في هذا المقال وتحت مجهرنا نضع اليوم وثيقة أخرى نشرها موقع ويكيليكس المثير للجدل والذي تبنى كشف فضائح انظمة وحكومات مهمة في العالم وبإعتقادي ان هذه الفضائح الدبلوماسية التي لاتزال في تفاقم وتزايد مستمر تعد الأكبر والأهم خلال القرن الحادي والعشرين ، فلايزال موقع ويكيليكس رغم ما تعرض له من مضايقات وملاحقات واصدار مذكرة اعتقال امريكية بحق مؤسسة فإنه مستمر في نشر الالاف من الوثائق الحساسة والتي تعتبر في غاية الخطورة والأهمية بعد ان نشر مئات الالاف من تلك الوثائق .
فقد نشر موقع ويكيليكس وثيقة سرية اخرى بخصوص تصفية إيران لطيارين عراقيين شاركوا في قصف اهداف إيرانية خلال الحرب بين البلدين و التي استمرت ثمان سنوات استنزفا فيها البلدان بشريا واقتصاديا ومعنويا ، ونقل موقع محطة أي بي سي على الأنترنيت فقرة مختصرة من برقية قال فيها دبلوماسيون أمريكيون إن إيران تشن حملة " هادئة وفعالة للثأر من طياري العراق الذين قصفوا اراضيها " خلال الحرب في ثمانينيات القرن الماضي .
وتقول البرقية السرية المرسلة في 14 ديسمبر / كانون الاول الماضي إن " كثيرا من الطيارين العراقيين الذين نفذوا طلعات أثناء الحرب العراقية الإيرانية ، باتوا على قائمة إعدامات أعدتها إيران وإنها بالفعل اغتالت 180 منهم ".
ويشار في نفس الوثيقة الى أن عمليات التصفية التي تعرض لها الطيارين العراقيين لم تجلب كثيرا من الاهتمام لوقوعها اثناء الاقتتال الاهلي الذي شهده العراق بعد سنوات من غزوه .
وتقول الوثيقة ان 182 طيارا عراقيا قضوا على يد عملاء إيرانيين ، وان حملة الاغتيالات دفعت 800 منهم الى الفرار خارج البلاد حسبما ورد في احصائيات لوزارة الدفاع العراقية ، وتضيف المحطة الأمريكية ان الحملة التي شنت على الطيارين الحربيين بدأت في حي الكرادة في بغداد وبلغت ذروتها خلال شهر رمضان من العام 2005 والذي شهد وحده مقتل 36 طيارا في ذلك الحي وحده .
ولاشك بصحة ما جاء في تلك الوثيقة من معلومات ، فقد شنت ايران حملة منظمة بعد إحتلال العراق لتصفية العسكريين العراقيين الذين شاركوا في حرب الثمان سنوات وخاصة الطيارين منهم فقد شهد العراق بأكمله عمليات تصفية جسدية واسعة ضد الطيارين العراقيين الذين شاركوا في الحرب العراقية – الايرانية وفي كثير من الاحيان تركت بصمات قرب جثثهم بعد تنفيذ عمليات الاغتيال بحقهم تشير الى اسباب الاغتيال ، فالكثير يتذكر ما تعرض له الطيارين الذين شاركوا في قصف جزيرة خرج الإيرانية فقد وجدت قصاصات من الورق على جثثهم تقول " هذا مصير كل من ضرب جزيرة خرج " .
كما وقد حلل البعض من المختصين والباحثين في هذا الملف ان اغلب عمليات التفجيرات الكبيرة التي حدثت في عموم العراق وخاصة العاصمة بغداد بعد الاحتلال كان الهدف منها التغطية على عمليات الاغتيال المنظمة التي تعرض لها الضباط العراقيين او اصحاب الكفاءات العلمية والفكرية ، إضافة الى ما اشارت اليه وثيقة ويكيليكس بهذا الخصوص فقد رصدت بعض الجهات ومراكز الدراسات والبحوث العراقية المستقلة ظاهرة غريبة ترجح من تلك الفرضية حيث رصدت اغلب عمليات الاغتيال التي تعرض لها ضباط قادة في الجيش العراقي وطيارين عسكريين شاركوا في حرب الثمان سنوات تزامن وجودهم في مكان و زمان تلك الانفجارات الضخمة التي كانت تحصد المئات بين شهيدا وجريح ! ،وغالبا في مثل تلك الاعمال الاجرامية لا تعرف هويات الضحايا الشهداء .
وعند التحقق من ذلك الامر وجد ان هذه الحالة باتت ظاهرة وليس مجرد حالات فردية او صدف حدثت ، الأمر الذي رجح ان تكون بعض عمليات التفجير الضخمة التي حدثت في بغداد مصطنعه للتمويه على عمليات اغتيال هؤلاء الضباط بشكل منظم ومدروس لالصاقها بالعمليات الارهابية التي تعصف في البلاد لتقطع بذلك خيوط تتبع تلك القضية .
وبالعودة الى احصائيات وزارة الدفاع العراقية والوقوف على الاعلام الغربي في هذا الخصوص حيث ذكرت احصائيات الوزارة ان عدد الضباط القادة وليس الأعوان الذين اغتيلوا بعد الاحتلال بلغ ( 416 )ضابطا وعدد الطيارين (182) طياراً لغاية شباط من العام 2006 ويذكر أن جميعهم ممن شاركوا في الحرب العراقية – الإيرانية كما وتذكر الإحصائية عن فرار ( 800 ) طيار وأضعافهم من القادة العسكريين الى خارج العراق ، ومن المؤكد أن هذه الإحصائية هي لا توثق الأعداد الحقيقية الدقيقة بشكل كامل نتيجة الفوضى الحاصلة في البلاد وعمليات الخطف والإعتقال بحق البعض من العسكريين والطيارين والذين اعتبروا مفقودين من قبل ذويهم.
كما وأكد الأعلام الغربي في فترات متفاوتة على إن إيران تقف وراء عمليات إغتيال العسكريين والطيارين العراقيين وان الفوضى التي صاحبت الغزو الأمريكي للعراق قد ساعدت على تنفيذ اجندتها وقد ذكرت صحيفة ( الديلي تلغراف ) البريطانية في تقرير لها ( بأن العشرات من الطيارين العراقيين الذين شاركوا في الحرب العراقية – الإيرانية قد تم اغتيالهم على أيدي قتلة أصدقاء لإيران أو مأجوريين لها ) .
وإضافة إلى تقارير أخرى ومنها لوكالة ( يو نايتد بريس ) نقلا عن مراسلتها باميلا هيس ( بان الحكومة الإيرانية ماتزال تحتفظ بقوائم تتضمن أسماء ما لايقل عن 400 شخص لغرض تصفيتهم بينهم قادة عسكريين وطيارين ) كما ونشرت صحيفة الصنداي تايمز تقريراً مفصلاً ذكرت فيه ( أن الطبيعة التنظيمية لعمليات الإغتيال توجه أصابع الإتهام إلى مسؤولين في داخل الحكومة العراقية مواليين لإيران كجهة تقف وراء عمليات الإغتيال هذه ).
لذا فأن ملابسات هذه القضية واضحة لاتقبل الشك ان من يقف وراء عمليات التصفية للضباط والعسكريين والطيارين العراقيين هو النظام الإيراني لعدة أهداف جوهرية في مقدمتها الثأر من الضباط العراقيين الذين شاركوا في الحرب العراقية - الإيرانية وكانت لهم صولات وجولات بطولية ضد العدو الإيراني ، كما أن احد أهم اهداف الرؤية الإيرانية لتمرير مشاريع التقسيم للعراق تكمن في اضعاف العراق تماما ولن ياتي هذا الامر ألا من خلال تفريغه من كفاءاته وطاقاته العلمية والفكرية والعسكرية وخاصة في الجانب العسكري والعلمي فافراغ العراق من طاقاته العسكرية يضعف من قدرة الجيش في التصدي للأطماع الخارجية ويبقيه بحاجة دائمة لدعم الاخرين كما ويبقي الدولة العراقية في حالة ضعف وخنوع لارادة دولية وإقليمية طامعة ، خاصة وان الضباط العراقيين الذين شاركوا في حرب الثمان سنوات لهم خبرة كبيرة في الشؤون العسكرية الإستراتيجية ، فاضعاف العراق وتفريغه من قدراته وطاقاته يعتبر من اهم الممهدات الأساسية لتمرير المشروع الايراني في العراق .
كاتب وسياسي عراقي مستقل
0 comments:
إرسال تعليق