الشعب السوري: نبيل العربي غير مرحب بك في دمشق الفيحاء/ محمد فاروق الإمام

كأن قدر جامعة الدول العربية أن لا يتسلم أمانتها إلا من يتقنون تسّويق القادة والزعماء العرب المنتهية صلاحيتهم عند شعوبهم والذين لم يكن لهم شرعية تؤهلهم لتبؤ سدة الحكم، فتربعوا عليه بقوة البسطار والبندقية وقمعوا شعوبهم وأذلوهم وأفقروهم وابتكروا أفظع وأشنع الجرائم والممارسات القمعية بحقهم، فهذا الأمين العام الجديد للجامعة العربية نبيل العربي (75 عاماً) وهو المحسوب على الثورة المصرية، ولا أعرف أي ماض لهذا الأمين خوله أن يكون جزء من ثورة مصر الشبابية التي غيرت وجه الكنانة وأعادت إلى شرايينها الحياة بعد أن ظننا أن لا تعود، يسوق هذا الأمين الجديد في بداية مشاوره في أمانة الجامعة، التي ملتها الشعوب العربية ومجتها، النظام السوري القمعي الذي أهدر دم شعبه منذ تسلق مغامريه جدران الحكم غدراً وغيلة على ظهر دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو الصهيوني في الثامن من آذار عام 1963، وقنن هذا النظام جرائمه وفق أسس مدروسة وممنهجة بعد إطاحة وزير الدفاع حافظ الأسد برفاقه في 16 تشرين الثاني عام 1970، ونصب نفسه رئيساً للجمهورية وأعطى نفسه قدسية تنازع حكم الله في الأرض لأكثر من ثلاثين عاماً، ذاق خلالها الشعب السوري من العذابات مالا يوصف وتجرع من المرارات ما لعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر، وعندما مات هذا الطاغية وجد الشعب السوري نفسه أمام ابن مستنسخ لا يقل دكتاتورية عن أبيه يلوي عنق الدستور ويغير بعض مواده، مدعوماً بالبسطار والبندقية التي ورثها عن أبيه، ينصب نفسه حاكماً على سورية التي وجدت نفسها – كما يقول المثل الشامي – (خلصنا من الوكف لتحت المزراب).
وبعد أحد عشرة سنة عجاف نال الشعب السوري من الوريث مالا يقل عما ناله من الأب.. كوارث وانكسارات وتخلف وجهل وفساد ونهب وسلب وسجون ومعتقلات وتهجير ونفي وإذلال وقهر، دون رادع من ضمير أو وازع من أخلاق أو حس بالمسؤولية والوطنية، وكان لابد لهذا الشعب أن يثور على الظلم والطغيان والاستبداد كما فعل أشقاؤه في تونس ومصر، فتظاهر سلمياً مطالباً بالحرية والكرامة فاستقبل بالرصاص الحي ومحاصرة المدن ومنع الماء والغذاء والدواء والكهرباء والاتصالات عنها، وزمجرة الدبابات وهدير المجنزرات وفرق الموت وكتائب الشبيحة ومراهقي اللجان الشعبية التي أودت خلال أربعة شهور بحياة أكثر من 2000 شهيد وأضعافهم من الجرحى والمعتقلين والمهجرين إلى دول الجوار.
كل هذه القائمة القاتمة لم تجد صدى لها عند السيد الأمين العام الجديد للجامعة العربية نبيل العربي الذي أعلن بعد لقائه بشار الأسد أنه سعيد بما سمعه من الرئيس من خطط الإصلاح التي اعتمدها ويقوم برسم ملامحها ويشكل لها اللجان ويصدر لها المراسيم والقرارات ويطلق لها الوعود، ولم ينس أن يندد بتصريحات الإدارة الأمريكية التي وصفت بشار الأسد بأنه فاقد للشرعية، مؤكداً أن "الجامعة العربية ترفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية ولا يحق لأحد سحب الشرعية من زعيم لأن الشعب هو الذي يقرر ذلك".
نعم يا نبيل العربي أؤيدك بأن من يحق له سحب الشرعية هو الشعب وقد قال الشعب السوري كلمته بسحب الشرعية عن بشار الأسد وطالب بإسقاطه ورحيله قبل تخلي حلفائه في واشنطن عنه ووسمه بأنه رئيس فقد الشرعية في عيون شعبه بعد ما ارتكب من حماقات دفعتهم إلى قول ما قالوه ، أو أنك لم تر الملايين من الجماهير التي تخرج صباح مساء في كل المدن والبلدات والقرى السورية منذ أربعة أشهر وهي تستقبل الرصاص بصدورها العارية ملوحة بأياديها التي لا تحمل إلا الورود وأغصان الزيتون، وتصدح حناجرها بهذا الشعار (الشعب يريد إسقاط النظام).. (بشار ما منحبك ما منحبك أرحل عنا أنت وحزبك).
أما كانت أرواح هؤلاء الشهداء الذين أزهقتهم فرق الموت وكتائب الشبيحة ومزقت أجسادهم جنازير الدبابات ومثل بجثامينهم رجال الأمن وساديي النظام أن تترحم عليهم، وتقول فيهم كلمة تمسح بها دموع من تيتم من الأطفال وتواسي بها الأرامل والثكالى الناحبات الباكيات اللائي فقدن فلذات أكبادهن ومعيل أولادهن وعمود بيتهن؟!
أما كان ساكنو مخيمات اللجوء من المهجرين السوريين في تركيا ولبنان والأردن يستحقون زيارة تفقدية منكم للإطلاع على أحولهم ومعاناتهم وسماع قصصهم التي تدمي القلوب؟!
من هنا فإنني باسم الجماهير الثائرة أقول للأمين الجديد لجامعة الدول العربية: لا أهلاً ولا سهلاً بك في دمشق الفيحاء الجريحة لأنك لم تلج ديارها من بابها الشرعي وآثرت دخولها من كوة سجانها الفاقد الشرعية والفاقد الصلاحية!!

CONVERSATION

0 comments: