القرويون الفلسطينيون قديما، قالوا: " اللي ما بقدر على الحمار بنط على البرذعة..!" ويبدو أن شركة توزيع كهرباء غزة، والحكومتان الشرعية، والمقالة اتفقوا، أو على وشك الاتفاق لحل أزمة كهرباء غزة بالقفز على برذعة موظفي السلطة الفلسطينية باستقطاع جزء من رواتبهم المحدودة والمتدنية، والتي لا تفي متطلبات الحياة في غزة التي صارت فيها الأسعار أغلى من باريس، أو لوس أنجلوس..! وذلك نتيجة للحصار والانقسام، وعدم اهتمام حكومة غزة بما يقوم به تجار الدم والحروب باستنزاف واستغلال الناس وظروفهم.. هذا إن لم يكن جل هؤلاء التجار هم من المقربين، أو التابعين لحكومة غزة.. أو قاموا بإفساد ذوي النفوذ في هذه الحكومة.. وليس خافيا على أحد أن الدورة الاقتصادية في غزة تعتمد بالدرجة الأولى على رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بدء من البنوك التي تتسلم الرواتب عند مطلع كل شهر فتأخذ نصيبها منها.. وانتهاء بأصغر بائع في سوق الخضار ليأخذ نصيبه هو الآخر.. إذ تنشط الحركة الاقتصادية في غزة لمدة أسبوع، أو أسبوعين على الأكثر لتتوقف بعد ذلك باقي أيام الشهر.. وبدلا من أن تفكر الحكومتان بزيادة الرواتب المتآكلة أضعافا، لتزيد من نشاط الحركة الاقتصادية ومدها لتصل لثلاثة أسابيع أو أكثر راحت تفكر باستقطاع جزء من هذه الرواتب لصالح شركة الكهرباء المخصخصة أصلا، والتي تضخمت وترهلت على حساب المواطن المسكين الذي مطلوبا منه أن يدفع ثمن الكهرباء الأعلى في منطقة الشرق الأوسط .. وكأن متوسط دخل الفرد في غزة أعلى من متوسط دخل الفرد في إسرائيل التي يشترون منها معظم كهرباء غزة.. إن شركة توزيع كهرباء غزة لم تعد مؤهلة للقيام بمهامها، ومهما استقطع من الرواتب فلن تحل أزمة الكهرباء، ولن تحل مشاكل الشركة الموبوءة التي تحتاج لإعادة تأهيل وفرز لكل العاملين فيها من جديد.
إن أزمة كهرباء غزة الحالية يتحمل مسئوليتها بالدرجة الأولى من قام بالانقلاب ويحكم غزة الآن..! وليس الموظف المسكين؟؟ ما ذنبه ليتحمل كل هذه الأعباء؟؟ من المسئول حاليا عن محاسبة شركة التوزيع عن كل ما تقوم به وما قامت به في السابق ؟؟ من المسئول عن الأضرار الفادحة التي لحقت بكل المواطنين جراء عدم التزام شركة التوزيع بتوزيع الكهرباء بشكل عادل على المواطنين؟؟ إن شركة التوزيع لم تلتزم حتى بالجداول الزمنية التي تعلن عنها، وبهذا تقطع الكهرباء بشكل غير سليم وتلحق أضرارا بالأدوات والأجهزة المنزلية، وكذلك تلحق خسائر فادحة بالمؤسسات والمشاريع المنتجة.. وإذا صارت وظيفة الحكومة تحصيل وجباية مستحقات الشركة من المواطنين، فمن المسئول عن تحصيل وحماية حقوق المواطنين..؟؟ والسؤال القانوني الموجه لفقهاء القانون وللمجلس التشريعي فيما إذا كان من حق الحكومة التلاعب في رواتب الموظفين واستقطاع جزء منها لصالح شركة خاصة ؟؟ هذا أمر لا يجوز مطلقا.. وفيما إذا كان لشركة أو مؤسسة أي حق لها على مواطن أو موظف؛ فعليها أن تلجأ للقضاء في ذلك؟؟ وبالتأكيد هناك الكثير من المواطنين يقوموا بشكل منتظم بتسديد فواتيرهم مائة بالمائة، فهل هؤلاء يأخذون حقهم من الكهرباء مائة بالمائة أيضا؟؟ بالتأكيد لا.. فأين العدل في ذلك.. يا حكومة العدل؟؟ وكيف صدقتم أن الشركة تقوم بجباية أموالها بشكل صحيح؟؟ نعتقد أن الحكومة يجب أن تساعد الشركة في تطبيق القانون، ولماذا هناك محاكم وقانون وسلطة تنفيذية ؟ ولماذا كل ذالك معطلا من قبل السلطة التنفيذية..؟ ربما يكون للمواطن حق على الشركة وكذلك بالتأكيد للموظف حقوق على الشركة؛ فهل للحكومة أن تقف معنا وتحصل لنا حقوقنا من الشركة بالمثل؟؟!
