التوجيهي: يا ليتني كنت نسياً منسيا/ عطا مناع

في كل عام نعيد الَكرة، نتذمر ونلعن نستجدي وننتقد هذه الحالة التي تمسك بنا من رقابنا، وقد يكون من العادي أن نقول، يا جماعة بكفي ولنخرج من الإطار التقليدي لهذه اللعنة التي تطل علينا كل عام لتوتر أولادنا وتضع السواد الأعظم من مجتمعنا في حالة نفسية لا يحسد عليها.
هناك من يطالب بإلغاء التوجيهي أسوة بالدول المتحضرة، وهناك من يفترض الرأفة بالطلاب، وهناك من يقول لماذا هذا الضجيج؟؟؟ فالقضية بسيطة وهي حالة ورثناها عن إباءنا وأجدادنا وعلينا الحفاظ على ارثنا لصالح أولادنا لا باس من بعض الجدية تيمناً بالقول المأثور من يدرس ينجح ومن يزرع يحصد، وهناك من يسمع بأذن من طين وأخرى من عجين، لكن الصخرة لا زالت رابضة على صدور الأجيال إلى ما شاء اللة.
أين المشكلة؟؟؟ هل هي في التوجيهي أم فينا؟؟؟ لماذا حولنا التوجيهي إلى فوبيا تجتاح المجتمع الفلسطيني؟؟؟ وهل من الضرورة أن ياستأسد واضع الأسئلة والمراقبين على الطلاب؟؟ وكيف يتجاوز الطلاب الحالة النفسية التي تسيطر عليهم على مدار عام من حياتهم؟؟؟ وهل التربية والتعليم انتبهت لهذه المعضلة وحاولت إيجاد الحلول من خلال مساق خاض مثلاً؟؟
كأننا نفسر الماء بعد جهد بالماء، وكأننا لا نقف على الأسباب والنتائج، ولا نبحث عن الحقيقة في داخلنا نحن عضلاتنا على الطلاب وبالتحديد الكتاب الذين يستعرضون عضلاتهم بالنقد الذي لا يقود إلى الحقيقة، وهذا يذكرني بجدلية القمع المركب الذي نعيشه في مجتمعنا أسوة بالمجتمعات النامية وبأكثر وضوح المتخلفة، ولذلك لا اعتقد بوجود مخرج بمعزل عن النظرة الشمولية للمحيط لان المعضلة الأكاديمية واحدة من العشرات من المعضلات التي نعيشها ونهرب منها دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن رأس الحكمة.
نُكذب على أنفسنا عندما نصب جامَ ضعفنا على الحالة والنظام دون الدخول لتفاصيل، فمثلا من البديهيات أن نَحجم عن إقامة الأفراح والليالي الملاح خلال امتحانات التوجيهي، ويستطيع المواطن أن يلمس بسهولة عملية التسابق على إقامة الحفلات في أوساط الأحياء الشعبية، تلك الحفلات التي تحدث الضجيج وبالتحديد المفرقعات التي نقول أنها خطرة وممنوعة، نكذب على أنفسنا إذا أردنا أن نعالج الحالة ونغض النظر عن الباعة المتجولون وباعة الكعك الذين لا يحلو لهم إلا التجول في الأزقة بمكبرات صوتهم التي تؤكد أن أنكر الأصوات...........؟
ينتهي التوجيهي بكل تفاصيله وننتظر النتائج بقلوب مربكة، وفي النهاية تأتينا النتائج كما صكوك الغفران أو السير على الصراط المستقيم إلى الجنة أو جهنم، والذي يدخل جهنم يسلم بقدرة، والمشكلة مع الذي يتجاوز المحنة، حيث تنتظره الصعوبات التي لا يحلم بها، فهذا طالب حصل على معدل 95 ولم يقبل في جامعة بيت لحم، وذاك حصل على معدل 64،4 ولا يحق له دخول الجامعة المفتوحة، أما الأخر فحلمة وحلم عائلته أن يدرس الطب فيأتي الجواب إلى مصر أو الجزائر أو اليمن فمقاعدنا محدودة أو المعدل بحاجة لدفعة للأمام، والمصيبة الكبرى مع الأوائل الذين نتهال عليهم الوعود وتذوب في اليوم التالي.
بالمحصلة يعيش عشرات الآلاف من أبناءنا الكابوس، كم منهم ينخرط في الجامعات الفلسطينية والعربية وغيرها؟؟؟ قد تكون الإجابة واضحة فالشارع في انتظار عددُ لا يستهان بة، ويضطر الطالب الذي حمل الطموح طيلة اثني عشر عاماً من الدراسة مواجهة الواقع ويبحث عن معهد ، لكن المقاعد محدودة، وبعد وقت يُسلم للأمر الواقع ويحاول البحث عن فرصة عمل علة يوفر قوت يومه وعلبة السجائر ولا يكون عالة على الأهل والمجتمع، بعد عملية بحث مضني يستسلم للواقع ففي مجتمعنا عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل، وإذا كان محظوظا ووجد فرصة عمل يضطر للتعامل مع ثورة العبيد عملياً لا نظرياً، ويستذكر مرحلة الإقطاع والعبودية من خلال العامل لأكثر من عشرة ساعات يومياً في ظروف حاطه بالكرامة.
يحاول الطالب المسكين الخروج من الأزمة وقد يقرر العمل في المستوطنات الإسرائيلية، لأنة يتقاضى مبلغ معقول، وقد يوفق في إيجاد فرصة عمل في مستعمرة قيد الإنشاء، وبالفعل يتجاوز كل ما اعتقد بة وينخرط في العمل وهو يلعن اليوم الذي وُلد فيه، يخرج علية وزير الاقتصاد ويقول له اترك عملك ولا يهمك نحن نوفر لك ولغير العمل، قد يلتزم بقرار السيد الوزير وقد لا يلتزم، وقد تأتيه الرحمة برصاصة من جندي إسرائيلي ارعن يمارس سياديته على الحواجز المنتشرة في بلدنا التي نؤكد أنها لا زالت محتلة.
لا يمكن نقاش قضية التوجيهي بمعزل عن الواقع الفلسطيني، فالشمولية ضرورية هنا، لان الامتحان هو البداية فقط، لأننا نتحدث عن مستقل الإنسان، وإذا كان مستقبل الشعب الفلسطيني في مهب الريح فماذا عن مستقبل السباب الذي يفترض أن يكون لهم الغدُ، ولذلك نحن بحاجة إلى عملية نفض لمفاهيمنا والكثير من القوانين التي لا زالت سارية المفعول منذ العهد الأردني والاستعمار البريطاني، والتعامل مع واقعنا بخصوصية وعدم خصخصة التعليم لان التعليم حق من حق الإنسان ولا اقصد أن يفك الواحد منا الحرف لان مفاهيم الأمية اختلفت مع اختلاف الواقع.
هي حالة من الرعب تضاف إلى جبل من المشاكل يعاني منها شعبنا، ولا يمكن في حالتنا كفلسطينيين الفصل بين جدلية الأرض والإنسان، فعندما تشوه الأرض والقيم والمفاهيم يتوجب علينا أن نقف على الأصل، والأصل يكمن في الذين أبرمنا معهم التعاقد على قيادة الدفة ويقولوا أنهم نجحوا وبامتياز رغم أن قطاع واسع ومنهم طلبة التوجيهي يقولوا يا ليتنا كنا نسياً منسيا.

CONVERSATION

0 comments: