سننشغل خلال الأسابيع القادمة بالمفوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. هذه بديهية صحفية.
حتى اليوم ما زلنا نجمع الكثير من الأخبار وأجزاء الأخبار في محاولة لوضع تصور للمسار التفاوضي. كل ما استطيع أن أقوله اليوم، أننا أمام مسرحية بلا نص، نوع من المسرح الصامت، صحيح أن الضجيج قوي جداً، ولكنه ضجيج الصمت، وتجربتنا السياسية جعلتنا قادرين على عدم الانجرار وراء البخار الذي ينطلق من شدة الضغط، ولا يشير إلا إلى لأمر واحد أن الطبخة جاهزة!!.
حسناً، لا نعرف ما هي الطبخة، نعرف الطباخ، طباخنا بيبي نتنياهو، أضاف الكثير من الماء لقطعة لحم صغيرة، حتى لو نضجت لن تكون كافية،او ذات مذاق ، أو صالحة لتؤكل، ونحن نتوقع أن يضيف للماء وقطعة اللحم الكثير من التوابل حتى يخفي الطعم السيء . ويبدو ان المدعوين لطاولة المفاوضات يجب ان يتدربوا على الصيام الطويل..
نحن نعرف نتنياهو، ونعرف بشكل جيد أن نتنياهو لا يعرف ما يريد من نفسه. ليقل لنفسه أولا ما هو برنامجه في التفاوض؟!
تصريحاته الوردية بأنه يمكن الوصول إلى حل تتناقض مع كل ما طرحه نتنياهو نفسه من شروط لمفاوضات ارادها بدون شروط مسبقة انما بواقع جعلته اسرائيل مليء بالشروط المسبقة.ويتناقض مع ما يطرحه وزراء حكومته، وخاصة وزير خارجيته ليبرمان. ليس سراً أن أربع وزراء في المجلس الوزاري المصغر هم ضد أي تنازل للفلسطينيين، بمعنى آخر هم من اجل السيطرة على المزيد من الأرض الفلسطينية. بل وطرح أحدهم احجية قمة في السادية ، ان يشمل تجميد البناء في الضفة الغربية الجانبين ، الفلسطيني والاسرائيلي .
ومع ذلك لا بد من رؤية أكثر اتساعاً،وأن لا نغرق في سيرك وزراء الحكومة . في إسرائيل يوجد 120 عضو كنيست، والتقديرات تقول أن 80 عضو كنيست يدعمون حل دولتين لشعبين وقبول مبدأ الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967 مع الحفاظ على كتل الاستيطان، وتبديلها بأراض بنفس المساحة وأن تكون القدس عاصمة للدولتين. أي لا توجد لنتنياهو مشكلة في الحصول على دعم الكنيست، مشكلته ليست الكنيست إنما حزبه، وائتلافه وقناعاته.
منذ اتفاق أوسلو قبل 17 سنة، ونحن شهود لمسرحيات تفاوضية لا تنتهي، ويبدو لي أننا وصلنا إلى جوهر الدراما، إذا صدق حدسنا أن الرئيس الأمريكي اوباما يختلف في رؤيته لأهمية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي بدأ يشكل إرباكا للسياسة الأمريكية حتى مع حلفائها.لذا ليس بالصدفة أن صحيفة رصينة مثل " الجارديان" البريطانية نشرت تقريراً عن دور اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، في فشل سياسات واشنطن. اوباما بدأ طريقاً مبشراً بتحول هام في خطابة في القاهرة، ولكنه سرعان ما تراجع، وبدل شن حمله ضد سياسات إسرائيل المخالفة للقوانين الدولية، بدأ بجهود لإصلاح العلاقة مع نتنياهو.
