نتائج الثانوية العامة 2011 تحت المجهر/ عبد الكــريم عليــان


المدرسة سجن والامتحانات التي تجريها إرهاب!

كالعادة كما في كل عام حالما تصدر نتيجة الثانوية العامة في غزة، تزغرد أمهات الناجحين والمتفوقين، على اعتبار أن نجاح أبنائهن وبناتهن هو من صنيعهن، وتنفق محلات بيع الحلوى ما قد حضّرته من حلويات لهذه المناسبة.. ولعلع الرصاص في أحياء غزة مما أودى بحياة طالبة متفوقة، وبدأت الصحافة والتلفزيونات بنشر التقارير عن المتفوقين وأهاليهم، وكذلك يزيد الاهتمام بالفئة المتفوقة فتنهال عليهم المكرمات الرئاسية والمنح الجامعية، للعشر الأوائل منحة كاملة من الرئيس! ومن رئيس غزة عشرة لغزة.. لم نسمع أي اهتمام من أي جهة بالنسبة للفئة الراسبة والتي تخلفت عن النجاح، أو كما يقولون : ( لم يحالفهم الحظ ! ) وكأن هؤلاء لم تشكلهم الظروف التي نعرفها ، ولم تتأثر بما يجري في محيطها.. وأن الجهاز التعليمي الذي يديره السياسيون المنقسمون غير مسئولين عن هذا الفشل الذريع..؟ في الدول المتقدمة، نعم ! يهتمون بالفئة المتقدمة لكنهم يهتمون أكثر بالفئة المتأخرة أيضا، ويحكمون على نتيجة الامتحان بأن الجهاز التعليمي والجهاز الحكومي كله مسئولا عن النتيجة ! وإذا ما ظهرت النسبة بأن الناجحين كانوا 50 % مثلا؛ فهذا يعني أن الجهاز التعليمي لم يقم بواجبه بقدر 50% أيضا، ويجب تشديد الرقابة علية وزيادة ميزانيته بشكل يضمن تحسين قدرته على العمل.. ويبدو أن القائمين على الامتحانات لم يكن لديهم فلسفة التقويم لعملهم وكل همهم هو فرز أبنائنا وتصنيفهم بما يروق لهم ويتلذذون بخراب المجتمع وعدم الاكتراث بالنتائج المدمرة لعملهم.. وهنا نذكر : " بأن وظائف القياس (الامتحان) لم تعد مقصورة على تحديد الدرجات وتكوين الأحكام الخاصة بالترفيع والترسيب، وإنما أصبحت بالإضافة لذلك وسيلة تهدف للحصول على المعلومات ومعالجتها بقصد تحسين عمليات التعلم والتعليم، وهي تستند إلى أكبر قدر من البيانات يمكن توفيرها عن الأفراد، وهي وسائل ضبط لنوعية العملية التربوية بحيث يتم الحكم في نهاية كل مرحلة على ما إذا كانت تلك فعالة، ولا مانع من الاستمرار بها، أو أنها تحتاج إلى إيقاف أو تعديل بالإضافة إلى أنها وسائل تساعد على التعرف على ما إذا كانت الأبدال المختلفة للممارسات التربوية فعالة أم لا في تحقيق الأهداف والغايات التربوية المنشودة .." وكذلك تؤكد نظريات القياس والتقويم بأن الامتحانات التحريرية بالطريقة التقليدية القائمة لدينا، ومهما كانت درجة دقتها وصدقها؛ فلا يمكنها قياس قدرات الطلاب بدرجة لا تزيد عن 70%. " لا توجد هناك أداة قياس تعطي نتائج أو قياسات دقيقة بشكل مطلق، وفي العادة تكون نتائج القياس تقريبية تعتمد في دقتها على دقة أدوات القياس المستخدمة. وكذلك أن مجرد النجاح في الثانوية لا يعني ضمان النجاح في الدراسة الجامعية.." (ثورانديك، روبرت، هيجن، اليزابيث: القياس والتقويم في علم النفس والتربية، ترجمة: كيلاني، عبدالله، عدس، عبد الرحمن، مركز الكتب الأردني، عمان:1984).

على كل حال كما عودنا قرائنا والمسئولين وأصحاب الرأي بتحليل وتقويم علمي مختصر لنتائج الثانوية العامة لكي تكون الصورة شاملة واضحة دون غش أو خداع، وقبل البدء بعرض النتائج وتحليلها نشير إلى صعوبة الحصول على البيانات المطلوبة لعملية التحليل، وكأنه مقصودا ذلك من وزارة التربية والتعليم، أو أن الجهاز التعليمي مهلهل ولا يعمل بالشكل الصحيح، وفي كلا الحالتين مطلوب تغيير جذري للهيكل التعليمي لا يغش نفسه ويغش مجتمعه ويعمل على إصلاح التعليم، منهاجا وأنشطة، يلائم ظروف مجتمعنا ومتطلباته العصرية والمستقبلية.. وتجدر الإشارة أيضا أن هذا التقييم يقتصر على نتائج الثانوية في غزة دون الضفة الغربية، وذلك لمعرفتنا ومعايشتنا لظروف غزة على أمل أن يحذو حذونا أحدهم من الضفة..

بلغ عدد المتقدمين لامتحان الثانوية العامة في غزة هذا العام ما مجموعه 36401 طالبا وطالبة موزعين على كافة الفروع في كافة محافظات غزة، تقدم منهم للفرع العلمي 6325 طالبا ، والعلوم الإنسانية 29820 طالبا، وباقي العلوم (الاقتصاد المنزلي، العلوم التجارية، الزراعية، والصناعية) بلغوا 256 طالبا فقط ! من هذا التوزيع يمكننا ملاحظة الخلل الكبير الذي لحق بالجهاز التعليمي، وعدم ربطه بالحياة العامة؛ إذ كيف نفهم تحول طلبتنا من الأقسام العلمية والمهنية المهمة والضرورية لتنمية المجتمع، المطلوبة لسوق العمل إلى العلوم الإنسانية التي يكتظ بها مجتمعنا؟؟ هل السبب هو في المنهاج؟ أم في المدرسة؟ مهما كان السبب؛ فمن الواضح أن الحياة التعليمية والجامعية تعيش في فوضى عارمة بدون تخطيط واستراتيجيات تعمل على إشباع حاجات ورغبات مجتمعنا.. لقد نجح في الامتحان ما مجموعه 19708 في كافة الفروع أي ما نسبته 54.14 % وهي نسبة لا تختلف كثيرا عن السنوات الثلاث الماضية كما هو مبين في الجدول التالي:

السنة
2008
2009
2010
2011

نسبة النجاح العامة
52.19%
49.70%
54.67%
54.14%

نسبة النجاح في العلوم الإنسانية
54.78%
46.60%
49.77%
50.22%

نسبة النجاح في الفرع العلمي
74.3%
72.38%
78.06%
72.33%

لم يظهر الجدول أي تغير يذكر في نسب النجاح العامة خلال السنوات الأربعة الأخيرة، مما يدل على أن الجهاز التعليمي غير معني بتقويم العملية التعليمية، ولم يجتهد في عمل برامج وأنشطة تساهم في تحسين مستويات التعليم لدى أبنائنا، وقد يكون مرد ذلك إلى ظروف الانقسام السياسي الذي يعيشه شعبنا للسنة الخامسة على التوالي، والذي انعكس بشكل واضح على مجمل أنشطة المجتمع المختلفة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، لكن ذلك لا يعني من المحاسبة والمتابعة من الجهات العليا في السلطة التنفيذية والتشريعية..

كي نقوم بتحليل دقيق للنتائج، قمنا بتصنيف الناجحين إلى فئات هي: الفئة الضعيفة والتي حصلت على معدل نجاح يتراوح بين 50 درجة إلى أقل من 60 درجة، والفئة المتوسطة والتي حصلت على معدل يتراوح ما بين 60 إلى أقل من 70، وكذلك فئة الجيدة ما بين 70 إلى أقل من 80 درجة، والفئة جيدة جدا ما بين 80 إلى أقل من 90 درجة، والفئة الممتازة ما بين 90 إلى أقل من 100 درجة، وظهرت النتائج كما هي في الجدول التالي:

الفئة
العلوم
الإنسانية
الفرع
العلمي
باقي الفروع
المجموع

 
الناجحين
النسبة %
الناجحين
النسبة %
الناجحين


ضعيف (50 ≤ 60)
6915
46.18%
225
4.92%
27
7167

متوسط (60 ≤ 70)
3448
23.02%
914
19.97%
58
4420

جيد (70 ≤ 80)
2450
16.36%
1263
27.60%
37
3750

جيد جدا (80 ≤ 90)
1574
10.51%
1346
29.42%
23
2943

ممتاز (90 ≤ 100)
589
3.93%
827
18.09%
12
1428


14976

4575

157
19708

إذا ما نظرنا للفئات كما حصل عليها الطلبة الناجحون في محافظات غزة سنجد الفئة الأكبر هي الفئة الضعيفة حيث بلغت نسبتهم 36.37% من الطلبة الناجحين وبلغ عددهم 7116 طالبا، وحيث أن هؤلاء لا تمكنهم درجاتهم من دخول الجامعة لأن قانون القبول في الجامعات هو 60 درجة فما فوق، وبالتالي يرتفع عدد الراسبين في غزة إلى 23860 طالبا من أصل 36401 طالبا أي ما نسبته 65.55% ( راسبين ) من مجمل الطلبة، وهذا يعني أن عددا قليلا من هؤلاء سوف يعيد الثانوية ليجرب حظه مرة أخرى، والعدد الأكبر منه أصيب بالإحباط الشديد ويحتاج إلى رعاية نفسية مكثفة حتى يتمكن من قبول الحياة وإعادة التأهيل.. وسبب ذلك ليس المرحلة الثانوية فقط ! بل هو عملية تراكمية من بداية المرحلة التأسيسية، لكنها انكشفت عند امتحانات الثانوية.. أي امتحانات هذه..؟ وأي نظام تعليمي هذا الذي يصل بأبنائنا ومجتمعنا إلى هذه الحالة..؟! لماذا بقيت الامتحانات مواقف للخوف والريبة إلى حد الإرهاب؟؟ هذا يقودنا للتساؤل مرة أخرى لماذا تغير المنهاج الفلسطيني إلى منهاج حديث يلاءم الحياة التي نعيشها، لكن النظام التعليمي ومفاهيمه لم تتغير بعد..؟ تغير المنهاج ولم تتغير البرامج والأنشطة والنظام لتلاءم هذا المنهاج.. والأفظع من ذلك كله أن معظم المعلمين والمشرفين لم تتغير مفاهيمهم وفق المنهاج الحديث، فهم ما زالوا يعلمون أبنائنا وفق الطريقة البنكية في تلقين المعلومات وتحصيل المعرفة، ولم تصبح بعد الامتحانات مواقف تعليمية للطالب، ولا تقويمية للمدرسة والجهاز التعليمي...

نعود إلى النتائج كما ظهرت في قسم العلوم الإنسانية فجاءت الفئة الضعيفة هي الأكبر، ومن ثم المتوسطة، فالجيدة والجيدة جدا وأخيرا الفئة الممتازة التي جاءت بنسبة مقبولة باعتبار أن هذه الفئة هي فئة العباقرة ويجب أن لا تزيد عن 2.5% من الناجحين في أي مجتمع كان، وإن ظهرت لدينا بزيادة نسبتها 1.5% وتعتبر زيادة كبيرة لمجتمع مثل مجتمعنا.. لكن التوزيع غير طبيعي في النتيجة التي ظهرت مختلة تماما، وعلينا أن نتساءل لماذا كانت الفئة الضعيفة كبيرة جدا؟؟ هل هو ناتج عن ترفيع آلي للراسبين الذين حصلوا على درجات أقل من 50% فتضخمت هذه الفئة بدرجة كبيرة؟؟ أم أن الامتحانات ليست موضوعية، وغير دقيقة، أم أن هناك خلل كبير في تصحيح إجابات الطلبة.. هذا ما يمكن أن يجيب عليه المشرفون المسئولون عن التصحيح والنتائج.. وليس أمامنا إلا أن نقول: أن الامتحانات لا تتصف بالصدق والثبات، وبالتالي لا يمكننا أن نمنح الثقة لكل العاملين في الجهاز التربوي.. لو كانت النتيجة قريبة من التوزيع الطبيعي والفروق الفردية لظهرت النتيجة بشكل متزن حيث تتقارب الفئة الضعيفة مع الفئة الممتازة بنسبة لا تزيد عن 3% لكل فئة لترتفع بالتدريج حيث تقابل الفئة المتوسطة فئة الجيدة جدا لتبقى الفئة الأكبر هي فئة الجيدة وتحوز على العدد الأكبر من الناجحين..

أما نتائج الفرع العلمي فظهرت بشكل معاكس لفرع العلوم الإنسانية، إذ حازت الفئة الممتازة والتي يفترض فيها أن تكون فئة العباقرة على نسبة 18.09% من عدد الطلبة الناجحين، وهذا لم يحصل في دولة من دول العالم التي لا تزيد فيها هذه الفئة كما ذكرنا عن 2.5%. إذن كيف خرجت هذه النسبة لدينا ؟؟ مرة أخرى نقول إن الامتحانات لا تتصف بالصدق والثبات، وكذلك النتيجة قد تكون تغيرت عن الحقيقة ولعبوا فيها كما يحصل كل عام، ويمكن تفسير ذلك بما يلي: نعرف أن وزارة التربية والتعليم ستعمل على رفع نسبة الناجحين في المواد التي سيكون فيها نسبة الرسوب عالية حتى تخفف من الصدمة المتوقعة في نسبة الرسوب إذا كانت عالية، والطريقة التي يتبعونها في الترفيع هي : يتم إضافة عدد من الدرجات للراسبين، ويتم تحديدها بناء على عدد الراسبين والذين يرغب بترفيعهم، ولو افترضنا أن الراسبين في الفيزياء مثلا 50 % من الطلبة وترغب الوزارة بترفيع 20 % منهم؛ فسوف تقيس أدنى درجة من الـ 20 % وتحسب كم درجة تحتاج للنجاح، ونفرض أنها تحتاج إلى 15 درجة للنجاح فيتم إضافة 15 درجة لكل من هو أقل من خمسين وحتى من هو حاصل على 70 درجة مثلا وأحيانا لمن هو حاصل على 85 درجة كما عملت بذلك في سنوات سابقة؛ فهل هذه هي الطريقة الصحيحة في ترفيع هؤلاء؟! إن هذه الطريقة تخل كثيرا بالميزان، وتظلم كثيرا من الطلبة المتفوقين لأنهم سيحرمون من الدرجات الـ 15 التي تم إضافتها لعدد كبير من الطلبة، وسوف نجد الطلبة ممن هم في الفئة الوسطى سينتقلون إلى الفئة الممتازة بما لا يستحقون، ومن هنا تظهر نتائج عالية في الفئة الممتازة والفئة التي تليها في الترتيب.. إن ذلك لا يجوز في علم القياس، ولا يمكننا عمل تقييم لهكذا نتائج، من هنا يبدو أن وزارة التربية لا تقوم بعمل تقييم شامل للعملية التعليمية وخاصة للمرحلة الثانوية ؟! وهذا يدل على الفوضى والتخبط في العمل .. وإذا ما أردنا تأكيد ذلك فلنفحص علامات الطلبة في الصفوف العاشر والحادي عشر فهل تتطابق هذه العلامات مع علامات الثانوية العامة ؟ لا نعتقد أنها تتطابق أو تتقارب إلا عند قلة قليلة من هؤلاء، بدليل أنه كيف لهؤلاء يكونوا قد ترفعوا للصف الثاني عشر..؟ هنا يكمن الخلل إما في طرق التدريس وإدارة المدرسة، أو في الامتحانات النهائية المعدة للثانوية العامة إذا ما كانت الامتحانات أداة لقياس مدى تحقق الأهداف التربوية..؟! إذن امتحانات كهذه لا يمكن أن تكون ( محكية المرجع ) ويمكن اعتبارها ( معيارية المرجع ) ونعتقد أن معظم الجامعات في الدول المتقدمة تقوم بعمل مقاييس قدرات خاصة لكل كلية أو تخصص ولا ينظر لشهادة الثانوية إلا خطوة أولى لدخول الجامعة، حتى من حصل على علامات عالية فيها إذا لم يستطع عبور امتحان القدرات الذي حددته الجامعة فلن يدخل الجامعة..! فلماذا لا تقوم جامعاتنا بعمل مثل هذه الامتحانات؟؟ وبهذا نكون قد تخلصنا من مشكلة القبول التي حددت بـمعدل 60% فما فوق؟ ونمنح فرصة أخرى لكل الناجحين..؟

مهما يكن ، فقد أصبح واضحا للجميع أن هذه السنة لا تختلف كثيرا عن السنوات السابقة إن لم تكن مطابقة لها، وأن الانقسام وحالة التشرذم السياسي كان لهما العامل الرئيسي في وصولنا إلى هذه الحالة المتردية، إضافة إلى الحصار الظالم على شعبنا، وكذلك انقطاع الكهرباء، والظروف الاقتصادية السيئة، كما هي الحالة في جميع مناحي الحياة المختلفة في محافظات غزة ، فهل أدرك السياسيون والقادة حجم الخلل والدمار الذي أنتجوه، وبدلا من التباهي والاحتفال بالفئة المتفوقة يقوموا بعمل جلسات نقاش وإعادة حساباتهم ومدركاتهم... لتكون بداية لإعادة اللحمة لشعبنا وتوحيد صفوفه لمواجهة التحديات المقبلة بدلا من حسابات فئوية ضيقة..؟! نعتقد أننا بحاجة لتغيير نظرتنا عن مركزية القرار وإعطاء الفرصة لمدارسنا ويمكن اعتمادنا لمعايير الجودة لهذه المدارس فيما بعد ولجامعاتنا كذلك.. ما دام أن جميع مؤسساتنا تقوم بعمل امتحان لخريجي الجامعات في حال توظيفهم أو تشغيلهم في تلك المؤسسات.. وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقدم التهنئة للناجحين، والوقوف بجانب الذين تخلفوا عن الانتقال من هذه المرحلة ليقوموا من جديد كدافع للتقدم والنجاح...

CONVERSATION

0 comments: