غبطة البطريرك الراعي والمواقف الملتبسة/ الياس بجاني


الوكالة الوطنية للإعلام بتاريخ 28 حزيران/2011: "أسف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي "للوضع الإقتصادي المتردي في كل القطاعات الصناعية والإنتاجية، ما يساهم في استمرار هجرة الشباب"، مطالباً الحكومة بـ"العمل على تخفيف معاناة الناس"، ومشدداً على "ضرورة التعامل معها بشكل إيجابي من دون مواقف مسبقة، لأنَّ وجود حكومة أفضل من عدم وجودها، على أن تجري محاسبتها في ضوء ما تحققه من إنجازات".

الفرق كبير جداً بين النقد البناء والمحق والمجرد من المنافع الذاتية، وبين التهجم الشخصي والرخيص والنفعي، ونحن عندما سلطنا الضوء قي بداية هذا الأسبوع بقوة عبر نشرات أخبارنا اليومية اللبنانية عبر خطوطنا الهاتفية في كندا ومن خلال موقعنا الالكتروني على مواقف غبطة البطريرك بشارة الراعي الأخيرة المستنكرة والمرفوضة كلياً من قبلنا والتي كانت تناولت بالمديح ومنح البركات والتمنيات وفترات السماح حكومة سوريا وإيران في لبنان التي يرأسها نجيب ميقاتي، فنحن وبصدق لم نتهجم على غبطته وهو الذي نحب ونحترم ونجل، بل تناولنا مواقفه وكلامه المجافي لثوابت بكركي ولدورها وعبرنا عما يجيش في داخلنا وضميرنا بناءً على قناعاتنا الوطنية والإيمانية والأخلاقية.

نذّكر من غفل عنهم الهدف البناء للنقد وتسميتنا الأشياء بأسمائها دون مواربة وبصراحة متناهية بأن الفرق كبير بين التهجم والنقد وكبير جداً. ولمن استغربوا موقفنا الواضح والصريح واعتبروه تهجماً جارحاً نقول إنه من حقنا كلبنانيين عموماً، وموارنة تحديداً، لا بل من واجبنا الوطني والضميري والوجداني أن ننتقد بشكل بناء وموضوعي وأخلاقي مواقف وممارسات كل من يعمل في الشأنين العام والسياسي وكذلك الديني، وغبطة البطريرك الراعي من بينهم لأننا لسنا كسياديين في الوطن الأم وبلاد الانتشار مواشي تُربط رقابها بحبال وتساق إلى المعالف والزرائب والمسالخ، كما أن مركبات النقص من ذمية وتقية بعيدة جداً عن فكرنا وتتناقض كلياً مع أسس إيماننا الراسخ.

نحن لبنانيون أحرار نفتخر بلبنانيتنا وهويتنا ورسالتنا وحضارتنا ونقدس دماء شهدائنا الأبرار أكنا في الوطن الأم أو في بلاد الانتشار، كما أننا نرفض بقوة كما كان حال أهلنا الذين سبقونا منذ 7000 سنة أن نعامل كالعبيد والأغنام لأننا بشر أحرار وأصحاب رأي ونحترم قضية وكرامة وعنفوان الإنسان اللبناني.

في قاموسنا الوطني والقيمي كل مسؤول أكان رجل دين أو غيره وبمجرد أن يصبح في موقع المسؤولية وحقل الشأن العام يجب ألا يتوقع أن تحميه أي هالة وتحجب أخطاءه وخطاياه وتغفل أقواله وممارساته، وذلك لأنه ارتضى طوعاً أن يخدم الناس والوطن، والخادم هو "الراعي الصالح الذي يعرف خرافه وخرافه تعرفه" وعليه أن يسمع أراء الآخرين برحابة صدر وشفافية ويقبل مبدأ المحاسبة كون الإنجيل المقدس يقول إن "كبير القوم هو خادمهم"، وبالتالي القداسة هي فقط للقديسين، والقديسون وحدهم لا يخطئون.

من هنا فإن كلام غبطة البطريرك الراعي الوارد في مقدمة مقالنا الذي يتناول حكومة سوريا وإيران والمطلوبين للعدالة في لبنان، ورغم محبتنا واحترامنا له، نعم هو كلام مرفوض ومستنكر ولا يمكننا السكوت عليه لأنه كلام سياسي لا يليق بموقعه ولا بصرح بكركي الذي أعطي له مجد لبنان. كما أنه كلام مجافِ للحقيقة وبعيد جداً عن روحية الإيمان وليست فيه جرأة الشهادة للحق المطلوبة باستمرار من سيد بكركي ومن كل من يخاف الله.

قال غبطته إن الحكم يجب ألا يكون مسبقاً على الحكومة، بل يجب انتظار أفعالها ومن ثم محاسبتها. عجبي وهل حتى الآن لم يرَّ غبطته أعمال حزب الله وارتكابات النظام السوري وجماعات ولي الفقيه المستمرة بحق أهلنا ووطننا منذ العام 1976 قهراً وإرهاباً وقتلاً وتهجيراً وتفكيكاً واقتلاعاً وإلغاءً لمؤسسات وكيان وهوية وطن الأرز؟
وهل اتهام المحكمة الدولية رسمياً قادة حزب الله باغتيال الرئيس الحريري وكوكبة من قادة ثورة الأرز جاء من أوهام وتخيلات وهو حكم مسبق؟

وهل حكومة يرأسها الميقاتي الذي ولاه حزب الله وقادة دولتي محور الشر سوريا وايران يمكن أن تجلب إلى لبنان واللبنانيين غير الدمار والفوضى والإجرام والانتهاكات بكافة أنواعها؟
وهل سوريا وإيران ومرتزقتهما في لبنان يخفون مشاريعهم الهدامة التي تسعى علناً لتدمير لبنان وتهجير أهله وإسقاط نظامه وتحويل كل اللبنانيين إلى عبيد وإتباع؟

هل يريدنا غبطته أن ننتظر حتى يكملوا مشاريعهم وغزواتهم وحروبهم ومن ثم نحاسبهم؟ وهل تمت محاسبتهم على أي جريمة ارتكبوها من مثل غزوة بيروت والجبل وحرب 2006 وقتل سامر حنا وغيرها الكثير؟ وهل للدولة أي سلطة على دويلاتهم ومربعاتهم الأمنية لتتمكن من محاسبتهم؟

أي محاسبة تلك التي يتكلم عنها غبطته؟ وهل حزب الله يرضى بأن يٌحاسب، ومن هي الجهة حالياً داخل لبنان القادرة على محاسبته في حين أن دويلته مهيمنة على كل مفاصل الدولة؟ مع العلم ان الحزب الإيراني المسلح هذا المسمى حزب الله يدعي باطلاً أنه إلهي ومقاوم ومحرر وفوق المحاسبة وسلاحه مقدس ويهدد بقطع أيدي وبقر بطون من يقترب منه ويربط مصيره بالإنجيل والقرآن وبوجود إسرائيل.

وماذا عن هجمة الحزب العلنية على مصادرة وشراء أراضينا تحديداً مستعملاً كافة وسائل الإرهاب والفساد والإغراء؟ فهل هذه الجريمة أيضاً تستوجب ألا تكون أحكامنا مسبقة على حكومة يرأسها هذا الفيلق العسكري الإيراني ويديرها والوزراء فيها مع رئيسهم مجرد أدوات لا أكثر ولا أقل؟

براحة ضمير نقول إن كلام غبطته مرفوض ونتمنى ألا يتكرر. أما الأغنام التي تسير وراء ميشال عون وتطبل لحزب الله وتهاجمنا على خلفية الجهل والحقد والغنمية فهؤلاء نحن غير معنيين بهم ولا بكلامهم الهرطقي والصبياني لأنهم وكما يقول الإنجيل، "لو كانوا منا لما خرجوا عنا".

البعض ادعى أن قداسة البابا بارك الحكومة الميقاتية وبالتالي غبطة البطريرك ملزم هو أيضاً بهذا الأمر. هذا ادعاء مسطح فيه الكثير من التبسيط للأمر لأن قداسة البابا قال لغبطته،
"علمنا أنه أصبح عندكم حكومة فمبروك"، وهو لم يزيد على ذلك حرفاً واحداً، أما كلام غبطته ففيه استخفاف لعقولنا وخروج عن الحقيقة وتعمية على أمر واقع مر مفروض على وطننا وأهلنا بقوة السلاح والمال والبلطجة والإرهاب.

باختصار، من حقنا أن ننتقد ومن حق غيرنا أن يرفض انتقادنا أو يقبل به وهذه هي الحرية، إلا أننا لا نتهجم ولا نعتدي ولا نساير في نفس الوقت على حساب الحقيقة. فعندما طلب الكتبة والفريسيون من السيد المسيح إسكات تلاميذه قال لهم (لوقا 19-40): "لو سكت هؤلاء لكانت هتفت الحجارة" . ونحن لن نسكت على أي قول أو فعل يمس وطننا الحبيب لبنان ويتطاول على مقوماته السيادية والاستقلالية، ونقطة على السطر.

ونختم بقول بولس الرسول" (غلاطية1-10): "هل أنا أستعطف الناس؟ كلا، بل أستعطف الله. أيكون أني أطلب رضا الناس، فلو كنت إلى اليوم أطلب رضا الناس، لما كنت عبدا للمسيح".

CONVERSATION

0 comments: