.........من الواضح جداً أن المحرك الرئيس للثورات العربية التي أسقطت وكنست نظامي الطاغيتين زين العابدين وحسني مبارك في تونس ومصر،والتي هي في طريقها لكنس المزيد من الأنظمة الديكتاتورية العربية الأخرى،كان المحرك الرئيسي لها بالأساس أسباب اقتصادية واجتماعية وقف في مقدمتها الفقر والجوع والبطالة والتوزيع غير العادل للثروات والنهب والإهدار للمال العام ومأسسة وهيكلة الفساد والرشاوي،وخصخصة القطاعات العامة وتخريب الاقتصاد الوطني،وفي الجانب الوطني والسياسي،كانت الديكتاتورية وغياب الديمقراطية والحريات العامة( رأي ،تعبير،تعددية سياسية وفكرية، وامتهان الكرامة وإذلال المواطن والتوريث وتحويل الأوطان إلى مزارع وممالك وإقطاعيات خاصة ناهيك عن تعدد أشكال القمع والإرهاب والترويع والتخويف وغيرها من الأسباب الدافعة لقيام هذه الثورات والانتفاضات الشعبية العربية.
هذه هي السمات والمظاهر العامة التي أفضت وتفضي إلى قيام الثورات والانتفاضات الشعبية العربية المتواصلة،والتي قادتها بامتياز فئات شبابية نظمت وأطرت جموعها من خلال شبكة "الإنترنت "والمواقع الإلكترونية الأخرى وفي المقدمة منها موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"،ولكن كل هذا لا ينفي دور القوى والأحزاب العربية التي لها دور وتراث وتاريخ عريق وكبير في مقارعة الأنظمة العربية،بل ودفعت أثمان باهظة جراء تصديها ومعارضتها لسياسات الأنظمة وطواغيتها شهداء وسجون ونفي وتجويع وقمع،ولذلك لا يجوز لأحد التجني على الأحزاب والقوى والقول بأنها حجر عثرة أو عائق أمام حركة التغير والثورة،فهي ربما لم تقم بالدور المأمول منها وجافتها الحقيقة والصواب في قراءة حركة الواقع.
المهم هنا أن قطار الثورة والتغير يهب بقوة على المنطقة العربية،وربما تكون من تداعيات ذلك تغيرات ذات طابع وبعد استراتيجي في المنطقة يطال المنطقة العربية برمتها،ناهيك عن ما يستتبع ذلك من تبدلات وتغيرات إقليمية ودولية لجهة التحالفات والعلاقات والأهداف والمصالح،وريثما تتجلس وتتضح الأمور وتستقر الأوضاع الداخلية في الأقطار العربية عقب قيام تلك الثورات،والتي بعيداً عن لغة العاطفة والشعار،ننتظر ترجماتها على الأرض،حيث أن هناك خشية وتخوف كبيرين أن يتم اختطاف تلك الثورات من الفئات الانتهازية وبنى وهياكل وقواعد الأنظمة البائدة،ناهيك عن التدخلات الخارجية من قبل قوى دولية وإقليمية تسعى للحفاظ على مصالحها ووجودها في المنطقة،واذا ما حققت تلك الثورات والانتفاضات الشعبية أهدافها فإن الهموم الداخلية لكل قطر ستكون طاغية على أية هموم أخرى وبما لا يقل عن عامين أو ثلاثة،وهذا يعني بالملموس،أن الدعم والمساندة المأمولة لشعبنا وقضيتنا الفلسطينية من تلك الثورات والانتفاضات الشعبية، ستكون وجدانية ومعنوية وسياسية بالدرجة الأولى،أما في الجوانب العملية فإن الأمور تحتاج الى الكثير من الوقت والجهد والعمل .
ولذلك فإنه لا يجوز لنا كثورة وأحزاب وشعب،ونحن نمتلك من الخبرة والتجارب الشيء الكثير في العمل الانتفاضي،حيث أن الانتفاضة الأولى لشعبنا الفلسطيني- انتفاضة الحجر- كانون أول/ 1987،كانت بحد ذاتها مدرسة وملهمة للكثير من الانتفاضات الشعبية عربياً وعالمياً ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا بأن الانتفاضات الشعبية العربية الحالية،قد استلهمت واستفادت الشيء الكثير من انتفاضة شعبنا الفلسطيني، ومن هنا لا يجوز لنا كفلسطينيين أن نبقى في خانة المهللين والمطبلين للثورات والانتفاضات الشعبية العربية،والتي لا مجال للشك بأن انتصارها ونجاحها عوامل هامة جدا على طريق تحقيق أهداف شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
وإذا كانت الشعوب العربية ثارت وانتفضت للعوامل والأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعوامل المرتبطة بغياب الحرية والديمقراطية وغيرها،فنحن كشعب فلسطيني نعاني مما تعانيه الشعوب العربية،ويضاف لذلك الاحتلال وبكل ما تعنيه كلمة الاحتلال من قمع وتنكيل ومصادرة للحقوق والحريات،وليس هذا فقط بل منذ خمس سنوات،ونحن نعيش حالة من الانقسام السياسي والانفصال الجغرافي بين جناحي الوطن،ولم نشهد أية تحركات جدية جماهيرية وشعبية من أجل إنهاء هذه الظاهرة،واستمرينا في متاهة المناكفات والمزيدات الداخلية،وكذلك المبادرات الفصائلية وغيرها من المبادرات غير المدعومة والمسنودة شعبياً وجماهيرياً،وأيضاً المسيرات والاعتصامات الفصائلية ً،والتي كانت في أغلبها موسمية واستعراضية.
أغلب استطلاعات الرأي تشير إلى أن القوى الحزبية والمنظمة لم تستقطب قطاعات واسعة من جماهير شعبنا،وبالتالي جزء كبير من هذا الشعب غير مسيس،ونسبة الشباب في صفوف شعبنا الفلسطيني كبيرة جداً،وبالتالي من غير المعقول أن الشعب الفلسطيني الذي اجترح المعجزات في النضال والتضحيات،أن لا يكون شبابه متخلف عن الركب وغير قادر على القيام بانتفاضة شعبية جماهيرية واسعة تجبر طرفي الانقسام في الساحة الفلسطينية ( فتح وحماس ) على وضع حد لهذه الظاهرة التي في استمرارها مخاطر جدية على ثوابتنا وحقوقنا ومشروعنا الوطني،ومن العار علينا كفلسطينيين،أن نبقى مهللين ومطبلين للثورات والانتفاضات الشعبية العربية،وان ننتظر المبادرات الخارجية لكي تنهي ظاهرة الانقسام عندنا،فكما يقول المأثور الشعبي "مكة أدرى بشعابها"و"جحا أولى بلحم ثوره" ونحن الأجدر والأولى بنا أن يقود شبابنا تحرك شعبي وجماهيري واسع ومتواصل،يجبر طرفي الانقسام على إنهاء هذه الظاهرة،أو يتجاوزها في حالة الإصرار على التمسك بفئويتها ورؤيتها ومصالحها الخاصة.
نعم المرحلة مؤاتية فمراجل ورياح التغير تهب بقوة على المنطقة العربية،ونحن على أعتاب مرحلة تغير استراتيجي في المنطقة،مرحلة تبشر بنهاية حقبة الانهيار والانحطاط العربي،وولادة عصر عربي جديد،لا مكان فيه للخائفين والمترددين،عصر يعيد للأمة هيبتها وكرامتها،عصر تصبح فيه الأمة العربية رقماً صعباً في المعادلات الاقليمية والدولية.
وعلينا كشعب فلسطيني أن نغتنم الفرصة،وان نستفيد من التغيرات والتطورات الحاصلة عربياً،وأن نقدم على اتخاذ قرارات وخطوات جريئة،ولتكن هناك ثورة شعبية عارمة مستمرة ومتواصلة،تطيح بكل رموز الانقسام ودعاته،انتفاضة تعيد لشعبنا وحدته،التي بدونها من غير الممكن تحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال،ولا يحق لنا كشعب فلسطيني وطاقات شابة،أن نبقى فقط جوقة من المهللين والمطبلين للثورات والانتفاضات الشعبية العربية،فنحن كنا دائماً كشعب فلسطيني من السباقين الى الثورة على الظلم والعدوان والقمع والاضطهاد،ويجب أن نكون كذلك وخصوصاً أن هذا الانقسام المدمر يشكل جرحاً نازفاً في الجسد الفلسطيني،ويعمق ويزيد من تفككنا وضعفنا الداخلي.
0 comments:
إرسال تعليق