بسقوط نظام الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك تكون إسرائيل قد خسرت حليفها الاستراتيجي الثالث في المنطقة، ففي العام 1979 خسرت إسرائيل أهم حلفاءها في منطقتنا العربية والإسلامية، إذ فقدت نتيجة الثورة الإسلامية في إيران ركيزتها الأمنية، وذراعها الأخطبوطي الذي كان يحيط بوطننا العربي، ويلتف على عالمنا الإسلامي، فيخطط ويتآمر وينفذ، ويحصل بواسطتها على احتياجاته الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وبسقوط نظام الشاه في إيران الذي كان يرتبط بعلاقاتٍ وثيقة واسترايجية مع إسرائيل، وسقوط جهاز السافاك الإيراني الذي كان اليد الإسرائيلية الطولى في وطننا العربي، خسرت إسرائيل أحد أهم عملاءها في المنطقة، فتضررت مصالحها، وضاعت أهدافها، حيث انقلبت إيران إلى الضد والنقيض، فلم تكتفِ بقطع علاقاتها بإسرائيل، والامتناع عن التعاون معها، بل تحولت إلى دولة معادية لها، ودعت إلى استئصالها وإنهاء وجودها، ووصفتها بأنها غدة سرطانية، وبدأت في دعم قوى الثورة الفلسطينية وغيرها من القوى العربية التي تقف في خندق المواجهة ضد إسرائيل، فكانت إيران هي الخسارة الاستراتيجية الأولى لإسرائيل في منطقتنا.
وفي العام 2010 خسرت إسرائيل حليفها الثاني، وعمقها الاستراتيجي الذي كان يهدد سوريا ولبنان وأطراف عالمنا العربي، فقد خسرت تركيا التي تتربع في شمال الوطن العربي، وقد كانت تربطها بإسرائيل علاقاتٍ إستراتيجية عسكرية وأمنية واقتصادية ومائية وسياحية وغيرها، فقد كانت إسرائيل تعتمد كثيراً على تركيا في الاستفادة من أجواءها وأرضها في إجراء مناوراتٍ وتدريباتٍ عسكرية لمختلف أنواع قطعها العسكرية، وكانت تستفيد منها في تأييد مواقفها وسياساتها، وتستغلها في تهديد سوريا عسكرياً ومائياً، ولكن إسرائيل لم تخسر تركيا البوابة الإسلامية الأوروبية المتقدمة فقط في العام 2010 إثر اعتداء قواتها البحرية على قافلة الحرية التركية، وقيامها بقتل عددٍ من ركابها المتضامنين مع سكان قطاع غزة، فقد تهددت العلاقات التركية الإسرائيلية إثر قيام الحكومة الإسرائيلية بتهديد المسجد الأقصى، عندما قامت بحفرياتٍ عدة تحت المسجد الأقصى المبارك، ثم نتيجة عدوانها الهمجي على قطاع غزة نهاية العام 2008، وارتكابها مجازر دموية بحق مدنيي قطاع غزة، ثم تدهورت العلاقات التركية الإسرائيلية إثر المشادة التي وقت بين رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان وشيمعون بيرس رئيس الكيان الصهيوني في مؤتمر دافوس الاقتصادي، ثم قيام الخارجية الإسرائيلية بتوجيه إهاناتٍ متعمدة إلى السفير التركي في تل أبيب، وقيام أفيغودور ليبرمان بتوجيه إهاناتٍ أخرى إلى الحكومة التركية، فكانت النتيجة خسارة إسرائيل للمرة الثانية حليفاً إسلامياً ولاعباً دولياً كبيراً، اعتمدت عليه كثيراً في تحقيق أهدافها، وفي الدفاع عن مصالحها.
أما خسارة إسرائيل الثالثة فقد تمثلت في سقوط نظام حسني مبارك، الذي قد يكون الخسارة الأكبر لها، والضربة الأكثر وجعاً وإيلاماً، فقد اعتمدت إسرائيل على النظام المصري في تحسين صورتها، والدفاع عن سياستها، وإظهارها بأنها حريصة على عملية السلام، وساعيةً لها، وقد اعتاد النظام المصري أن يستقبل المسؤولين الإسرائيليين وأن يكون طود النجاة لهم في أحلك الظروف السياسية، وفي أوقاتٍ يكونون فيها في أمس الحاجة إلى رافعةٍ دولية، لتحسين صورته كيانهم التي بدأت تتشوه لدى الرأي العالمي نتيجةً لسياساتها وأعمالها العدوانية، فقد أقدم مبارك على استقبال أيهود أولمرت في ظل الاتهمات التي تعرض لها، وخلال مثوله أمام لجان التحقيق المختلفة، كما استقبل تسيفني ليفني وأيهود باراك خلال قبل وبعد عدوانهم على قطاع غزة، كما استقبل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بعد أزمة قافلة الحرية، ولم يتوقف الرئيس المصري السابق عن استقبال المسؤولين الإسرائيليين، في الوقت الذي تكون أيديهم موغلة إلى درجة كبيرة في الدماء الفلسطينية واللبنانية.
بسقوط نظام الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك تتهدد اتفاقية كامب ديفيد للسلام، وهي الاتفاقية التي اعتمد عليها الكيان الصهيوني كثيراً، في أنها أقصت مصر عن قلب الأمة العربية، وقضت على أي تهديدٍ أمني وعسكري من الجانب المصري، واطمأنت إلى أن حرب أكتوبر عام 1973 هي آخر حروب مصر مع إسرائيل، وركنت إلى نظام مبارك في حراسة حدودها، وضمان عدم تهريب السلاح من جانبها، وكفلت عدم وجود قوات عسكرية مصرية في سيناء قد تهدد في المستقبل أمن كيانهم، واطمأنت إلى أنها ستحصل لعشرات السنوات القادمة على احتياجاتها من النفط والغاز، وأن إمدادات النفط من مصر لن تتوقف عنها، وأنها ستحصل عليها بموجب اتفاقية كامب ديفيد بأبخس الأثمان، واستطاعت إسرائيل بموجب اتفاقية كامب ديفيد أن تجعل من مصر دولة جارة، تربطها بها علاقات الجيرة والتعاون، وترتبط معها باتفاقياتٍ تجارية واقتصادية وثقافية وسياحية وغيرها، فنفت عنها صفة الدولة العدو.
الإسرائيليون يدركون هذه المرة أن خسارتهم بفقدانهم مصر عظيمة، وأن مصابهم جلل، وأن الخطر الذي أمنوه لسنواتٍ طويلة سينهض من جديد، وسيكون أكثر خطراً عليهم، وأكثر تهديداً لهم، إذ لن يكون هناك تعاونٌ أو تنسيقٌ أمني مع النظام الجديد في مصر، ولن تقوم الحكومة المصرية بالاستجابة لهم في إغلاق معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، ولن تخضع لقيودهم في بناء علاقاتٍ إيجابية مع مختلف الفصائل الفلسطينية، ولن تستجيب لشروطهم وتعليماتهم في وضع العراقيل أمام المتحاورين الفلسطينيين، ولن تبقي على الحصار من جابنها على قطاع غزة، ولن تبقي على الجدار الفولاذي والاسمنتي بينها وبين غزة، ولن تلاحق النشطاء الفلسطينيين، ولن تعتقلهم بتهمة تهديد أمن إسرائيل، وستكون مصر عمقاً حقيقياً واستراتيجياً لغزة، وحضناً دافئاً وراعياً لسكان قطاع غزة، وبذا فإن مصر التي اعتادت على تقديم خدماتٍ مجانية لإسرائيل ستتوقف عن أداءها، وستصبح إسرائيل في مواجهة مباشرة مع احتياجاتها الأمنية والاقتصادية التي كان النظام المصري يتكفل بها لها وعنها.
لا شك أن خسارة إسرائيل لحيلفها المصري المتمثل في نظام حسني مبارك تعتبر خسارة عظيمة وكبيرة، وستنعكس آثارها بسرعة على مختلف جوانب حياتهم، وسيكون لها أثرها الكبير على الموقف الفلسطيني بكل تشعباته وتعقيداته، ولكن هذه الخسارة لا تقلل من عظم خسارتها الإيرانية والتركية، إذ أن حلفاء إسرائيل في الأمس أضحوا أعداءها اليوم، وأصبحوا في خندق الحقوق العربية، مناصرين للحقوق الفلسطينية، ومعادين ومناوئين للسياسات الإسرائيلية، ولكن ينبغي علينا نحن أصحاب القضية الفلسطينية أن نثبت لهؤلاء الحلفاء أنهم قد مضوا في الطريق الصحيح، وأنهم قد انحازوا إلى الحق والطريق السوي القويم المستقيم، وألا نجعلهم يندمون على انحيازهم وتغير ولاءهم، وأن نثبت شعباً وفصائل، أننا نستحق دعمهم ومناصرتهم وحتى تضحياتهم.
0 comments:
إرسال تعليق