"ما الذي جلبَ على شعبي هذا الويل"؟ سأل مؤسِّس الحزب السوري القومي الإجتماعي أنطون سعادة، فيما كان يرى أمّته يتقوّض بنيانها أكثر فأكثر تحت ضربات الأعداء الكُثُر. وأضاف: "أخذتُ أبحث في هذا السؤال، وعن حلٍّ للمعضلة السياسيّة المزمنة التي تدفع شعبي من ضيق إلى ضيق، فلا تنقذه من دبّ إلاّ لتوقعه في جبّ".
وحقّاً فإنّ مَنْ يتمعّن بسؤال سعادة وتوصيفه لواقع الحال في النصف الأوّل من القرن العشرين حيث الإستعمار العثماني فسايكس بيكو فالإستعمارين الإنكليزي والفرنسي فوعد بلفور سيخلص إلى نتيجة مفادها "ما أشبه اليوم بالأمس" وسيستشعر عمقَ الجرح النازف في قلب هذا المفكّر وشدّة تأثّره وبركان تصميمه على الذود عن حياض بلاده وكرامة شعبه ولو كلّفه ذلك أن يدفع روحه ثمناً، وكان 8 تمّوز عام 1949، ولكن ليس قبل حياة ضاجّة بالكفاح والنضال والكتابة والإبحار وشحذ الهمم وتأسيس حزب نهضة يتابع المسيرة من بعده رافعاً راية الأمّة في سماء الحريّة تأكيداً لخيار السيادة.
وفي حياة سعادة لم يكن الخطر كلّ الخطر من الدول الإستعماريّة التي دأبُها القهر والإذلال والتجزئة ونهب الموارد وإدامة التخلّف، بل كان الخطر أيضاً من تسلّط الإقطاع السياسي والديني، ولذلك حضّ سعادة على استنفار الوعي بالماضي والحاضر والمستقبل، وعلى استنهاضِ الطاقات الكامنة كلّها الكفيلة حقّاً إذا ما استُنْهِضتْ "أن تغيّر وجه التاريخ".
وبعد كلّ هذه العقود من السنين على استشهاد القائد أنطون سعادة كيف هو حال الأمّة اليوم؟ بدءاً، إنّ شعب فلسطين الذي يقاوم وهو بين فكّي الوحش الصهيوني يتعرّض لأشرس عدوان في التاريخ المعاصر، فيما الأنظمة العربيّة لا تحرِّك ساكناً لنجدته، وأكثر من عشرة آلاف شاب وشيخ وطفل وامرأة في المعتقلات حيث زنزانات القهر وأقبية التعذيب، وتُبنى المستعمرات على ما تبقّى من الأراضي الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة والقدس، وتُحاصَر غزّة وتُقصَف بالفسفور الأبيض وأيضاً، فيما الأنظمة العربيّة السائدة لا تحرِّك ساكناً.
كيف هو حال الأمّة اليوم؟ العراق افتتح القرن الحادي والعشرين بأنين شعبه تحت حراب أكثر من مائتي ألف جندي أميركي وبريطاني وأطلسي وعشرات الآلاف من المرتزقة. علماء العراق، أساتذة الجامعات العراقيّة، الكثير منهم لاقى حتفه اغتيالاً، صبايا العراق، شباب العراق، وهم بعشرات الآلاف، تنهشُ الكلابُ لحومَهم في معتقلات نازيّة، متاحف العراق نُهِبَت، نفط العراق يُنْهَب، فيدراليّة، ومحميات طائفيّة وعرقيّة، قادة روحيّون وزمنيّون عراقيّون عانقوا رامسفيلد وديك تشيني وكونداليسا رايس وجورج دبليو بوش.
كيف هو حال الأمّة اليوم؟ دمشق عُرضة لانقضاضات أميركا وحلفائها في باريس ولندن وتل أبيب. كيف هو حال الأمّة اليوم؟ قوى كثيرة في لبنان تتحكّم باللبنانيين وتنهب المال العام وتعتبر إسرائيل صديقة، وترسل موفدين لتقديم وسام الصداقة لربيب الصهيونيّة جون بولتن الذي سبق وقلّدتْه إسرائيل وسام الشرف باعتباره من أخلص المخلصين للصهيونيّة وإسرائيل في العالم، هذا وتتناغم مع محور الأعداء في الدعوة إلى محاصرة القوى المقاوِمة في لبنان الحليفة بقاموسها السياسي مع غزّة وسوريا وإيران وعموم المستَهدَفين غربيّاً.
قال أنطون سعادة: "إنّنا نواجه أعظم الحالات خطراً على مجموعنا" و"المصير القومي كلّه مهدّد".
أجل أيّها الشهيد البطل إنّنا نواجه أعظم الحالات خطراً ومصيرنا كلّه مهدّد
ولكنّ ما زرعتَه في قلوب وعقول أبناء أمّتك
سيكون له ربيع يعانق الشمس.
0 comments:
إرسال تعليق