كما هو معلوم أنه بموجب الاتفاقية الامنية الموقعة بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية والتي تقتضي بنودها جدولة مواعيد سحب قطعات الجيش الامريكي المقاتلة وانهاء مهامها واكمال انسحابها في مدة اقصاها 31 -8-2010 , ثم أنهاء أنسحابها كاملا بنهاية عام 2011 وبالتنسيق مع الحكومة العراقية .
تضاربت التصريحات العراقية بين من يؤكد جاهزية القوات العراقية لاستلام المهام الامنية العسكرية من هذه القوات وتسليم قيادة المهمات العسكرية الى القوات العراقية , وبين من صرح أن القوات العراقية لن تكون قادرة على استلام الملف الامني وان القوات الامريكية لابد من بقاءها لفترة أطول ولحين تأهيل القوات العراقية .
أبرز هذه التصريحات صدر على لسان رئيس هيئة الاركان (بقدرة قادر اصبح رئيسا لهيئة الاركان والمعروف انه يحمل رتبة ملازم أول , ويطلق عليه ألاكراد من بني جيله لقب ملازم بابكر) صرح الزيباري ان القوات العراقية لن تكون مؤهلة لاستلام المهمات الامنية كاملة من الجانب الامريكي ودعا الى بقاء القوات الامريكية لغاية عام 2020 ولحين بناء قدرات الجيش العراقي .
كما انه كانت هناك تسريبات من الصحافة الامريكية ان هذه الدعوة أيضا دعاها وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في زيارته الاخيرة للولايات المتحدة مصرحا بأن القوات العراقية غير مؤهلة البتة للدفاع عن العراق من أية اعتداء خارجي حقيقي يمس أمن العراق حسب قوله .
بينما أكدت الحكومة العراقية جاهزية القوات العراقية لاستلام الملف الامني , وخرجت تصريحات كبار الساسة والضباط الامريكيين حول الالتزام بالمواعيد المنصوص عليها وانه لا رجوع في جدول المواعيد المقررة للانسحاب وسوف تستكمل اجراءات الانسحاب بنهاية شهر اب أغسطس الجاري وتم تاكيده من قبل الرئيس الامريكي باراك اوباما .
التصريح الاكثر أثارة للريبة والدهشة هي تصريحات طارق عزيز لصحيفة الجارديان البريطانية , أن القوات الامريكية لابد من بقاءها في العراق وناشد عبر الجارديان الرئيس اوباما للامتثال لذلك , سؤال يطرح نفسه ما الذي حدا بالبعثي الذي كان للامس القريب يمتليء حنقا وغيضا على المحتل الامريكي (حسب قولهم) ولم يبخل هو ونجله بالظهور سواء في جلسات المحكمة وشاشات الفضائيات في مرات عديدة بالتهجم والتصريح ضد التدخل الامريكي في اشارة لعمليات تحريره في 9 نيسان المباركة .
القيادي البعثي طارق عزيز الذي أعتقل من قبل القوات الامريكية وسلم قبل فترة ليست بالبعيدة الى السلطات العراقية وهو رهن الاعتقال في سجن قرب مدينة الكاظمية الشيعية ويحضى بالرعاية اللازمة للسجناء والمحكومين من ازلام البعث , بات متخوفا من انسحاب القوات الامريكية وتوسلاته لعدم ترك العراق فريسة للذئاب !!
لعل طارق عزيز ليس حريصا على سلامة العراق وشعبه وليصرح بمثل هذه التصريحات ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما السر الذي تطابقت فيه تصريحات البعثيين من امثال طارق عزيز مع دعوات وتصريحات القادة الاكراد الذين دعوا الى بقاء القوات الامريكية اعواما اخرى وهو ماجاء على لسان وزير الخارجية وقائد الاركان الزيباريين , في حين يعلم الجميع أنه كان هناك ترويج من قبل الساسة الاكراد لنظرية ألامن المستتب في الاقليم بشكل جزئي على الاقل ( وليس الامان بمفهومه الواسع الشامل الذي ابتعدوا عنه ) , وهذا ما يؤكده الاختلال الامني ووجود مشاكل حقيقية في المحافظات التي لها امتداد مع اقليمهم الكردي وصولا الى العاصمة بغداد التي شهدت اعمل عنف مسلحة عديدة انتهت بالتفجير الارهابي الانتحاري الذي استهدف المتطوعين امام احدى بنايات وزارة الدفاع , ما برح القادة الامريكيون مرارا وعلى رأسهم قائد القوات الامريكية الجنرال رايموند اوديرنو ليصرحوا بأن العقبة الرئيسية التي تقلق الجيش الامريكي هو التوتر الكردي العربي ومسألة المناطق التي يسميها الاكراد المتنازع عليها والتي وقع بعضها رسميا تحت سيطرتهم وتسمى بالمناطق المحررة وألأخرى تنتظر الفرصة لتحريرها من الاحتلال !!
تصريحات القادة الاكراد صريحة بان جاهزية القوات ليس القصد منه هو التصدي للجماعات الارهابية وجماعات العنف المسلحة التي تعبث بامن العراق بل أشارت بوضوح الى عدم جاهزييتها للتصدي لاي عدوان خارجي حقيقي على العراق فمن هو الطرف الخارجي الاقليمي الذي يخشاه القادة الاكراد وماهية التدخل الذي سيحصل في حال اكتمال الانسحاب الامريكي ؟؟؟
من المعلوم ان دولة مثل سوريا او السعودية ليستا من القدرة للقيام بعمل عسكري كبير ضد العراق حسب قراءة معظم الخبراء العسكريين والمطلعين على الشأن العراقي وانما يقتصر تدخلهما عبر تجنيد وتمويل التنظيمات البعثية المجرمة والتنظيمات الارهابية الاسلامية وفرض أجندات عبر أحزاب قومية واسلامية , تبقى هناك ايران وتركيا , ايران التي لا ينكر احد تدخلها السافر في العراق وتحريكها أدواتها عبر الشمال والجنوب ولكن في خضم الازمة الحالية بين المجتمع الدولي وايران بصدد الملف النووي الايراني وفرض مزيد من العقوبات عليها بات وضعها غير مساعد جدا للتدخل عبر تحرك عسكري واسع على سبيل المثال ضد تنظيمات بيجاك الكردية في العراق الذي تزايد نشاطه في ألآونة الأخيرة على الحدود الأيرانية انطلاقا من الاراضي العراقية , علما انه قبل عامين كانت القادة الايرانيون يصرحون علنا بان في مقدروهم ملأ الفراغ الذي سينجم من انسحاب القوات الامريكية , اذا التدخل الايراني مستبعد حاليا ولا تدخل ضمن سياق التصريحات والمخاوف التي ادلى بها القادة الاكراد حول خطورة التدخلات الخارجية مع محاولة الساسة الاكراد لارضاء الطرف الايراني بأي شكل من الاشكال عبر صفقات تجارية وعمليات تهريب وكسر الحصار الدولي المفروض عليها وعبر التصريحات العلنية لكبار مسؤوليهم ومحاباة الرئيس جلال الطالباني للسفير الايراني الجديد .
تبقى هناك الجارة تركيا التي لم ترتقي علاقاتها مع الاقليم الكردي الى ذلك المستوى لكي نقول بأن الأمور اصبحت كالسمن على العسل عدا السماح لبعض شركات استثمار في مجال البناء والسياحة قد تستغلها تركيا في النفوذ الى الشمال العراقي , بل العكس صحيح ففي الآونة الأخيرة لوحظ تزايد نشاط حزب العمال ضد قواعد وثكنات الجيش والشرطة وسقوط عشرات القتلى بين صفوفهم وصدرت تصريحات قوية من القادة العسكريين الاتراك بشأن تدخل ونشر قوات خاصة في الشمال العراقي والشريط الحدودي قد يصل الى اجتياح عسكري مرتقب بعد استكمال سحب قطعات الجيش الامريكي , انذار الخطر لابد قد استشعره القادة ألأكراد وعلى حين غرة تم اعلان هدنة من قبل حزب العمال ووقف اطلاق نار من جانب واحد ولمدة ثلاثة اسابيع بعد سلسلة من العمليات الدموية عبر الشمال العراقي ضد الدولة التركية .
تزامن هذا كله مع ظهور تصريح وبيان جديد لأيمن الظواهري طالب تركيا بقطع أية علاقات مع اسرائيل وسحب قواتها العسكرية الغير قتالية من افغانستان والتي تقدر بحوالي1835 جنديا , ما السر في هذه التوقيتات والتصريحات ؟ في وقت كسبت تركيا تعاطفا شعبيا على ألأقل من بعض الجماعات الاسلامية المتشددة التي تؤيد حركة حماس في اعقاب أزمة قافلة المساعدات المرسلة من قبل بعض الناشطين الاسلاميين الاتراك ومقتل 9 منهم والتي يشتبه بصلاتها مع جماعات متشددة متهمة بمحاولة تفجير احد المطارات في الولايات المتحدة, أستطاعت تركيا الى حد ما من توجيه أنظار بعض ألأطراف الدولية الى معاناة مواطني قطاع غزة (بسبب سياسات حماس الحمقاء) فهي بذلك دخلت بقوة على المشهد السياسي .
تركيا في نفس الوقت تشهد حملة واسعة ضد التنظيمات الاسلامية المتشددة وشهدت اعتقالات عديدة في اوساط الاسلاميين المتطرفين الذين تربطهم علاقات مع تنظيم القاعدة تنتشر في مناطق جنوب شرقي تركيا , لعل هذه الاحداث كلها وظهور مسلسلات تركية تظهر تطرف بعض الجماعات الاسلامية والتنظيمات الكردية المناهضة للدولة التركية كله تمهيد لأحداث وتطورات جديدة ستلعب فيه تركيا في النهاية دورا فعالا في كبح جماح هذه الجماعات المتطرفة , مع الحفاظ على هوية الدولة التركية العلمانية ومراقبة مستمرة من كبار الضباط الاتراك لتحركات ساسة وبرامج حزب العدالة والتنمية ذو الميول الاسلامية .
تزايد النشاط الاجرامي للتنظيمات الارهابية في الموصل وبغداد وديالى وكركوك خاصة وبعض المناطق المتفرقة الاخرى تزامنا مع الانسحاب الامريكي له عدة اهداف , من جملتها هو وضع الولايات المتحدة امام الامر الواقع لابقاء قواتها فترة اطول تستفيد منها بعض الاطراف السياسية والهدف الآخر هو اظهار الحكومة العراقية المنتهية ولايتها في أسوء صورة ومن ثم اللعب بهذه الورقة وورقة تردي الخدمات الفعلي لنيل مكاسب أكبر في الحكومة القادمة (عودة البعث بقناع جديد) .
تخوف القادة الاكراد وتصريحات طارق عزيز وبيان المساعد الاول لتنظيم القاعدة الارهابي أيمن الظواهري مؤشرات تشير بكل وضوح أن الوضع السياسي العراقي قبيل وبعد الانسحاب يخفي بين جنباته العديد من الامور قد تطفو الى السطح في الاسابيع القليلة القادمة .
بلجيكا
0 comments:
إرسال تعليق