إن القفز والانقضاض على الضعفاء لن يحل أزمتكم وانقسامكم الذي لا علاقة للموظف فيه بشكل، أو بآخر.. مع أن جزء كبيرا من الموظفين يقومون بتسديد ما عليهم من مستحقات لشركة الكهرباء، وجزء آخر لا يستطيع التسديد مثله مثل المواطن الفقير، فهذا لا يعني أن عليه أن يتحمل كل هذه الأعباء.. وبدلا من مساعدته والرقي به وبأسرته، ومنحه راتبا إضافيا مثلما يحصل في كثير من الدول خاصة في الشهر الفضيل.. نذهب لتحطيمه وإحباطه وتدميره أيضا.. إن الموظف يا سادة يا كرام لم يستطع حتى الآن من شراء مولد كهربائي صغير كي ينير لأسرته ظلمتها الحالكة.. يا سادة يا كرام ! إن أصغر مولد للكهرباء يباع في غزة ثمنه يعادل مائة دولار، فكيف للموظف الذي هو مدينا للبنك أصلا براتب أو راتبين يستطيع شراء هذا المولد الذي اشتراه معظم مواطني غزة حتى البسطاء والفقراء منهم..! وهذا يقودنا للتساؤل مرة أخرى: لماذا يقبل المواطن دفع مبلغا كبيرا لشراء مولدا كهربائيا وما يلزمه من وقود وصيانة، ولا يقبل تسديد فاتورة كهرباء ..؟؟ هل تساءل الحكماء والباحثين لماذا برزت هذه الظاهرة ؟ وللأسف الشديد إن ثقافة استهلاك الكهرباء الزائدة تنتشر عند هؤلاء الذين لم يسددوا فواتيرهم وصارت مستحقات الشركة منهم أرقاما خيالية؛ فهل سيبقى الموظف الذي يقنن استهلاكه للكهرباء حسب قدرته ليتحمل كل هذه الأعباء؟؟ إن شركة توزيع كهرباء غزة لم تتمكن حتى من جباية مستحقاتها من تجار كبار في غزة، وكذلك من أصحاب ورش ومعامل منتجة كثيرة، هذا إن لم يقوم بعض العاملين في الشركة بمساعدة هؤلاء على سرقة الكهرباء أيضا.. وفي كل المواقع تنتشر هذه الظاهرة، من المسئول عن وجود أكثر من خط للتغذية لدى عدد من المسئولين وأصحاب النفوذ، وكذلك العاملين في الشركة بحيث لا تقطع عنهم الكهرباء البتة، وبالتالي أحد هذه الخطوط لا تدخل لساعة الاستهلاك؟؟
إن شبكة المنظمات الأهلية التي بادرت بهذه الفكرة أو المبادرة كحل لأزمة كهرباء غزة كي تجد لها موطئ قدم في السياسة، كان عليها أن تبحث عن حلول جذرية بتقديم طلبات للدول التي تمول هذه المنظمات والتي لا حسيب أو رقيب عليها لتقديم يد العون والمساهمة بمساعدة الناس الفقراء والمحتاجين لتغطية نفقاتهم من الكهرباء بدلا من كوبونات الإغاثة التي تعرف كيف تسرق منها، أو توزيعها لأناس غير محتاجين لها.. كان على شبكة المنظمات الأهلية أن تقدم تقاريرها لمموليها للخروج من الأزمة بشكل منطقي وليس القفز على الضعفاء.. وكان عليها أن تلتفت لظاهرة مولدات الكهرباء التي باتت الخطر الحقيقي للبيئة وللمواطنين ولكل الحياة الإنسانية في غزة.. كان عليها أن توجه السلطات المعنية بخطورة ما تقوم به بالسماح بشراء هذه المعدات وتشغيلها في بيوت المواطنين وفي الشوارع دون أدنى درجات الحيطة والأمن.. وكان عل شبكة المنظمات الأهلية أن تقوم بتوعية وترشيد الناس في استهلاكها للكهرباء، بدلا من أن تقدم مقترحاتها الفاسدة والمشبوهة أيضا في وطنيتها وانتماءاتها... وآسفاه ! على العقول التي أفسدها السلطة والمال... للأسف! إن ما بذرته شبكة المنظمات الأهلية من أموال منذ سنوات طويلة لم تغير شيء في حال غزة.. ولو قسنا ما استثمرته حركة حماس من أموال أقل بكثير من تلك الأموال المبذرة من شبكة المنظمات الأهلية، لكنها بالتأكيد غيرت كثيرا من واقع غزة.. فهل يعقل بعد هذا أن نثق في منظمات مشبوهة لا تعمل لصالح الشعب الفلسطيني.. إن شعب غزة بات لا يثق في أي شيء سوى فيمن سيخلصه من الانقسام والتخفيف عنه لا الضغط عليه..
نعم! أيها الحكومة الشرعية إذا ما وافقت حكومة حماس على خصم مبلغ 170 شيكلا من موظفيها في غزة لصالح شركة توزيع الكهرباء، فهذا يعني التخلي عن مسئوليتها تجاه المواطنين في غزة والتي تجني من ورائهم ضرائب كبيرة.. وإن مشكلة الكهرباء لا تختلف كثيرا عن مشكلات كثيرة يعاني منها مواطني غزة.. نعم ! أيها الحكومة الشرعية الموظف الفلسطيني لم يتخلى في السابق عن مسئوليته وانتمائه وسبق أن ساهم في الكثير، وبقى يدفع من راتبه لسنوات عدة لصالح متضرري الإغلاق (العمال).. فماذا كان نتيجة ذلك؟؟ إنه لم يتلقى كلمة شكر واحدة على ذلك.. فلماذا كل هذا التجني على الموظف البسيط؟؟ ما هو ذنبه كي يقدم مرابح لمساهمي شركة إنتاج الكهرباء؟؟ هل ساهم أصحاب الأسهم أيضا مثلما يساهم الموظف؟؟ لماذا يبقى الموظف هو الذي عليه أن يدفع ضريبة فساد الشركات الخاصة والانقسام والحصار والفساد الإداري للمؤسسات الأهلية والحكومية.. يا سادة يا كرام! الموظف محروم من المساعدات بكل أشكالها، وحتى أبناءه القادرين على العمل هم أيضا محرومين من العمل والبطالات..
يا سادة يا كرام! لن نقول أكثر.. غير أن أية حكومة لا تستطيع إدارة مشروع صغير للكهرباء؛ فهي غير قادرة أيضا على إدارة أي مؤسسة وأي مشروع وبالتالي مثلما فقدت شركة توزيع الكهرباء ثقتها بالناس ستفقد الحكومة ثقتها بموظفيها قبل ثقتها بالناس، ولو أنني أحكم غزة لدمرت محطة التوليد فورا واشتريت كل الكهرباء من إسرائيل وأقمت مؤسسة خاصة ذو أخلاق عالية لتدير توزيع الكهرباء دون أي خلل يذكر.. وكفى !
0 comments:
إرسال تعليق