بحرين (مال ِ مو)، ولتذهب (سياستهاي حـُسن همجواري) إلى الجحيم/ د. عبدالله المدني

بداية لابد من وقفة لشرح بعض العبارات الواردة في العنوان للأشقاء العرب ممن لا يجيدون الفارسية. فكلمة "مال" عربية صميمة يستخدمها الفرس بمعنى "مـُلـْك" (بضم الميم وتسكين اللام)، و "مو" تعني لي أو لنا، وبالتالي فترجمة عبارة " بحرين مال مو" هي "البحرين لنا". أما عبارة "سياستهاي حسن همجواري" فإن المدقق فيها يكتشف أن معظم مفرداتها مقتبسة من العربية ومعناها "سياسات حسن الجوار".
في السنوات الأخيرة عاد النظام الكهنوتي الرابض على الضفة الشرقية للخليج العربي إلى إستخدام عبارة "بحرين مال مو" على لسان كبار رموزه وقادته المدنيين والدينيين والعسكريين. بل أن قائد ما يسمى بـ "الحرس الثوري" إستبدلها بعبارة أشد غطرسة وإستعلاء هي "خليج فارس مال مو" أي أن الخليج بأكمله ملك لنا، هذا بعد أن كان مثل هذه العبارات المستفزة توارت في عهدي الرئيسين السابقين "هاشمي رفسنجاني" و "محمد خاتمي"، وبما جعل الكثيرون يعتقدون أن طهران قد طلقت اللغة التصعيدية الثورية.
غير أن ذلك كان مجرد آمال سرعان ما تبخرت في الهواء بوصول الرئيس الحالي إلى سدة الحكم عبر إنتخابات شابها الكثير من الشكوك في نزاهتها. وهاهو رمز كبير في سلطته ألا وهو "أحمد جنتي" أمين عام ما يسمى بـ "مجلس صيانة الدستور"، يعود ويستخدم نفس العبارات المستفزة، ويشكك في سيادة وإستقلال البحرين، على نحو ما فعله أثناء خطبته الأخيرة في صلاة الجمعة الفائتة، حينما تطرق إلى ضرورة "فتح البحرين"، ولكأنما البحرين دولة كافرة
وبهذا القول الصادر من رمز بارز في مجلس صيانة الدستور (المنتهك بنوده على رؤوس الأشهاد)، لم يبق النظام الإيراني مجالا للتشكيك في نواياه العدوانية وأطماعه تجاه جاراته الخليجيات، رغم ترديده من وقت إلى آخر لعبارة "سياستهاي حسن همجواري".
والسؤال هو: كيف تريدنا طهران أن نصدق فحوى هذه السياسة، ورموزها الكبار لا يكفون عن التشكيك في قرارات الشرعية الدولية ممثلة في مجلس الأمن الدولي والذي صادق أعضاؤه الدائمون وغير الدائمين بالإجماع في عام 1970 على تقرير السنيور "فيتوريو وينسبير جيوشياردي" مبعوث أمين عام الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول رغبات الشعب البحريني بخصوص مستقبل بلادهم السياسي. ذلك التقرير الذي أفاد بصورة واضحة ودقيقة أن البحرينيين، بمختلف طوائفهم ومكوناتهم، يفضلون أن تصبح بلادهم دولة عربية خليفية مستقلة، بدلا من إلحاقها بإيران. وهو نفس التقرير الذي رفعه مجلس الأمن لاحقا إلى نظام الشاه للتصديق عليه، فكان أن رفعه الأخير لبرلمان بلاده الذي أقره بمجلسيه.
أما القول بأن إيران وافقت وصدقت على القرار يوم أن كانت السلطة ممثلة في الشاه وليس في الولي الفقيه، فإنه يفتح الباب واسعا أمام فوضى كبيرة في المجتمع الدولي، وذلك بمعنى أنه لو تنصل كل نظام سياسي مما وقــّع عليه سلفه من معاهدات وإتفاقيات لما كان هناك قانون دولي أو أعراف ومباديء تقوم عليها العلاقات الدولية.
إن طهران بهكذا مواقف وتبريرات صادرة عن رموزه الرسمية إنما تكشف عن مدى إستخفافها بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية، وهو نفس الإستخفاف الذي نراه في قضية أخرى هي تهربها من إلتزاماتها في ما يتعلق ببرامجها النووية المثيرة للشك والريبة، ودخولها في مناورات بائسة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تشبه مناورات "توم أند جيري" الكرتونية.
ومن جهة أخرى فإن طهران بمواقفها تلك تجسد على أرض الواقع تناقض وتضارب سياساتها الخارجية، وبما يجعل تشدقها بـ "سياستهاي حسن همجواري" مجرد ذر للرماد في العيون ليس إلا. وبعبارة أخرى فهي تكرر رغبتها في إستتباب الأمن والسلام في بحيرة الخليج، وتردد – كما صرح وزير خارجيتها علي أكبر صالحي، وكما صرح سلفه المقال إقالة تعسفية "منوشهر متقي" – "أن لا مشاكل لدينا على الإطلاق مع دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية، وأن علاقاتنا معها تقوم على سياسة حسن الجوار، وأن أية خلافات في وجهات النظر يمكن حلها بالحوار والتواصل"، لكنها في الوقت نفسه تقوم بتوتير الأجواء وتلغيمها، تارة عبر المطالبة بالسيادة على البحرين والتدخل في شئونها الداخلية من خلال تأييد حركات المعارضة المتطرفة غير الشرعية، وتارة بالتحريض الإعلامي على دول خليجية بعينها ووصفها بأنها أدوات في يد "الشيطان الأكبر"، وتارة ثالثة بتجييش الشعوب الخليجية للإلتحاق بما يسمى "ربيع التغيير العربي" الذي إعتبرته طهران من وحي وإلهام ثورتها الإسلامية السبعينية، وتارة رابعة عبر القيام بمناورات بحرية إستفزازية في مياه الخليج العربي معطوفة على دعايات وشعارات الغطرسة والتفوق.
والتناقض الإيراني المذكور لا يقف عند ذلك، بل تجاوزه إلى شيء أخطر ينطوي على النفاق البواح. فطهران التي جندت كل قواها الإعلامية والدبلوماسية للتأثير في مجريات حركة الإحتجاجات في مصر، واصفة تلك الحركة بـ "الصحوة الإسلامية التي طال إنتظارها"، هي نفسها التي لم تتردد في وصف حركة الإحتجاجات في سوريا بـ "حركة الرعاع والمخربين وأعداء جبهة الممانعة والصمود"، وهي نفسها التي تشتم واشنطون نهارا، لكنها تطالب حلفاءها في العراق و مريديها في البحرين ليلا أن يتواصلوا مع الأمريكان ويفتحوا قنوات التشاور معهم داخل الغرف المغلقة.
د. عبدالله المدني
كاتب وباحث أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: يوليو 2011
الإيميل:elmadani@batelco.com.bh

CONVERSATION

0 comments: