....... الثورات والانتفاضات الشعبية التي تجتاح العالم العربي،لم تأتي فقط نتيجة لأسباب اقتصادية واجتماعية وغياب الديمقراطية والحريات والتجديد وسياسة التوريث والتأبد في الحكم،بل كان امتهان الكرامة واحد من الأسباب القوية لتلك الانتفاضات،وهذا السبب هو الذي دفع بالشهيد بوعزيزي إلى إحراق نفسه،وليشكل المفجر لكل الثورات الشعبية العربية على طول وعرض جغرافيا الوطن العربي من محيطه لخليجه،وهذه الثورات والانتفاضات،رياح تغيرها ومراجلها لن تكون الساحة الفلسطينية بمنأى عنها،وخصوصاً بأن الأسباب الموجبة للثورات العربية عندنا يضاف لها الانقسام والاحتلال،وإذا كانت الثورات الشبابية التي تخرج وتطالب على المستوى الوطني بإنهاء الاحتلال،فإنها على صعيد الوضع الداخلي تطالب بإنهاء ليس الانقسام فحسب،بل وتدعو إلى إسقاط أوسلو الذي ولد الانقسام وجلب الخراب والويلات للشعب الفلسطيني،فهو لم يكتفي بتقسيم الأرض الفلسطينية إلى معازل،بل وقسم الشعب وفككه سياسياً ومجتمعياً،وأيضاً فهي تدعو للتغيير والتجديد،فلا يجوز ولا يحق للكثير من القيادات الفلسطينية المتكلسة والمتحجرة والمتربعة على كراسيها والتي بعض منها منذ انطلاقة تنظيماتها إن لم يكن منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية،مستمرة في اغتصاب تلك المواقع والمراكز تحت يافطة الشرعية الثورية،فمن غير المعقول ان الشعب الفلسطيني الذي قدم وما زال يقدم الكثير من التضحيات،أصبح عاقراً وغير قادر على إنجاب مثل هؤلاء الجهابذة؟!،والذين بدلاً في كل انطلاقة من ان تقف أحزابهم وتنظيماتهم لتمجدهم وتعظمهم وتأله دورهم،وهم لم يحققوا لا لشعبهم ولا لأحزابهم و لا تنظيماتهم أية انجازات جدية وحقيقية،عليها محاسبتهم ومساءلتهم والطلب منهم التنحي ومغادرة مواقعهم لقيادات شبابية قادرة على الاستجابة للتطورات والمتغيرات الثورية،ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا أن الكثير من القيادات الفلسطينية كانت سبباً مباشراً فيما حل بشعبنا وثورتنا وأحزابنا من تراجعات وهزائم وانهيارات وانكسارات وبهتان الدور والحضور والفعل،وما زالت تتعامل مع الحزب والتنظيم والثورة وكأنها ملكية وإقطاعية خاصة وبلغة الوصي والأب الروحي،إما أنا او من بعدي فليأتي الطوفان،فهناك منهم أمناء عامون او أعضاء لجان مركزية أو مكاتب سياسية منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً،وليس هذا فحسب بل كثير من قيادات الأحزاب والفصائل وحتى الممسكين بقيادة السلطة من يصورن لنا كل الهزائم والانكسارات التي حلت بنا كشعب فلسطيني على أنها انتصارات،وانه لولا عبقرياتهم وحنكتهم ووجودهم لحلت بشعبنا الكوارث وزال عن الخارطة والوجود،والنقد عندها من المحرمات،بل ويهدف الى خدمة أجندات خارجية او هو مؤامرة على شرعية القيادة.
وأيضاً عندما يتحدث الرئيس أو الأمين العام على أنه لا أحد فوق المساءلة أو القانون،ونشكل محكمة لمكافحة الفساد والكسب غير المشروع،وتتكدس عندها الكثير من الملفات للكثير من الشخصيات والتي جزء كبير منها نافذ سياسياً ومجتمعياً وامنياً،وتجري معالجة الملفات ببطء شديد جداً،بما يؤشر الى أن مستوى الإنجاز هنا سيكون متدني جداً ويحتاج إلى عدة عقود،بل وأبعد منذ لم تجري إدانة حقيقية وجدية لتلك الشخصيات والتي أصبحت الكثير من أسماؤها معروفة لشعبنا الفلسطيني،فهذا يضع الكثير من علامات الاستفهام عن الجدوى من وجود مثل هذه المحكمة،والقيادة ملزمة بكشف كل الحقائق للشعب في هذا الجانب،فلا يجوز ولا يحق أن تستمر تلك الشخصيات المغرقة في النهب والفساد وإهدار المال العام،تصرح وتمرح ويتعامل معها شعبنا الفلسطيني على أنها رموز وطنية ومجتمعية ومؤسساتية،وتواصل دورها في تخريب المجتمع ونشر الفساد ومأسسته،وهذا الفساد بكل أشكاله وأنواعه من سياسي ومالي وإداري ووظيفي وغيره ليس مقصوراً على السلطة ومؤسساتها وهيكلها ( رام الله وغزة )،بل هناك فساد مستشري في الكثير من المؤسسات غير الحكومية،والتي تتلقى المال السياسي وذو الأهداف والأجندات المشبوهة،ويجري التعامل مع قياداتها أو مسؤوليها على أنهم قادة مجتمعين وبناة تنمية وتطوير وتغير في المجتمع الفلسطيني،وكذلك السلطة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني،يجب عليها أن تتوقف أمام قضية أخرى لإهدار ونهب المال العام،حيث أن هناك الكثير ممن هم مسجلين كموظفين أو متفرغين على هذه الدائرة او الوزارة او الجهاز،لا يقومون بأي دور وظيفي لقاء ذلك،ويعملون في وظائف أخرى،مما يعني أن هناك مال عام يهدر ملك لشعب وليس لهذا الفصيل أو ذاك،وهذا باختصار عدم عدالة في توزيع الثروات،وأيضاَ يسهم في رفع نسبة البطالة والإفقار في المجتمع الفلسطيني.
ورغم كل رياح التغير الثوري العربي،ما زلنا متمترسين حول المواقف والرؤى السابقة من قضايا الانقسام والمفاوضات والوحدة والحوار الوطني،والتي على ضوئها بات من الملح والهام فلسطينياً،مغادرة نهج وخيار المفاوضات الماراثونية والعبثية التي ثبت عقمها وفشلها،وصوغ وحدة وطنية فلسطينية عمادها وجوهرها إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة من خلال انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في الوطن والخارج حيثما أمكن،تشارك فيها كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،ونرى ان أي دعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية في ظل حالة الانقسام الفلسطينية القائمة،من شأنها دفع الأمور نحو المزيد من الشرذمة وتكريس وشرعنة الانقسام والانفصال بين جناحي الوطن.
نحن اذاً بحاجة إلى قيادة فلسطينية تستوعب كل التطورات والتغيرات تستجيب لحالة التغير الثوري،وقادرة على توظيف كل ما يحدث عربياً لصالح القضية والشعب الفلسطيني،فالموقف الفلسطيني بالضرورة أن يتوحد خلف إستراتيجية موحدة- إستراتيجية الصمود والمقاومة- لا أن نبقى في إطار التهليل والتطبيل للثورات العربية،فهذه الثورات ستشكل رافعة لنضالنا وستقوي وتعزز من وحدتنا وثباتنا على مواقفنا ومطالبنا،وعلينا لا نبقى في إطار الخوف والتردد،علينا أن نغادر لغة وموقف،ان ما يجري عربياً هو شأن داخلي،فنحن حركة تحرر وطني،بالضرورة أن تكون مواقفنا منحازة الى صالح الجماهير العربية التي تنتفض وتثور من أجل حقوقها وحرياتها وكرامتها،تنتفض على من نهبت خيراتها وثرواتها من أنظمة طاغية وفاسدة وحولتها الى عبيد وتاجرت بكرامتها وسيادتها الوطنية،بل وأبعد من ذلك جعلت أرضها مستباحة ومغتصبة.
نعم من المخجل حقاً وخارج قوانين الثورات ونواميسها،أن تقف حركة تحرر وطني موقفاً مخجلاً ومهيناً من الثورات العربية،فالثورة الفلسطينية كانت دائماً وأبداً رأس حربة ومثال لكل الثورات والثوار في العالم عربياً وإقليمياً ودولياً.
نعم المطلوب فلسطينياً وعلى كل المستويات قوى وأحزاب وسلطة ومؤسسات مجتمع مدني،استخلاص الدروس والعبر من الثورات والانتفاضات الشعبية العربية،تلك الانتفاضات الشعبية التي تقول أنه لا مناص من التغير،لا مناص من إعطاء الشباب دورهم وفرصتهم.
0 comments:
إرسال تعليق