لو سألت مواطن فلسطيني مقيم في الضفة الغربية أو قطاع غزة عن أحواله ورأيه في الحالة الفلسطينية الراهنة لقال لك العجب العجاب وجعلك تبصق الحصوة من فمك وتلعن ما لا يلعن.
ولو وجهت نفس السؤال لمسئول فلسطيني مقيم في الضفة الغربية أو قطاع غزة لعملك"البحر مكاثي" كما جاء في القول المأثور، ولنظم لك قصائد الغزل بالوضع القائم،ولقال لك الأمن مستتب والشعب شبعان والدولة على مرمى حجر والديمقراطية سكر زيادة، لكن ما تتوقع تكون مثل سويسرا.
في مجمل دردشاتي مع بعض الأصدقاء ومن ضمنهم صديقة تسكن مخيم جباليا الذي له مكانة في قلبي وقد يكون السبب أنة أطلق انتفاضة الحجارة، حاولت أن اطمئن على أحوال الناس والمخيم خلال العاصفة الجوية التي حرمت الصيادين من قواربهم، فقالت لصوت المطر طعم خاص فنحن نشعر فيه أكثر منكم، قلت لها لماذا فالمطر واحد ونحن أبناء جلدة واحدة، قالت"الزينكو" أي الصفيح فبيتنا نصفه اسمنت ونصفه "زينكو" وأنا ألان استمتع بجمالية المطر، وعلى الفور حضرت الصورة إلى مخيلتي فانا اعرف ماذا يعني أن يكون بيتك من "الزينكو"وماذا يعني هذا في الشتاء، ولا اعرف لما تذكرت احد القادة الجدد الذي انعم اللة عليهم بعد اتفاقية أوسلو وحمد ربة على نسيان غرفة الوكالة بكل"قرفها" كما قال لي وبنى فيلا ويستهين بمناداتنا بقنا في العودة حتى لو بعد ألف عام.
في بداية الأقصى كنت اعمل في مدينة الخليل، كنت أرى الناس يسيرون عدة كيلومترات وسط قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وكانت الابتسامة والأمل لا تفارق ملامح هؤلاء المعذبين.
في جبل جوهر في مدينة الخليل شاهدت سيدة تخبز على الصاج وتستخدم الكتب المدرسية فقط في إشعال النار، سألتها بتذاكي لماذ لا تستخدمي الحطب أو الخشب، ابتسمت وقالت لي كلهم في السجن والحمد للة مستورة، تذكرت والدتي ونساء المخيم عندما كن يقطعن ثلاثة كيلومترات لإحضار"تنكه " ماء لاستخدامها للشرب وغسل الملابس والاستحمام وكل ما يلزم باستثناء الحمام لان الحمام أو ما يسمى بيت الراحة كان عاما ولا يحتاج إلى ماء.
في قطاع غزة وحسب التقارير ينام غالبية الناس على المهدئات، وفي الضفة الغربية تضبط أجهزة الأمن ما بين الحين والأخر كميات لا يستهان بها من الفياغرا، وفي الحالتين الشعب غارق في الوهم ينتظر فرج اللة الذي لن يأتي قريباً، حتى أن التقارير الإخبارية وأصحاب الخبرة يؤكدوا أن هذا الشتاء غير مسبوق منذ مئة وخمسين عاما، والواضح أن المطر يرفض تلبية صلوات العطاش حتى لو كانوا مشايخ وحاخامات.
بالأمس كنت أتمشى مع صديق على الشارع الرئيس المحاذي للمخيم، وأنا اقطن منطقة خاضعة للسلطة الفلسطينية، انتفض صديقي مستغرباً عندما شاهد العلم الاسرائيلي من الحجم الصغير يرفرف على سيارة تحمل اللوحة العربية لدرجة أنة حاول اللحاق بها لو أنني أعدته إلى صوابه، وحاولت أن أوضح له أن قفا نسبة لا باس بها مختوم بالنجمة السداسية.
قبل سنتين حصل العدوان الهمجي على قطاع غزة والإسرائيليين أطلقوا على جريمتهم عملية الرصاص المصبوب، ولا زالت مشاهد الوجع الفلسطيني في غزة حاضرة في أذهان من تذوقوا الوجع وفقدوا أبنائهم، ولا زال بعض الفلسطينيين يتذكروا الجريمة الكارثة، الغريب أنها مرت علينا دون أن نتوقف أمامها سوى بعض البيانات والتصريحات الضرورية والجاهزة للمناسبات الوطنية الجليلة.
رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض يخاطب سكان القطاع قائلاً ساعة الخلاص باتت قريبة وان موعدنا مع الحرية بات قريبا، والمتتبع للمشهد الفلسطيني يرى بوضوح آن طبول الحرب الإسرائيلية تقرع على حدود غزة ما يعني المزيد من الضحايا وبالطبع أطفال ونساء، ولا اعرف إن كان باستطاعتنا التضامن مع غزة الشعب والمقاومة هذه المرة.
الحكومة المقالة تلاحق الوطنيين من أبناء حركة فتح وتصدر أحكام الإعدام بحقهم، وتصف الحركة بالتيار الخياني وتخرج علينا لتقول نحن مع المصالحة، لا اعرف يجوز أنهم يقصدون كوستاريكا أو الفلبين، وفي الضفة الغربية اعتقالات بقولون أنها ليست سياسية لكن اللي بعرف بعرف واللي ما بعرف بقول كف عدس، ويبدو أننا في هذا الوطن أصبحنا من عشاق العدس.
الدكتور صائب عريقات بسلامتو زار مدينة بيت لحم قبيل الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد، تحدث عن جمود عملية السلام والصمود الفلسطيني في وجه الاحتلال وتُوج اللقاء في مطعم أبو ايلي كما قالت وكالة معا ومطعم أبو ايلي من المطاعم الخمس نجوم في المحافظة، لا نستطيع إلا أن نقول صحتين وعافية، لكن الصورة في مدينة الميلاد اكتملت عندما جابت سيارات الإدارة المدنية الإسرائيلية شوارع بيت لحم برفقة سيارات الأمن الفلسطينية، وبسلامتو مصور وكالة معا فكر انو على "راسو ريشة "وحاول يقنع نفسه أن حرية الصحافة مكفولة، لكنة عرف ان حق.
على أبواب السنة الجديد العديد من الكتاب يحاولون الولوج إلى الأحداث الهامة التي تعصف بالمنظفة، وفي بلدنا يتم التركيز السياسي والانقسام أو كما يحلو للبعض تسميته بالانقلاب الذي نفذته حركة حماس، ورغم ان المشهد الفلسطيني واضح إلا أننا نحاول ان نجتر التوقعات التي تبعث على التفاؤل على أمل ان تحدث معجزة رغم ان زمن المعجزات ولى وإلى غير رجعة، ومن جهتي لا اطلب الكثير من الباشاوات الفلسطينيين سوى الترفق بالشعب واستخدام الجزرة بين الحين والأخر بدلا من الاعتماد على العصا والكيس الذي ورثناه عن الاحتلال.
يقول الفلكيون أن الفرق بين السنة الكبيسة والسنة العادية هو يوم واحد زيادة لصالح السنة الكبيسة كل أربع سنوات، وفي حالتنا تمر السنيين كما الأيام على بعضنا، وهناك من يعاندهم الزمن وخير مثال على ذلك الأسرى الفلسطينيين في زنازين العزل الانفرادي الذين تتفن إدارة السجون الإسرائيلية في تعذيبهم، وفي ظل عدم اعتراف الحركة الوطنية الفلسطينية بشقيها المقاوم والتسووي بالهزيمة وفشل البرامج الجماهيرية التي رفعتها تزداد حدة ألازمة ويتحول المشهد إلى مبادرات عقيمة لا تحدث تراكمات حقيقية.
بالأمس تورطت في نقاش حول الوضع الداخلي الفلسطيني وكان التشخيص المتفق عليها أننا مهزومون وعلينا أن نعترف بذلك حتى نتجاوز هزيمتنا، والخطر المحدق بشعبنا هي الهزيمة الثقافية التي إذا حدثت ستحولنا لمجرد كائنات تحصي السنوات في رحلتها العدمية، وعودة قادة المرحلة والخطاب الديماغوجي ننتمي عليهم ونحن على أبواب السنة الجديد أن يكفوا أيديهم عن الشعب.
0 comments:
إرسال تعليق