نتنياهو يعتقد أنه قادر على اللعب بإدارة البيت الأبيض والتأثير على سياسة الكونغرس، وهذا كشف عنه بشريط مسجل بثته إحدى القنوات الإسرائيلية .للأسف حتى ألان هذا صحيح ، على الأقل حسب التطورات السياسية في الشهرين الأخيرين، نتنياهو أخضع الإدارة الأمريكية لدرجة أنها قبلت شروطه ألمسماه: " بدون شروط مسبقة" أي كل ما توصل اليه المفاوض الفلسطيني مع حكومات اسرائيلية سابقة ،وكل ما صدر عن قوى دولية تعمل على حل النزاع مثل مجموعة الأربعة وخارطة الطريق الأمريكية،كلها ملغاة ونبدأ من الصفر .. صحيح أن محمود عباس ثار غضبه، مما اضطر الأمريكان للاتصال به ثلاث مرات لتبريد غضبه. البعض يظن أن السلطة الفلسطينية يجب أن لا تذهب للمفاوضات بدون جدول متفق عليه. يؤسفني أن أقول أن هذا فهم ميكانيكي منقوص لواقع شديد التعقيد والتداخل. محمود عباس "مرغماً أخاك لا بطل"، أتخذ الخطوة الصحيحة، صحيح أننا غير مطلعون على جميع التفاصيل ولكننا مطلعون على حقائق ما يدور في عالمنا. الدول العربية أوقفت دعمها المالي للفلسطينيين تماماً في الوقت الذي بدأ الضغط الأمريكي لمفاوضات مباشرة بدون أجنده واضحة.
هل كان ذلك مجرد صدفة ؟!
أين الدور العربي في التغطية السياسية للسلطة الفلسطينية ؟!
قبل أن ننتقد القرار الفلسطيني بالذهاب إلى المفاوضات بدون أجندة، إلا الشروط الإسرائيلية، كان من الاوجب أن نفهم الموقف العربي الضاغط على الفلسطينيين، بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر بوقف الدعم المالي.
رابين في وقته لم يتردد، وقامر على مصير حكومته في سبيل رؤيته لضرورة الوصول إلى حل تاريخي للنزاع الدموي مع الفلسطينيين. وأكثر من ذلك دمج بين الحل السياسي مع منظمة التحرير الفلسطينية والحلول الاقتصادية والاجتماعية للجماهير العربية في إسرائيل. رؤيتة كانت متكاملة، هذه الرؤية أوقفتها رصاصات قاتل يميني، ما كان يجرؤ على إطلاق رصاصاته لولا الجو المشحون بالعداء ليتسحاق رابين، في المظاهرات التي قادها نتنياهو نفسه،متبوءا الصدارة في العداء لاتفاق أوسلو ولنهج المصالحة التاريخية.
نتنياهو لم يتغير. الأمريكيون حساباتهم أكثر أتساعاً، ولكن أمامهم عقبة اسمها قضية فلسطين، أي تفكير استراتيجي سليم، يجب أن ينظف بيته قبل الاهتمام بالإشكاليات الكبيرة خارج البيت في الشرق الأوسط الكبير .
امتلاك إيران للسلاح النووي هو مشكلة مقلقة وتشكل تهديداً استراتيجياً للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ، وإسرائيل ضمن هذه المصالح.
استمرار النزاع مصلحة إيرانية، سوريا إلى جانبها،تركيا تتقدم لتصبح حليفا اقتصاديا وسياسيا . لبنان جزءا من إستراتيجيتها السياسية والعسكرية .. في مثل هذه الظروف ستصل إيران إلى السلاح النووي. وعندها قد تكون الحلول مدمره للمصالح ألاستراتيجيه، لإسرائيل وللولايات المتحدة، عبر نشؤ كتلة سياسية – إيرانيه- تركية- سورية- لبنانية (ليس شرطاً لبنان الرسمي).
الزمن يركض، والتقديرات تقول أنها سنه حاسمة في وقت ينمو من المنظار الأمريكي الإخطبوط النووي والسياسي الإيراني...
المفتاح لن يكون في الخليج، بل هنا تحت أنف نتنياهو ويبدو أن رائحة الأرض الفلسطينية ستعمي أبصار الحمقى، والحل الذي يتهرب منه نتنياهو... ليس بعيداً اليوم الذي لن يجد مفاوضاً فلسطينياً يقبله، ليس لأن الموقف الفلسطيني ازداد تطرفاً او قوة ، بل لأن واقع الشرق الأوسط لن يكون كما يحلم اليوم نتنياهو !!
nabiloudeh@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق