ما هو رأيك بالسياسيين اللبنانيين ومستوى إدائهم السياسي (الحلقة الرابعة الأخيرة)/ شوقي مسلماني

المقاربات السياسيّة للأحداث في لبنان تختلف من كاتب إلى آخر بحسب الموقع والمنطلقات والمشارب الروحيّة والوطنيّة والفكريّة وإذا يوجد إجماع على حبّ لبنان والإنتصار للبنان بوجه كلّ طامع بأرضه ومياهه، كما بوجه كلّ من يهدّده بوحدته وأمنه واستقراره، فهناك إجماع في الوقت ذاته حول الحيرة من أمر قادته السياسيين الذين بعضهم لا يزال أسير مفاهيم طائفيّة، وبعضهم لا يزال أسير مفاهيم إقطاعيّة، وبعضهم أسير المصالح الخاصّة، فيما قلّة هم الساسة أصحاب المواقف الذين يؤثرون مصلحة الوطن ككلّ على كلّ مصلحة.
ومن ضمن هذه الخلفيّة تمّ توجيه السؤال التالي إلى عدد من الكتّاب: "منذ اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق الراحل رفيق الحريري بالتزامن مع صدور القرار الدولي رقم 1559 ولبنان يعيش حال من الزلزال السياسي وجاء الغزو الإسرائيلي للبنان بتاريخ 12 تمّوز 2006 باعتباره الفصل الأعنف إبّان هذا الزلزال ما هو رأيك بما يجري؟ هل لبنان متّجه إلى انفراج أمني واقتصادي واجتماعي؟ أم متّجه إلى ضيق؟. ما هو رأيك بالسياسيين اللبنانيين، ومستوى إدائهم السياسي عموماً.
***

1 ـ روحوا‮ ‬انضبُّوا
ـ وديع‮ ‬سعادة (شاعر وكاتب)
ينبري‮ ‬زعماء‮ ‬الأحزاب‮ ‬والتكتلات‮ ‬اللبنانية،‮ ‬كلٌّ‮ ‬بدوره، ‬إلى‮ ‬عرض‮ ‬عضلاتهم‮ ‬في‮ ‬بلد‮ ‬لم‮ ‬يبق‮ ‬فيه‮ ‬عضل، ‬بل‮ ‬بات‮ ‬بفضلهم‮ ‬أشلاء‮ ‬ممزقة‮ ‬تناحر‮ ‬بعضها‮ ‬بعضاً‮ ‬وهي‮ ‬رميم‮.‬
مهرجانات‮ ‬وخطابات‮ ‬ليس‮ ‬فيها‮ ‬سوى‮ ‬حناجر‮ ‬زاعقة‮ ‬وتأليب‮ ‬أخوة‮ ‬على‮ ‬أخوة‮ ‬وبث‮ ‬الحقد‮ ‬والضغينة‮ ‬والاحتراب‮ ‬بين‮ ‬أهل‮ ‬البيت‮ ‬الواحد‮، كلٌّ‮ ‬بدوره‮، ‬ينتهي‮ ‬واحد‮ ‬من‮ ‬مهرجان‮ ‬ليبدأ‮ ‬واحد‮ ‬آخر،‮ ‬وينتهي‮ ‬الأول‮ ‬من‮ ‬خطاب‮ ‬ليرد‮ ‬عليه‮ ‬الثاني‮ ‬بخطاب‮ ‬معاكس‮، ‬يؤلب‮ ‬هذا‮ ‬أنصاره‮ ‬ضد‮ ‬أنصار‮ ‬ذاك،‮ ‬ويشحن‮ ‬ذاك‮ ‬أنصاره‮ ‬ضد‮ ‬أنصار‮ ‬هذا،‮ ‬وينقل‮ ‬الجميع‮ ‬حقدهم‮ ‬الذاتي‮ ‬إلى‮ ‬حقد‮ ‬جماعي، ‬وتنزل‮ ‬التفرقة‮ ‬من‮ ‬كراسيهم‮ ‬لتنتشر‮ ‬في‮ ‬المجتمع‮ ‬والبيوت‮ ‬والشوارع، ‬حتى‮ ‬تتحول‮ ‬الكلمات‮ ‬يوماً‮ ‬بعد‮ ‬يوم‮ ‬إلى‮ ‬أسلحة
‮ ‬ومعارك‮ ‬وحروب، ‬مثلما‮ ‬تحولت‮ ‬في‮ ‬السابق،‮ ‬ولا‮ ‬أحد‮ ‬من‮ ‬هؤلاء‮ ‬الزعماء‮ ‬نفعت‮ ‬به‮ ‬عبرة‮ ‬أو‮ ‬تعلّم‮ ‬من‮ ‬ماضيه‮، كلهم‮ ‬يفعل‮ ‬الشنيعة‮ ‬ذاتها‮ ‬ويدّعي‮ ‬العفة‮، ‬كلهم‮ ‬يدّعي‮ ‬الوطنية‮ ‬وهو‮ ‬مرتهن‮، ‬كلهم‮ ‬يدّعي‮ ‬مصلحة‮ ‬لبنان‮ ‬وهو‮ ‬على‮ ‬رأس‮ ‬قائمة‮ ‬ناحري‮ ‬هذه‮ ‬المصلحة‮، ‬كلهم‮ ‬يدّعي‮ ‬محاربة‮ ‬أعداء‮ ‬لبنان‮ ‬وهو‮ ‬الأكثر‮ ‬خدمة‮ ‬للأعداء‮ ‬بتفكيك‮ ‬هذه‮ ‬اللبنان‮ ‬وشرذمة‮ ‬أبنائه‮ ‬وجعلهم‮ ‬أعداء‮ ‬بعضهم‮ ‬البعض‮.‬
هل‮ ‬من‮ ‬خدمة‮ ‬للعدو‮ ‬أكبر‮ ‬من‮ ‬تفكيك‮ ‬أبناء‮ ‬الوطن‮ ‬الواحد‮ ‬وبث‮ ‬الضغينة‮ ‬والحقد‮ ‬بينهم‮ ‬كما‮ ‬يفعل‮ ‬أصحاب‮ ‬المهرجانات‮ ‬والخطابات؟ وأكثر‮ ‬من‮ ‬ذلك ‬لا‮ ‬يكتفي‮ ‬أصحاب‮ ‬الحناجر‮ ‬هؤلاء‮ ‬بالكلمات‮ ‬وحدها ‬إنما‮ ‬عاد‮ ‬كل‮ ‬طرف‮ ‬إلى‮ ‬تكديس‮ ‬السلاح‮ ‬وإحياء‮ ‬ميليشياته‮، ‬فما‮ ‬معنى‮ ‬أن‮ ‬يتسلّح‮ ‬هؤلاء‮ ‬من‮ ‬جديد؟‮ ‬أليس‮ ‬في‮ ‬إعادة‮ ‬التسلح‮ ‬نية‮ ‬مضمرة‮ ‬لإعادة‮ ‬الاقتتال؟.
فيا‮ ‬أيها‮ ‬الذين‮ ‬تدّعون‮ ‬الحفاظ‮ ‬على‮ ‬لبنان‮ ‬أنتم‮ ‬من‮ ‬هدم‮ ‬لبنان‮ ‬في‮ ‬السابق‮ ‬ومن‮ ‬فرّط ‬به‮ ‬ومن‮ ‬يهيّء‮ ‬للتفريط‮ ‬به‮ ‬وهدمه‮ ‬من‮ ‬جديد ‬فأوقفوا‮ ‬مهرجاناتكم‮ ‬وخطاباتكم‮ ‬وتصريحاتكم‮ ‬واذهبوا‮ ‬إلى‮ ‬بيوتكم‮ ‬واصمتوا‮، ‬في‮ ‬كلامكم‮ ‬سموم‮ ‬ستفرخ‮ ‬قتلى‮ ‬جدداً‮ ‬وصمتكم‮ ‬قد‮ ‬يوفر‮ ‬على‮ ‬لبنان‮ ‬اقتتالاً‮ ‬جديداً‮. ‬
هل‮ ‬تحبون‮ ‬فعلاً‮ ‬لبنان؟‮ ‬إن‮ ‬كنتم‮ ‬تحبونه‮ ‬حقاً‮ ‬فلبنان‮ ‬يقول‮ ‬لكم‮: "‬روحوا‮ ‬انضبوا". ‬
***

2 ـ لبنان مدرسة العرب
ـ علاء مهدي (رئيس تحرير مجلّة العراقي)
أؤمن دائماً بأن لبنان هو مقياس الأحداث، ليس في المنطقة العربية وحسب، إنما في الشرق الأوسط قاطبة. لذلك تعتمد القوى العظمى والقوى الإستعمارية على تجربة الأحداث المخطَّط لها، مروراً بالساحة اللبنانية أولاً. ما يشجّع هذه القوى على ذلك مرونة الساحة اللبنانية وتقبّلها التأثيرات الخارجية بسهولة بسبب من توفّر هامش من الديمقراطية السياسيّة.
تقلقُني أخبار لبنان دائماً، تقلقني لأنني أعتبر أن التعامل السياسي اللبناني بين أطراف وأطياف العملية السياسية اللبنانية فيه الكثير من المرونة في التعامل على خلاف الحالة العربية في الدول المجاورة، لذلك أخاف على لبنان من عدوى التزمّت والديكتاتورية والإستنزاف السياسي.
يهمّني أن أتابع الخبر اللبناني يومياً، وأكاد أعرف عن لبنان السياسة اليومية أكثر من السياسة العراقية، أستأنس للخبر الجيد وأتألم للخبر السئ، ساسته بحاجة للتطوير، لبنان بحاجة لوجوه جديدة، أو إلى دماء جديدة، تتماشى مع روح العصر. آن الأوان للتغيير نحو الأفضل، نحو لبنان يتمتّع بديمقراطية حيوية تعمل من أجل تقدّم لبنان واللبنانين في منطقة خيّم عليها ظلام الرجعية والتخلف لعدة عقود.
أمام لبنان دور يجب أن يقوم به في المنطقة، إنه مدرسة العرب والشرق الأوسط.

3 ـ كفى نفاقاً
ـ علي موسى حمّود ( مثقّف وكاتب)
رياح عاتية تعصف بالوطن لبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي سُفِك دمه في العاصمة بيروت، وهي المدينة التي أحبّها وتفانى من أجل إعادة إعمارها.
رياح عاتية تعصف بلبنان منذ 14 شباط 2005 وهو الوطن الذي أحبّه الشهيد الحريري وساهم برفع رايته عالياً وتدعيم بنيانه، فكان بحقّ فارساً شريفاً، وبذلَ بسخاء من ماله من أجل تزويد أجيال بالعلم الذي لا مستقبل من دونه.
الشهيد الحريري خرج من بيت جنوبي مناضل، فعائلته عانتْ مرارة التهجير بسبب من إجتياحات إسرائيليّة متكرّرة على الجنوب ككلّ. وبعد سنوات عجاف وهجرة قسريّة إلى خارج الوطن رجع الشهيد الحريري ونصب عينيه أن يعيد الحلم، وقد أعاده فعلاً.
ولا نملك في هذا الوقت بالذات حيث الإنقسام حادّ في المجتمع اللبناني إلاّ الترحّم على الشهيدين الكبيرين كمال جنبلاط ورفيق الحريري وذلك لأنّ الخلف هما دون السلف على الصعد كافّة السياسيّة والوطنيّة، فالراحل كمال جنبلاط كان رمزاً في النضال ضدّ الرجعيّة والصهيونيّة، والراحل رفيق الحريري كان حاضناً للمقاومة وراعياً لها، فيما الخلف هما ضدّ المقاومة (وليد جنبلاط قال أنّ إسرائيل لم تعد عدوّة الآن!، وسعد الحريري قال في الأيّام الأولى لعدوان تمّوز الإسرائيلي على لبنان أنّه سيحاسب المقاومة!!) يقول المثل العامّي اللبناني أنّ "من خلّف ما مات" والمقصود أن يشبه الأبناء الآباء، فأين أوجه الشبه بين الإبنين من جهة والأبوين من جهة ثانية؟!. العذر العذر من الشهيدين الكبيرين والإدانة الإدانة لمن يتسكّعون على أبواب السفارات ويرفعون راية القرار 1559 الذي يطالب على هذا النحو أو ذاك بتجريد سلاح المقاومة ونحر المقاومة كخدمة مجّانيّة لإسرائيل. العذر العذر من الشهيدين الكبيرين، والإدانة الإدانة لمن كان شوكةً في خاصرة المقاومة خلال العدوان الآثم في تمّوز 2006. شتّان بين الشهيدين الكبيرين وبين من أقلقهم صمود المقاومة التي ناضلت من أجل الكرامة. شتّان بين الشهيدين الكبيرين وخفافيش الليل.
فماذا يعني الإلحاح على نزع سلاح المقاومة التي هي أوّلاً وأخيراً قوّة منيعة للوطن؟ وماذا يعني القرار الظنّي الموجّه ضد حزب الله؟. فكفى نفاقاً وتآمراً جهاراً نهاراً. أيظنّ الظانّون أنّه ليس في لبنان بعد من يقرأ الماضي والحاضر والمستقبل؟ أيظنّ الظانّون أنّه ليس في لبنان من لا يشرّفه أن يهتف خلف الذين يعتذرون عن تواريخ آبائهم المناضلين المقاومين الأبطال ويتقيّدون بإشارات واشنطن وباريس ولندن ومصر كامب دايفيد وأردن وادي عربة؟.
الإدانة لكلّ من يتستّر بعباءة الطائفيّة، ومتى كانت الطائفيّة تحمي أوطاناً؟ والتحيّة لمن يقفون بوجه العدوّ الطامع بأرض لبنان ومياه لبنان ويريد أن يشوّه تاريخ لبنان والثقافة المتنوّرة في لبنان. لبنان دولة عظمى بالقادة الشرفاء، أمّا الساسة الصغار، وما أكثرهم اليوم في لبنان، فيكيدون للوطن. لبنان سيّد قوي وعادل بالقادة الشرفاء، أمّا الساسة الصغار فيحولونه إلى زبد. لبنان لا يُهزم.
***

4 ـ فوّهة بركان
ـ عباس علي مراد (كاتب ومذيع إعلامي)
إنّ الهجمة الاميركية على المنطقة من أفغانستان الى لبنان مرورا بالعراق وفلسطين هي محاولة لتشكيل المنطقة حسب الرؤية الامريكية للمحافظين الجدد، وقد بدأ الامر واضحا جليّاً خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان في 12 تموز 2006 من خلال تصرف الوكلاء المحليين والاقليميين الذين تخلوا عن ورقة التوت في إعلانهم الحرب على المقاومة في فلسطين ولبنان تحديداً بحجة التبعيّة للمحور السوري ـ الايراني.
إنّ مجموعة القرارات الدولية بدءا بالقرار رقم 1559 حتى القرار رقم 1701 هي جزء من الحرب المعلنة على لبنان، مرّة بالضغط عبر مجلس الأمن، وطورا عبر إسرائيل، والآن عبر القوات الدولية "الاطلسية" التي ما تزال الضبابية كبيرة حول مهمتها خصوصا في ما يتعلق بالجانب اللبناني، مما يترك لبنان على فوهة البركان بسبب عجز الحكومة اللبنانية و"فريق الاكثرية" عن استثمار النصر والصمود البطولي للمقاومين في الجنوب، وحتى في حده الادنى، على الرغم من اعتراف اسرائيل بالهزيمة والتداعيات التي الحقتها هذه الهزيمة بالمؤسسة السياسية والعسكرية الاسرائيلية. إنّنا نرى بعض الساسة اللبنانيين يحاولون التنكر لهذا النصر وتذكير اللبنانيين ببطولاتهم في تدمير لبنان خلال الحرب الاهلية السيئة الذكر.
أما من ناحية الإقتصاد فلا اعتقاد جديّاً ان هذه الحكومة تستطيع مواكبة إعادة الاعمار ودفع العجلة الاقتصادية، حيث روائح الصفقات تفوح، وهكذا حكومة من المفسدين والمستثمرين لمعاناة الناس لا يمكن ان تبني دولة المواطن. وباختصار فلبنان سيواجه صعاب عدة في المرحلة القادمة خصوصاً مع استصدار القرار الظنّي المشبوه في موضوع إغتيال رفيق الحريري.
أما الساسة في لبنان فهم فئات منها الإنتهازيّة التي لا فرق عندها من أين تأتيها الأوامر سواء من عنجر أو من عوكر وهي فئة عابرة للطوائف، وهناك فئة الهواة الذين دفعت بهم ظروف معينة ليكونوا في مواقع هم دونها بكثير، وهناك فئة أصحاب الذهنيّة الميليشياوية الذين لم يستطيعوا تطوير إداءهم السياسي الذي ورثوه من فترة الحرب الاهلية العبثية السابقة، وهناك فئة السياسيين الوطنيين، وهي فئة أثبتت عن بعد نظر وطني خلال العدوان الاسرائيلي الاخير حيث قدّمت المصلحة الوطنية على أية مصلحة آنية وهي أيضاً عابرة للطوائف والمذاهب ويُعوَّل عليها في وضع حجر الاساس لدولة القانون والمؤسسات، هذا اذا لم تعمل سفارة أميركا في بيروت على عرقلة إقامة هكذا دولة، وتاريخ السفارات الأميركيّة حافل في هذا الخصوص، وخصوصا في أميركا الجنوبية وفي فلسطين من خلال منع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والإنقلاب على الحكومة المنتخبَة حسب المعايير الأمريكية للديمقراطية!.

CONVERSATION

0 comments: