التفسير المعقول لذلك هو أنّ إدارة أوباما لمست بعد المظاهرات الشعبية الحاشدة، يوم الثلاثاء الماضي، في معظم مصر، والتي فاقت في حجمها ما سبقها من مظاهرات، وبعد انضمام قطاعات مهنية عديدة لدعم الثورة الشعبية، أنّ مصر أمام احتمالات الإنفجار الكبير ممّا قد يُخرج الأمور من إمكانات ضبط نتائجها أميركياً، الأمر الذي تخشاه واشنطن نظراً لأهمّية مصر في عموم قضايا المنطقة والمصالح الأميركية الكبيرة فيها. لذلك، ربّما جرى التنسيق مع قيادة الجيش المصري ومع عمر سليمان على أن يصدر بيان المؤسسة العسكرية حول تبنّي مطالب المتظاهرين (والتي في مقدّمتها طبعاً استقالة حسني مبارك) وبأن يعلن حسني مبارك التعديلات الدستورية واستقالته في اليوم نفسه بحيث يتولّى عمر سليمان الرئاسة لفترة انتقالية يكون واضحاً فيها أيضاً دور الجيش كضمانة لتنفيذ المطالب السبعة التي رفعها المتظاهرون منذ تفجّر ثورة 25 يناير.
ففي هذا السيناريو، ربّما وجدت إدارة أوباما مخرجاً دستورياً وسياسياً يكفل وقف الثورة ويضمن تنفيذ الإصلاحات الدستورية، ويحافظ على المصالح الأميركية في مصر، ويصون المعاهدات والاتفاقات الموقَّعة معها في ظلّ الرئاسة المؤقتة لعمر سليمان وبالتوافق مع المؤسسة العسكرية المصرية.
المشكلة حصلت حينما اختار حسني مبارك حلَّ "تفويض الصلاحيات" بدلاً من الاستقالة. فإذا بهذا الحل يلقى الرفض الشعبي المصري العام ويضع واشنطن من جديد أمام مأزق الخيارات والبدائل الممكنة. ولهذا جاء بيان "البيت الأبيض" معترضاً على ما فعله حسني مبارك لكن من خلال الحديث عن "مطالب الشعب" وعن "حالة الطوارئ"، وليس عن موضوع عدم الاستقالة بسبب حساسية هذا الأمر خاصّةً في ظلّ اتّهام مبارك لقوى خارجية بالتدخل وبإرسال الأوامر لمصر.
واقع الحال الآن أنّ واشنطن محرَجة وكذلك الجيش المصري. فالبيان (رقم 2) كان يُفترض أن يصدر بعد استقالة مبارك ليدعو للسير في المرحلة الانتقالية ووقف التظاهر. أمّا الآن فالجيش أمام خيار مواجهة المتظاهرين (وهذا ما لا يريده) أو خيار الضغط على مبارك للاستقالة وهذا يعني مواجهة مع الرئيس ونائبه ومع الحرس الجمهوري الذي يحمي القصر الرئاسي ومبانٍ حكومية أخرى. لذلك جاء (البيان رقم 2) يوم الجمعة غير ما كان مأمولاً منه ومتمماً لما ورد في ملاحظات "البيت الأبيض" على خطاب مبارك، خاصة الإشارة لإلغاء حالة الطوارئ والضمانات لتنفيذ الإصلاحات، دون إشارة إلى ضرورة إستقالة مبارك.
ما فعله حسني مبارك عشيّة الجمعة أدّى أيضاً إلى "حرق" البديل عنه، وهو هنا عمر سليمان، فأصبح الآن الرئيس ونائبه في مركبٍ واحد مليء بالثقوب وسط بحرٍ هائج من الثورة الشعبية. وأصبح أمام المتظاهرين الآن مهمّة الحديث عن البديل المطلوب لحسني مبارك وعدم الاكتفاء بمطلب رحيله، كالمطالبة مثلاً بأن يكون رئيس المحكمة الدستورية هو رئيس المرحلة الانتقالية على رأس هيئة دستورية مؤقتة وبتنسيق مع قيادة الجيش المصري، وبعدم القبول الآن بتولّي عمر سليمان لرئاسة المرحلة الانتقالية حتى لو أستقال مبارك.
إدارة أوباما هي الآن في أزمة الموقف السياسي من جديد، وقيادة الجيش المصري هي في أزمة القرار عموماً، بينما أصبحت الأمور واضحة تماماً أمام الثورة الشعبية المصرية والتي هي وحدها ستقرر مصير مصر وأوضاعها. فالكلمة الآن هي لشعب مصر فقط.
– واشنطن
0 comments:
إرسال تعليق