وفي هذا السّياق تعني أنّها ليست منزهة عن الخطأ مطلقا، انّما المقصود أنّنا كضحيّة علينا أن نفضح مسلك السّلطة الّتي هي من جهة سلطة ومن أخرى تريد تحميل الضّحيّة المسؤولية.. بمعنى علينا كضحيّة أن نفضح القاتل الذّي هو قاتل ومن أخرى يريد تحميل الضّحيّة الجريمة. فهل يعقل هذا؟ وهل يمكن للضحيّة أن تلام؟ أو أن تقع المسؤوليّة عليها؟!!
رغم كلّ ما ذكر يظلّ السّؤال الكبير هل نقبل ما نحن فيه ونقول: السّلطة هي المسؤولة فقط فنلعنها ونرتاح؟ أم علينا رغم كوننا الضّحيّة أن نجد البوصلة والمعادلة الصّحيحة لحياة هي أثمن ما نملك؟!
للاجابة أقول: بداية نحن شعب عاقل يريد الحياة ويحبّها ولأنّنا كذلك نسعى اليها لا الى الموت. انّ تجربتنا الطّويلة المرّة على مدى ستّين عاما أو يزيد تطرح ما مفاده: انّنا نريد أكثر ما يمكن من المكاسب بأقلّ ما يمكن من الخسائر. لا نريد الموت لأبنائنا ولا نريد السّجون والمعتقلات. نريد أن نسيّر معاركنا النّضاليّة بعقلانيّة، دفاعا عن حقوقنا وعن مصالحنا العامّة، وذلك بمسؤوليّة وطنيّة تجمع وتُوائم بين الاقتحام الشّجاع، لتحقيق الأهداف الصّحيحة والواقعيّة، من خلال الجمع الذّكي بين الواقعيّة والثّوريّة. لأنّنا شعب يريد الحياة ويحبّها من جهة، لأنّنا شعب يريد أن يحقّق المكاسب من أخرى، لأنّنا شعب يريد حماية مصالحه والدّفاع عنها بعقلانيّة من ثالثة. اذن لا بدّ من التّفكير بالبدائل. لا بدّ من ايجاد المعادلة الصّحيحة. من هنا أقول: علينا أن نقبل بما أفرزه النّزاع القوميّ الفلسطينيّ/ اليهوديّ، بعد النّكبة، هذا النّزاع الّذي أفرز حالة صرنا معها أقليّة داخل دولة اسرائيل ذات الأكثريّة اليهوديّة والطّابع اليهوديّ. لقد سقط المشروع القوميّ العربيّ وتحوّلت مع هذا السّقوط الاستراتيجيّة من تحرير الوطن كلّه الى استعداد للسّلام بين الشّعبين على أساس مبدأ ( دولتان لشعبين).
فهل نريد والعمليّة السّلميّة الآن في مأزق أن نحيي السّلام ام نقتله؟ أين مصلحتنا، معه أم ضدّه؟ نحن اليوم أحوج ما يكون للنّضال على محورين، وهذه هي المعادلة: محور يؤكّد ويحمي مكانتنا وحقوقنا كأقليّة قوميّة فلسطينيّة- مواطنين في دولة اسرائيل. ومحور يلحّ على بذل الجهد من أجل تحقيق اقامة الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة في الضّفة والقطاع وعاصمتها القدس الشّرقيّة الى جانب دولة اسرائيل.
هذان هما المحوران الأساسيّان اللّذان يجب أن نناضل ضمنهما. والنّضال ضمنهما ومن أجلهما ماذا يتطلّب؟ هل يتطلّب أن نتقوقع على أنفسنا ونجترّ الماضي ونلعن السّلطة والشّرطة ونكرّس حالة الكره والحقد الّتي واجهناها مؤخّرا أم أن نسعى لفضح سياسة السّلطة والسّعي لعزلها وبالتّالي الى تغييرها؟!
هل نكتفي بما جرى ونسعى الى قطيعة تامّة مع الآخر/ الأكثريّة، أم نجتهد لنجد المحاور الصّحيحة لمحاورة المجتمع اليهوديّ والتّأثير عليه؟! هل ننكفئ على أنفسنا، أم نتّكل عليها لنصوغ برنامجا مفصّلا يطرح قضيّتنا العادلة بأدوات عادلة؟!.
هل نضرب بكلّ التّحالفات عرض الحائط ونقول لقد سقطت جميعها مع التّجربة، أم نسعى الى ترسيخها والى بنائها مع القوى العاقلة في الشّعب الآخر الّذي هو الأكثريّة؟.
هل نقول أنّ التّعاون اليهوديّ العربيّ لم يثمر ونكتفي بذلك، أم علينا أن نفتح باب التّحاور من جديد؟! وبالتّالي هل نحن من القوّة بحيث نستطيع أن نستغني عن التّحالف اليهوديّ العربيّ؟!.
الاجابة طبعا لا نستطيع. صحيح أنّ معسكر السّلام اليهوديّ صمت وكان صمته معيبا وغير مقبول ولكنّه انطلق الآن.
فهل لأجل ذلك ندينه ونتخلّى عن التّعاون معه؟ أسئلة حارقة كثير تطرحها المرحلة، بقدر ما هي حارقة بقدر ما هي تلحّ علينا كي نعيد اللّحمة الى النّسيج الجميل الّذي حاكه الشّعبان بدموع العين. ولكن اعادة اللّحمة تتطلّب أوّلا وقبل كلّ شيء ازالة العوائق والعقبات الّتي تعترض طريقها. وهذه هي مسؤوليّة السّلطة لا الضّحيّة. من هنا أقول كي نحقّق ذلك: على السّلطة وعلى الشّعب اليهوديّ أن يفهما ما يلي:
1. نحن جزء لا يتجزّأ من شعب له تاريخه، هو الشّعب الفلسطينيّ، وكلّ هزّة تصيبه تهزّنا وتؤلمنا. ومن حقّنا أن نتظاهر وأن نحتج وأن نتضامن معه.
2. نحن كأقليّة قوميّة في وطنها تعاني أقسى أنواع التّمييز القوميّ على جميع الأصعدة. وهذا تعترف به جميع الوزارات والحكومات المتعاقبة. وكي نبني مجتمعا سليما معافى يتعايش بمحبّة وسلام، على السّلطة ازالة كلّ الغبن اللاّحق بالجماهير العربيّة. انّ تراكم المرارة أمر خطير ولا بدّ من ازالتها سريعا.
3. يجب على السّلطة ان تتعامل معنا كمواطنين لنا كامل الحقوق.
4. على السّلطة استخلاص النّتائج والعبر ممّا جرى ودفع الأمور الى أمام اذ لا يمكن لنا أن نرضى بعد اليوم وخاصّة بعد اراقة الدّماء مجّانا لأربع عشرة ضحيّة أن تذهب هذه الدّماء سدى.
5. الامتناع عن سياسة الكيل بمكيالين اذ لا يمكن أن نقبل أن نكون بعد اليوم أبناء الجارية. أمّا كيف نعيد اللّحمة الى النّسيج، فانّ ذلك لن يتمّ دون المبادرة الى الحوار العربيّ/ اليهوديّ وعلى كافّة المستويات، والمحاور والأطر: السّياسة/ الثّقافيّة/ الفنيّة/ الاقتصاديّة. كيف؟ ليس هذا شأن الضّحيّة، انّما هو شأن من يملك القوّة والسّلطة والمال.

علينا جميعا فلسطينيّين ويهودا أن ندرك أنّه: أمامنا طريقان لا ثالث لهما: أمّا طريق المقاطعة الّتي يدعو لها بعض المتزمّتين، وامّا طريق المعايشة الصّحيحة الّتي تقوم على الاحترام والمساواة والعدل.
أي امّا طريق الحرب وامّا طريق السّلام.
فماذا نختار؟ أساسا هل نملك خيارا. قابضون على الجمر بيد وعلى الورد بأخرى. جمرة لأعداء السّلام ووردة لمحبّي ذلك.

ونحن متفائلون.
drhbolus@yahoo.com

CONVERSATION

0 comments: