سؤال وجوابه/ د. أحمد محمد المزعنن


السؤال :هل يجب ان يتنحى الرئيس حسني مبارك أم عليه إكمال ولايته ؟

الجواب: لو كان تنحي الرئيس حسني مبارك بيده وفي إمكانه أن يسمع ويرى ويحس ويدرك ما يجري قريبًا من مكان إقامته وفي شوارع مدن الدولة التي كان رئيسها المسؤول عن أمنها وتسيير شؤونها؛ فإنه لن يتردد لحظة واحدة في جمع أوراقه وإغلاق مكتبه واعتزال مهام منصبه تخلصًا من الشتائم والبهدلة والعزارة والعيارة والنكارة التي لا يصبر عليها أشد الناس بلاهة،وأقلهم إحساسًا بالكرامة الشخصية ،ناهيك عن اعتبارات الاحترام المعنوي لمنصبه وللمنزلة التي يمثلها ويقتضيها هذا المنصب،تلك الاعتبارات المعنوية التي هي أغلى من الحياة ،وهذه الاعتبارات حطمها من فرضوا عليه طوق العزلة وفرضوا عليه هذه الدرجة من المهانة التي لا تليق به كرجل محترم في شيخوخته المتقدمة؛لكي يتسنى لهم من حياكة المؤامرات والمسرحيات المكشوفة ويكسبوا الوقت لترتيب الأوراق لإعادة سيطرتهم على البلاد إرضاءً لأسيادهم وشركائهم اليهود والمستعمرين الذين اشتروا البلد ،وسيطروا على جميع مقدراته ومقومات الحياة فيه .

ولكنني أكاد أُجزم أن مجموعة من الوحوش الكاسرة من نوع الثعالب وأبناء آوى والضباع والنموس وأبناء عرس،وبعض الثعابين التي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم قد ضيّقوا عليه دائرة الاتصال،واختزلوا بشكل مأساوي مجال الموضوعات المسموح له بالخوض فيها بلا إرادة منه مستغلين حال ضعفه ومرضه ،بالإضافة إلى أهوال الصدمة الأولى التي فاجأته يوم 25 يناير 2011م ،وما اقترفته تلك الأيدي والعقول الإجرامية الآثمة بعد شل المؤسسات الأمنية بتجاوزها الحدود في البطش والإجرام المنظم في حق أطهر ما تمتلكه مصر من أبنائها الأطهار النبلاء المسالمين الغيارى،وهو ما ظهر في فحش من يفترض فيهم حماية المواطنين فإذا بهم أشد فتكًا وقسوة وإجرامًا من عتاة المجرمين المحترفين.

أكاد أجزم أنه ربما – أقول ربما - حدث شىء ما للرئيس حسني مبارك في المجمع الطبي الألماني بهايدلبرج في رحلته الاستشفائية الأخيرة،وربما كان من قاموا بترتيب عمل (هذا الشىء) يحضرون سيادته لموقف جامد من مثل ما يصدر عنه في هذه السن المتقدمة التي كانت أكبر مما يستوعبه رجل متقدم في السن مثله،لكي يعيدوا تشكيل المسيرة الشعبية المصرية في اتجاهات تنسجم مع شروط القرن الأمريكي الأمريكي المتصهين الجديد،وإن وضعه ليثير الشفقة والرثاء أكثر مما يستثير من الغضب ،ولو قُدِّرَ لي أن أصل إليه وأعْطيتُ الحرية في التصرف لحملته بين يدي ووضعتُه بين أبنائه الرجال والشباب النبلاء في ميدان التحرير (ميدان الشهداء) وطفنا به في شوارع القاهرة العزيزة محمولاً على أعناق الرجال الشجعان ليستعيد الشعور بحقيقته ،وليعبر بهم تلك الأزمة الفتنة المهلكة إلى بر الأمان وشاطىء السلام ،وخلصناه من عصابة الوحوش المحيطين به الذين يعزلونه عن مأساة الشعب في غياب الدولة وشلل الحكومة.

ومن الناحية الدستورية الواقعية والشرعية الجديدة التي تكونت وتشكلت بعد يوم الخامس والعشرين من يناير 2011م فإنه لم يبقَ أي مبرر لبقاء الرئيس محمد حسني مبارك ونظامه،فإن نظامًا يقتل شعبه،ويسمح لحماة أمنه بفتح السجون،وتجنيد المجرمين الجنائيين،ومهاجمة الآمنين بالجمال والخيول التي يمتطيها الهمج الرعاع ،ويسكت عن قتل المواطنين الآمنين في الشوارع بالسيارات المسروقة أو المسربة من السفارة الأمريكية ،وحرق الأبنية ونهب المحلات،مثل هذا النظام قد حكم على نفسه بالنهاية ،وكل يوم يمر يزيد من معاناة الوطن المصري العزيز ويفاقم من الأزمة ،ويزيد من تدخل أطراف إفسادية فيها ،ويجعل من الصعوبة اللقاء على القواسم المشتركة نتيجة للتصلب في المواقف.وإنه لمن الأكرم والأليق والأولى له أن يتنحى بكل إباء وكبرياء،ويقدم اعتذاره لشعبه ،فشعبه كريم أبي النفس عطوف لن يخذله مهما
أججت القنوات الفضائية مشاعره ،وخلطت أوراقه.

إن في مصر العزيز الغالية الأبية رجال يستطيعون أن يديروا شؤون العالم بأسره،وفيها من الطاقات البشرية من كل أنواع الكفاءات العلمية والقانونية والسياسية والعملية والاقتصادية المحبة لوطنها ما يمكنها أن تفكك أعقد المشكلات،وتتجاوز أشد الظروف ،إن مصر بلاد معطاءة ولود مخصبة ودود رحيمة لا يمكن أن تجفو جماعة من أبنائها أو تحتمل التشانؤ والتكاره والتنابذ واستفحال الخصام ،وهي محروسة من الله بإذنه تعالى.

حفظ الله مصر وشعبها وألَّف بين قلوبهم وجنبهم منكرات الفتن،وجعل أيامهم خيرًا وصفاء ووحد قلوبهم على الخير والمحبة والوفاء،بارك الله أرحام وأصهار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،وهم الذين أوصى بهم في أكثر من حديث نبوي شريف،ووصاته أمر منه سبحانه واجب التنفيذ والالتزام.

كنانتُه في الأرض أوصى بحفظها

نبيُّ الهُدى في أبلغ الكلمات

إذا ما أتيتم أرضها فتذكروا

لكم نسبا في أهلها وصلات

فهم رحمكم من هاجر جاء جدكم

سـلالة أنوار وخـيرُ هُـداةِ

وماريةٌ قد أكملت حقَّ برِّهم

فصار هواهم في الورى قرباتِ

بهم كان للإسلام عزٌّ ومنعةٌ

فهم جنده في حالك الأزمـــات

وهم حصنه إن داهمته نوازل

على صخره كم صدَّ من موجات

إذا ما نبا للحق سيف وأظلمت

لياليه كانوا النور في الظلمات

يلينون للأدنين برًّا وطيبةً

فإن أُغْضِبوا هبوا كأسد شراة

فقلِبْ كتاب الدهر واقرأ فصوله
موثقةً في الصخر مسطورات
شواهد تروي عن قديم مؤثل

وحـاضرَ شـادته عقــولُ بناة

فراعنةٌ لا بأس، لكن أصولهم

إلى أمةِ الأحرار في عَرَباتَ

والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.)(يوسف 21)

CONVERSATION

0 comments: