مقال في صحيفة الجمهورية/ جوزيف أبو فاضل


لم يحن الوقت ليعلن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي اسماء الوزراء بعد أكثر من شهر على تسميته. إذ لا يزال التفاوض مع 14 اذار مستمرا حينا، ممثلا بالرئيس امين الجميّل، وحينا آخر محصورا بالوزير بطرس حرب، وفي أوقات كثيرة عبر موفدين غير معلنين.
يرى بعضهم أن التأخير في تأليف الحكومة مرهون بنتيجة ما يحصل في الدول العربية، وطريقة تعامل الإدارة الأميركية مع الثورات التي حصلت والتي ستحصل في بعض البلدان.

أما السبب الثاني لهذا التأخير، فيرده بعض المراقبين الى خلاف على الحصص داخل الحكومة، وفي البحث عن الثلث المعطّل أو "الثلث الضامن"، لأن خطر الدخول في الحكومة والمشاركة في الحكم أقل خطرا بكثير من عدمه والجلوس لمراقبة الحكومة ذات اللون الواحد ومعارضتها وانتقادها.

أما السبب الثالث، فيكمن في اقتناع رئيس الجمهورية ميشال سليمان بأن يكون هذا "الثلث الضامن"، أو حتى تسمية وزراء، إضافة الى وزيرين له او ثلاثة، ضمانا لكي لا يكون وحيدا، أو فريسة لما يخطط ضده، بحيث لم يبقَ لدى قوى 14 آذار حصة في الحكومة الميقاتية الجديدة سوى الدفاع عن سليمان بحجة أنها تحافظ على موقع الرئاسة الأولى، وأن قوى 8 آذار تحاول أن تسلبه موقعه التوافقي.

وفي حين يرى المراقبون أن سبب المفاوضات التي كانت جارية، وستستمر على رغم قرارات "البريستول" أمس، والتي لم تفاجىء أحدا، فإن حفلة مراوغة كل واحد منهما على طريقة "شد اللحاف صوبه".

فالرئيس سعد الحريري يسعى الى تأخير تأليف الحكومة في انتظار أحداث ما قد تحصل وتُسقط حكومة ميقاتي، قبل أن تولد، ويصبح أمر عودته إلى السراي أمرا طبيعيا. ويعود الأمر في ذلك إلى احتمال صدور القرار الاتهامي قبل منتصف آذار المقبل، وخصوصا أن معلومات تُفيد أن قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين سينهي درس القرار الاتهامي في 11 من الشهر نفسه، بعدما كان تسلمه من المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار. أما الإعلان عن مضمون هذا القرار، فيخضع لاعتبارات أخرى، منها "التوقيت المناسب" مثلا، وهو أحد الأمثلة الذي يتكلم عليه القانون الأساسي للمحكمة، وكذلك هو الذي يقدّر إعلانه أو عدمه، نسبة إلى قواعد الإجراء والإثبات.

الحريري و14 آذار... يوم حاشد؟!

ويعمل الحريري ليكون يوم 14 آذار تجمعا حاشدا، ويصرّ على الاجتماعات الشخصية بينه وبين منسقي تيار "المستقبل" وكوادر المناطق بلا وسيط، فمنها ما هو معلن، ومنها ما هو غير معلن، لإنجاح الحشد المطلوب.

ويعتقد أن القرار الاتهامي سيصدر قبل يوم 14 اذار، لذلك فهو يحشد يوميا عند ضريح والده في احتفالات غير مسبوقة في السنوات الخمس الفائتة، لأسباب عدة أبرزها:

1 - تحفيز الناس على النزول والتجمع في ساحة الشهداء لاستعمال هذا الامر عاملا قويا وسلاحا جديا في يده، يستطيع إثبات وجوده مع الحلفاء، للعودة إلى السراي التي لن يدخلها الرئيس نجيب ميقاتي، ربما قبل آخر الشهر المقبل كحد أقصى.

2 - الاستعانة بدار الفتوى وثوابتها التي أُعلنت بعد الاجتماع العام الاخير برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، لجهة الوقوف إلى جانب المحكمة الدولية، والالتزام الكلي إزاء قراراتها، وحصر السلاح بيد القوى الأمنية اللبنانية.

3 - العمل خارجيا على إرباك ميقاتي، وقد استطاعت الولايات المتحدة الأميركية الدخول في آخر ما يملكه لبنان كسلاح قوي بيد الدولة، عبر الايحاء بأن أحد المصارف اللبنانية يبيّض الأموال، وهذا الأمر أربك الوضع المصرفي، الى حين صدور التطمينات عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي تبدو انها مشروطة على لبنان، وربما طاولت تهم مماثلة بعض المصارف، ما سينعكس سلبا على تأليف الحكومة.

وفي الجهة المقابلة، كان لافتا البيان الصادر عن المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، لجهة أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان "لاغية"، وأن على الحكومة الجديدة اعتبارها غير موجودة.

وعلى صعيد آخر، لا يوجد خلاف حقيقي وجدّي بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون وحلفائه ورئيس الجمهورية. ويقول قريبون منه انه ليس في وارد ارباك ميقاتي عبر طلبه الوزارات الأمنية، بل إن تركيزه على هذه الوزارات يصبّ في خانة الاصلاح في وزارة الداخلية، إذ لم يعتبر أنها كانت كافية أو ناجحة، لأن الرئيس التوافقي سينبثق منه وزير توافقي. وهذا الأمر غير مرغوب فيه في وزارة الداخلية، لأنها تعني الأمن الداخلي اللبناني بكل ما للكلمة من معنى. فالتناغم بين المدير العام وبقية المدراء في الداخلية مع الوزير أمر طبيعي. لكن رفض اوامر الوزير هو أمر مرفوض، لأن المسؤولين في البلاد يتحركون عبر وزارات وليس عبر مديريات. وبالتالي، هناك أمور أخرى مثل تنقيح لوائح الشطب ومكافحة الفساد والرشوة، وهو أمر بات ضروريا الى جانب الأمن، بحيث اصبح الجيش اللبناني كأنه الوحيد المسؤول داخليا وخارجيا عن هذا البلد.

ولا يردّ عون على الاتهامات، فطريقته هي العمل الدؤوب لوصوله مع فريقه إلى الحكومة بأكبر عدد من الوزاء أسوة بكل الكتل التي لديها هذا الحجم او أقل أو أكثر، مع الإشارة إلى أنه ثاني أكبر كتلة في المجلس النيابي، ورئيس أكبر كتلة مسيحية.

لقاء الأسد - عبد الله

إذاً، يعلم ميقاتي أن المشكلة لا تكمن في عون، فهو طمأن الحريري والمفاوضين إلى أنّ البيان الوزاري سيتضمّن "محافظة لبنان على المعاهدات والاتفاقات الدولية". وهو يعمل على عدم المراوحة، لكن الأمر ليس في يده وحده. فالذين دعموه لديهم سياستهم أيضا، حتى لو كانوا يؤيدونها في المطلق.

ويكمن السرّ في الاتصال الذي أجراه الرئيس السوري بشار الاسد بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لتهنئته بعودته سالما من رحلته العلاجية، ولم يُحدّد موعد للقاء قمة بينهما. فالاتفاق السوري - السعودي لا يزال ساري المفعول، لكن تطيير الاتفاق اللبناني - اللبناني حول المحكمة الدولية بإرادة أميركية، ومن واشنطن تحديدا، كان الرد عليه بتطيير حكومة الحريري كردة فعل على مسودة الاتفاق حول إلغاء المحكمة الدولية في رعاية سورية - سعودية.

وما يجري اليوم من مفاوضات، سيصبح غدا بلا فائدة، في حال حصول القمة بين الأسد - عبد الله، فربما تعطي جهود التسوية بين سوريا والسعودية ثمارها في لقاء واحد، فتخرج الحكومة الميقاتية حكومة تكنوقراط.

أما في حال استنفاد كل جهود التسوية بين سوريا والسعودية وأميركا، ولم يتم التوصل إلى نتيجة ايجابية، فستكون هناك حكومة مواجهة، أو حكومة "كسر عضم" تقابل مخططات الحريري، الذي يبدو في نظر فريق المعارضة القديمة "مش مصلّي عالنبي".


CONVERSATION

0 comments: