تصاعدت في الاسابيع القليلة الاخيرة حدة أعمال العنف والتفجيرات الدموية ضد المدنيين الأبرياء في بغداد والمدن الأخرى ، والتي تركت في غالبيتها بصمات تنظيم القاعدة مقارنتاً بطبيعة وشكل التفجيرات بالاحداث السابقة للتنظيم والجهات المستهدفة منها . ففي الآونة الآخيرة برز دور تنظيم القاعدة من جديد على ساحة الآحداث الآمنية بعد آن تراجع إلى حداً كبير وعكف على إستهداف قادة الصحوات إنتقاماً منهم خاصة بعد أن أصبح عناصرها عرضة لتنظيم القاعدة بتخلي الامريكين والحكومة العراقية عنهم وتركهم لمصير مجهول .
فقد استثمر التنظيم الضعف الحاصل في بنية مجالس الصحوات والتفكك ،وحسب المعلومات الواردة والاخبار المتناقلة عن قادة الصحوات بأنظمام البعض منهم إلى مجاميع تنظيم القاعدة بعد آن كان يحاربون التنظيم ، فأما بالآغراء المادي آو التهديد بالقتل وذويهم .
وفي الآسابيع الآخيرة آقدم مسلحون في منطقة الآعظمية وسط بغداد على استهداف نقاط ومفارز الشرطة في المدينة بقذائف صاروخية واسلحة خفيفة ما آدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى ورفع المسلحون أعلام ما تسمى بـ"دولة العراق الإسلامية" ، وأعقب الحادث آخر مشابه في ساحة اللقاء في المنصور وسط بغداد حيث قام مسلحون بقتل عناصر من الشرطة " بأسلحة كاتمة للصوت " وآضرموا النيران بجثثهم ورفعوا أعلام ماتسمى بـ"دولة العراق الإسلامية" قبل آن يلوذوا بالفرار.
وفي يوم الثلاثاء الموافق 17 / آب / 2010 وفي الساعة السابعة صباحاً فجر إنتحارياً نفسه وسط حشد من المتجمعين في مركز للتجنيد العسكري في منطقة باب المعظم وسط بغداد قرب مبنى وزارة الدفاع العراقية السابق وآدى الإنفجارالذي حمل بصمات التنظيم إلى سقوط مايزيد عن 217 بين شهيداً وجريح ، وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن العملية في بياناً نشر على مواقع الانترنيت وحمل فيه توصيفات طائفية تعيد إلى الذاكرة تلك التوصيفات والأعمال الإجرامية التي كان يتبناها المقبور " أبو مصعب الزرقاوي " ضد المدنيين الإبرياء .
هذا وقد روجت وسائل وقنوات الأعلام لعودة نشاط تنظيم القاعدة من جديد إلى ساحة الأحداث الأمنية مع قرب موعد الإنسحاب الامريكي المقرر من العراق ، والتسريبات الامنية والترويج الإعلامي بعودة المجرم " أبو درع " من إيران بعد هروبه إليها لملاحقته من قبل القوات الامريكية والعراقية لما آقترفه من فضائع وجرائم وحشية بحق الالاف من الإبرياء .
أبو مصعب الزرقاوي وأبو درع أو كما يطلق عليه تسمية ( زرقاوي الشيعة ) ، أرتبط اسمهما بأصعب مرحلة وأكثرها دموية منذ الإحتلال فضلاً عن كونهما من أركان المشروع الطائفي لتقسيم العراق وورقتان تحكمت بهما المخابرات الإيرانية والحرس الثوري .وكما يبدوا آن الحاجة من وراء الترويج بعودة القاعدة إلى إستراتيجية زعيمها الأسبق أبو مصعب الزرقاوي وعودة أبو درع من إيران بعد هروبه وإختبائه فيها ، للأشارة إلى عودة العنف الطائفي من جديد في البلاد ، ولإعادة صور ومشاهد تلك المرحلة الدموية الوحشية إلى ذاكرة العراقيين لخلق حالة من الرعب والخوف والذعر في نفوسهم .
ومن الجدير بالذكر آن تنظيم القاعدة قد تلقى ضربات موجعه على مدى الاعوام الآخيرة من قبل القوات الامريكية ومجالس الصحوات بعد آن فقد تماماً الحاضنات الشعبية لإحتوائه نتيجتاً للأفعال الإجرامية التي قام بها بأستهداف المدنيين وشيوخ العشائر ورجال الدين ووجهاء المجتمع العراقي الذين لايدينون بالولاء لافكار التنظيم ، وكشفت آفعالهم عن زيف الإدعاءات الواهيه بمحاربة المحتل فقد أثبت تنظيم القاعدة في العراق نتيجتاً لفعالياته وانشطته عن خلفية مخابراتيه تقف ورائه ، وتلقي التنظيم الدعم المادي والعسكري من قبل إيران وهروب قادته إليها عندما تشتد الاوضاع عليهم في العراق ، يكشف عن هذه الخلفيه وبناءاً على مصادر أمنية امريكية قد كشفت وفي اكثر مره عن دعم إيران للقاعدة في العراق ، وكذلك وفق القراءة المعمقه سياسياً وأمنياً في أعمال التنظيم على ارض العراق وابعادها ونتائجها والتي اثبتت أنها تصب وبلا شك في مصلحة إيران ومشروعها الطائفي بتقسيم العراق فضلاً عن المعلومات التي سربتها بعض من فصائل المقاومة العراقية الوطنية عن خلفيات تنظيم القاعدة واعلانهم البراء من اعمال التنظيم الاجرامية ضد المدنيين ورجال الشرطة والجيش .
إلى ذلك صرح قائد القوات الامريكية الخاصة في العراق " باتريك هيغينز " إلى صحيفة واشنطن بوست بقوله ( آن المجموعات المتطرفه هي إلى حد كبير على قيد الحياة في العراق ) ... وآضاف ( آنه رغم مقتل كبار قادة التنظيم وانخفاض التمويلات الخارجية فأن بنية خلاياه مازالت إلى حد كبير سليمة ) وذكر هيغينز ( بأن الهجمات خلال هذه الفترة لديها القدرة على خلق عد م إستقرار في البلاد ) وقد آشار ايضاً إلى ( آن القوات العراقية ستظل بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة الامريكية لها ) !.
في الوقت الذي يصرح فيه قائد عسكري امريكي في العراق عن حاجة القوات العراقية لدعم الولايات المتحدة تؤكد الإدارة الأمريكية عن سحب القوات وفق الجدول الزمني المقرر للأنسحاب وتعمد على ذلك بالفعل .! ، آلا آن وكما يبدوا آن الستراتيجية الأمريكية ستعتمد بعد سحب قواتها من العراق على الشركات الآمنية التي ستتواجد فيه لحماية الموظفين المدنيين الامريكيين كما ذكرت مصادر امريكية ، اضافة إلى تعزيز وجودها الدبلوماسي في البلاد ووجود حلفائها العرب فيه من خلال استحداث قنصليات ودوائر تابعة لها في محافظات العراق .
وتؤكد المعلومات الآخيرة وحسب مصادر امنية عراقية وامريكية تم الترويج لها بشكلاً كبير ، بأن هجمات القاعدة الآخيرة في بغداد تدل على تغيير في إستيراتيجية التنظيم بالعودة إلى إستيراتيجية زعيمه الأسبق أبو مصعب الزرقاوي والذي أعتمد إسلوب دموي بأستهداف المدنيين وعناصر الشرطة والجيش ومراكز التطوع والتجنيد العسكري ، وفرض النفوذ على الارض وإحتلال المدن والمناطق السكنية ، وكان لإستيراتيجية الزرقاوي الدور الرئيسي في احداث العنف الطائفية التي مرت بها البلاد .
ومن الجدير بالذكر آن تنظيم القاعدة غير من إستيراتيجيته بعد مقتل زعيمه أبو مصعب الزرقاوي عام 2006 وتولي أبو عمر البغدادي وأبو أيوب المصري اللذين اعتمدا الانسحاب من المدن الى القرى والضواحي وتنفيذ عمليات انتحارية مدروسة وذات تأثير إعلامي واسع ، وكما يبدوا آن متطلبات المرحلة الحالية بالنسبة لإيران تستوجب عودة إستيراتيجية أبو مصعب الزرقاوي .
آن العودة إلى إستيراتيجية الزرقاوي كما يروج إعلامياً القصد منها العودة إلى تلك المرحلة الدموية بأذكاء الفتنة الطائفية وتأجيجها مرة آخرى . ونتسائل عندها عن الجهة المستفيدة من تأجيج الفتنة وإيقاضها بعد آن خمدت نيرانها ؟ ونتسائل عمن له المصلحة في أغراق البلاد من جديد بنهراً من الدماء البريئة ؟ عندها سنعرف الذي يقف ورائها بدعم القاعدة والميليشيات في هذه المرحلة والتي يُعد فيها لحرب طائفية مرة آخرى .
آن مايجري على ساحة الآحداث آمنياً ليس بعيد عما يحدث خلف الكواليس لدى قادة العملية السياسية بل آن الاحداث الامنية تتأثر بشكل مباشر نتيجة المتغيرات ومجريات الملف السياسي فالملفان الامني والسياسي متلازمان بشكل مباشر وعميق ويتأثر آحدهما بالآخر .
فأن الصدمة التي تلقتها القوائم الطائفية المدعومة من إيران في الإنتخابات الآخيرة آمام النصر الذي حققه الشعب العراقي بدعم القائمة العراقية في الإنتخابات وأحرازها المركز الآول حجم من دور المواليين لإيران وقوض من فرص ديمومة وإستمرار الهيمنة الإيرانية بشكل كبير بعد الإنتخابات النيابيه ، وإنحصار الفرص بأستمرار المحاصصة الطائفية في المرحلة الجديدة ، مع الآخذ بعين الآعتبار المحاولات الإيرانية المستميتة بدفع الكتل السياسية الموالية لها لتشكيل الحكومة وقد أستنفذ الإيرانيين كافة الوسائل والآساليب واللعب بكافة الآوراق المتاحه لهم والتي باتت محترقة ، ولم يتبقى لهم سوى الورقة الطائفية بالدق على الوتر الطائفي واذكاء الفتنة وتحريك الميليشيات ( الشيعية الموالية لهم ) وتنظيم القاعدة ( السُني الموالي لهم ) لإدخال البلاد في دوامة جديدة من العنف الطائفي لغرض " حشد وخندقة " الشارع العراقي خلف المشروع الطائفي وقادته من جديد ! ...
آن التركيز والتسيس الإعلامي الحاصل بتسليط الضوء على عودة " أبو درع " من إيران بعد هروبه إليها والذي أرتبط اسمه بأحداث تلك المرحلة الدموية ، فكلما ذكر اسمه تبادرت إلى الآذهان الصور الوحشية لقتل الالاف الابرياء من العراقيين والتمثيل بهم .كما وآن التأكيد الإعلامي وتصريحات القادة الآمنيين على عودة نشاط القاعدة ودوره إلى ساحة الآحداث دليلاً واضح على آن سيناريو دموي تم التخطيط والاعداد له في إيران ويراد له آن ينفذ في العراق لجر البلاد إلى مرحلة دموية آخرى يكون ضحيتها الشعب العراقي ، ومن جملة الاهداف الإيرانية لهذه المرحلة الدموية تفويت الفرصة على القائمة العراقية لتشكيل الحكومة ورمي الكره من قبل الحكم الإيراني إلى داخل عمق الفريق " العراقي – الإيراني " ليتولى مهمة تشكيل الحكومة ..
آما الهدف الآخر من العودة إلى دوامة العنف الطائفي مع قرب موعد إنسحاب القوات الآمريكية من العراق خلق آزمة سياسية وأخلاقية للأدارة الآمريكية لتصعيب المهمة آمام آوباما مما يضع إدارة آوباما آمام جملة من الإحتمالات من آبرزها :
1. التزام إدارة آوباما بسحب القوات الآمريكية وفق الجدول الزمني المحدد وتأكييد الامريكيين في القضاء على الإرهاب " تنظيم القاعدة " ودرء الفتنة الطائفية ، وعدم قدرة مجاميع القاعدة والميليشيات من إشعال الحرب الطائفية مرة آخرى ، والتأكييد على جاهزية القوات العراقية من تسلم الملف الآمني ، سيضع الإدارة الآمريكية في موقف شديد الحرج من الناحية الآخلاقية ومآزق حقيقي من الناحية السياسية بأن تفاجئ الإدارة الآمريكية وقواتها المتواجدة في العراق بعودة دوامة العنف الطائفي تعصف في البلاد قبل آشهر من آكمال إنسحاب القوات ،الآمر الذي سيحدث صدمة في عموم الرآي العام العالمي ويفقد الولايات المتحدة مصداقيتها ، بأنسحاب القوات الآمريكية مع عدم آتمام المهمة في حفظ الآمن وفشلها في ذلك ، وترك العراق إلى مصير مجهول قد يدخل البلاد في ضلاماً دامس نحو حرباً شاملة تأكل الآخضر واليابس وقد تجر نحو كارثة أكبر وتداعيات لاتحمد عقباها على المنطقة بأكملها إلى فتن وحروب .
2. آما الإحتمال الآخر في حال أنسحبت القوات الآمريكية وهو المرجح فأن عودة دور ونشاط القاعدة بالقوة التي كان عليها في السابق إلى واجة الآحداث يعني إنهزام الجيش الآمريكي في العراق آمام القاعدة والفشل في القضاء على التنظيم المتطرف مما يعني آن أمريكا فشلت في حربها العالمية على القاعدة حيث أعتبر تنظيم القاعدة آن الحرب التي يخوضها ضد الولايات المتحدة حرب اساسية وآن آرض العراق الساحه الرئيسية بعد أفغانستان وأكد على تحقيق النصر في نهاية المطاف في العراق ، خاصة وآن القوات الآمريكية أكدت عدم قدرة التنظيم على القيام بعمليات كبيرة كالتي قام بها في السابق .
ومن الإحتمالات القائمة عقد صفقة سياسية إيرانية – آمريكية ، مقابل سحب القوات الآمريكية بهدوء من العراق دون احراج الإدارة الآمريكية ، لذا فأن الامريكيين يضطرون في الذهاب إلى طاولة المفاوضات الإيرانية ، لعدم تأجيج الموقف على الساحة الآمنية لضمان إنسحاب هادئ دون مشاكل من العراق مقابل موافقة أمريكا على مرشح إيران لرئاسة الوزراء العراقية وضمان عدم التعرض للنفوذ والمصالح الإيرانية في العراق .
0 comments:
إرسال تعليق