عزة حقيقية وعزة احتيالية
مما نحفظ من أيام طفولتنا من شعر الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد بمناسبة اندحار العدوان الثلاثي (الأنجلو- فرنسي- صهيوني) على مصر وقطاع غزة عام 1956م قوله :
تلكم غزة
أرض العزة
لا ترهبها أعنف هزة
ولعل الشاعر العظيم قد عاش حتى شهد كيف أن أرض العزة استباحها الغزاة،والمحتالون،وحاولوا تصفية الحسابات مع أبطالها،حتى خذلهم الله ،واتقلب السحر على الساحر،وهرب شارون الهالك بليل يجر ذيول الخيبة والاندحار،وكيف انكفأ مهندس أوسلو اللعينة المشؤومة إلى مزبلة جيب رام الله أمام ضربات أبطال القسام وكتائب الأحرار المجاهيدن من كل فصائل المقاومة من الشعب العظيم الذي استوطن أرض العزة في قطاع غزة.
ومن حق حماس أن نعتز بها ونهنئها في عيد انطلاقتها المجيدة،وأن نقدم هذه التهنئة في وقتها،لكن ظروف إحياء الذكرى الثالثة والعشرين لانطلاقتها المباركة في ديسمبر من العام 1987م توحي بالكثير مما ينبغي التوقف عنده،ويحتاج إلى المراجعة،بهدف حفظ هذه التجربة العظيمة التي أحيت آمال الشعب الفلسطيني،وبشرت الجماهير المؤمنة في الأمة العربية والإسلامية،وكل أحرار العالم بأن الظلم مهما تعاظم فإنه مهزوم مخذول،وأن الحق هو الظاهر والمنتصر،وأنه مهما طال ليل الظلم والجبروت والطغيان فلا بد أن يبزغ فجر الحرية والانعتاق من الإجرام الصهيوني،والاحتلال اليهودي الاستعماري لأغلى الاوطان،وأقدس بقاع الأرض،ولا بد أن يأتي اليوم لاذي يزول فيه هذا الدنس الذي لوث بلادنا،وتطاول على طهارتها.
حماس وحلفاؤها _ إن جاز التعبير _ صنَّاع العزة الحقيقية لشعبهم،وما عداهم ارتكسوا وانكفأوا وعادوا بالخذلان والعزة المزيفة المغلفة بالذل والعار.
إن الموقف المشرف الحالي الذي صنعته حماس وبقية الفصائل التي انحازت إلى شعبها وأصالتها وانتمائها الديني والعروبي والوطني جعل من السهل تعريف الصراع مع الغزاة اليهود الخزر الغزاة المحتلين بأنه بحق معركة العزة،ومع تقديرنا العظيم واحترامنا الصادق للشهداء من أقطار أمتنا وغيرها من بلاد العالم ممن اشترك في مقاومة الظلم والعدوان الصهيوني المتحالف مع الاستعمار على ساحة فلسطين وما جاورها،إلا أن التحليل العملي والتوثيق الموضوعي لهذه المرحلة الحالية لا يمكن إلا أن يعتبرها مرحلة معركة العزة التي صنعتها حماس والجهاد والتنظيمات البطولية في قطاع غزة وفي القسم الشرقي المحتل من وطننا (الضفة).
ولم يكن ظهور حركة المقاومة الإسلامية حماس على مسرح الأحداث في الساحة الفلسطينية،وعلى مساحة المنطقة العربية ثم العالم أجمع،كرائدة من رواد الجهاد ضد الاستعمار الاحتلالي اليهودي الصهيوني أمرًا غريبًا،فهي بمثابة القاعدة ،وكل من ظهر قبلها وبعدها من أدعياء الانتماء وصنَّاع الأحداث المزيفين المتطاولين على مقامها ومقام شعبها بدءًا بفتنة سلطة أوسلو اللعينة ثم الانكفاء إلى جيب رام الله ،وما رافقه من اندفاع في الطريق التحالفي الوظيفي بين سلطة أوسلو والعدو اليهودي،كانوا هم الاستثناء،وهم المستهجن والمستنكر والمحبط منهجهم وطريقهم،نتيجة لكمية الاستهتار بالثوابت،وكمية التنازل الرخيص عن الحقوق لليهود الصهاينة المحتلين الغزاة.
إن الرائد لا يكذب أهله،وكذلك حماس التي يعرف الشعب أصولها ومنطلقاتها،وجرب صدق قادتها ،وثبات البناء التنظيمي ،وعجم معدِن بناتها،وعظمة منطلقاتها ،وصدق دلالاتها ما يعتمل في نفوس شعبها ،كل ذلك جعلها رائدة كفاحه في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ لاقضية الوطنية التي تكالب عليها عُبَّاد الدنيا،وحلفاء العدو الصهيوزني المحتل لوطننا من كل جنس وملة ولون وغاية .
إن ظهور حماس وقيادتها لحركة المقاومة الشريفة في منطلقاتها الفكرية،ومن طبيعة الحشد الشعبي والأطر العملية لحفظ التوازن بين الفكر والتطبيق،وفي سلامة التواصل بين القاعدة والقيادة،مما يصعب معه التمييز بين العناصر واللبنات الأولية في البناء الاجتماعي والتنظمي،وبين القيادات الوسطى والعليا في العمل الجهادي،وكانت عملية إعداد المرأة الفلسطينية المسلمة خاصة ،وما أبدته المرأة الفلسطينية الأصيلة على درجة عالية من الكفاءة؛ بحيث ظهرت بوضوح خصائص الشعب الفلسطيني العظيم في الوحدة والتماسك والتكافل والعطاء،وكان ظهور أمهات وأخوات الشهداء أولاً ثم آباؤهم وإخوانهم وذويهم مما يثير الكبرياء والأنفة والعزة ويشعر بالكرامة،وينشر في النفوس الأمل في النصر على الصهاينة وعلى كل من يتعاون معهم ويكرس احتلالهم لوطننا.
مشروعان وتياران متباعدان في المنبع والمصب
(1) المشروع الأول:مشروع حماس وحلفائها وأنصارها:ومعها جبهات الدعم والإسناد والإبرار في الداخل والخارج،وهو التيار الذي يمثل جسم المشروع الوطني الملتزم بالثوابت،النابع من صميم الشعب وأصالته وثقافته التي لم ولا تعترف أبدًا بالهبوط والتخاذل والتنازل والتفريط،ولا يتسامح حتى في كلمة يتلفظ بها إنسان غافل أو جاهل أو منتفع أو منافق أو ضعيف الولاء والانتماء،أو إنسان دخيل على الشعب الفلسطيني يريد أن يعلمه كيف يمكن التعامل بعقلانية ورشد مع قضية وطنه المغتصب،وحقوقه المصادرة،هذا المشروع مشروع صامد لا تهزه الرياح،ولا تؤثر فيها دعوات التخاذل والانهزام،ولا تخدعه الوعود العرقوبية البراقة الخادعة،ولا يثق في المسارات الدولية التي غرست وكرست كيانًا يهوديًا صهيونيًا في أرض وطنه.
أحيت حماس وأنصارها ومريدوها وجبهات إسنادها والمؤمنون بمشروعها،والواثقون من صدق منهجها،وسلامة وصحة منطلقاتها،ومعها فصائل المقاومة الجهادية البطولية المتحالفة معها في معركة المصير الوطني،وتؤازرها وتضمها وتحيط بها قلوب غالبية الشعب الفلسطيني الذي لا يزال متعلقًا بأرضه،متمسكًا بحقوقه،ويأبي مجرد تصور التخلي عن شبر واحد من الوطن الذي يمثل مصدرًا للعزة والكرامة والأنفة والعنفوان.
تحتفل حماس بانطلاقتها الثالثة والعشرين في أجواء ملبدة بالكثير من الغيوم الطبيعية والنفسية والاجتماعية والمعيشية،وفي صفحة حالكة السواد ملوثة بالكثير من البقع السوداء التي لوثت صفحات السجل البطولي لشعب البطولات والأمجاد،وتزداد قتامة بحيث باتت تبعث على حبس الأنفاس،وضيق الصدر،تحتفل حماس بعيد الجهاد الوطني الحقيقي انطلاقًا من الثوابت في مرحلة من التاريخ الوطني الفلسطيني لم يعهد الشعب البطل لها مثيلاً طوال تاريخه النضالي الطويل المشرق والمشرف. التيار الجهادي الرافض للسلوكيات والأفكار الانحرافية،وتمثله سلطة حماس التي قُمعت ومُنعت من أداء دورها الطبيعي،والمضي إلى النهاية في تنفيذ برنامجها الذي جاء بها إلى الحكم بأغلبية ساحقة،ولأن الحالة الراهنة في المستنقع الفلسطيني تجمع بين أنصار مشروعين متمايزين ومشخصين لسمع وبصر كل من يسمع ويبصر.
وكانت غزة منذ بداية النكبة هي التي تتحمل أعباء القيادة الثورية والديناميكية المغذية والدافعة للمشروع الوطني في عمومه،مع عدم التقليل من ثقل وإسهام القيادات والجماهير في التجمعات الفلسطينية في كل المواقع في الوطن العربي وخارجه.
(2) المشروع الثاني :مشروع انتهازي غريب مزيف ملفق مستنكر مستهجن متناقض مع بدهيات الفكر،مبتوت العلاقة بثوابت الشعب الفلسطين،متناطح مع كل مدخلات ومخرجات المشاريع والتجارب الإنسانية،ولكنه يستند إلى بعض النتائج الانحرافية في التجارب التاريخية التي ضلت الطريق،وتباعدت عن منشئها،وتنكبت عن الصراط،وبدلت أولوياتها،وتناست بداياتها،وغيرت جلودها،ذاك هو التيار الانحرافي الذي أطلق علية رئيس الوزراء الفلسطيني الشرعي إسماعيل هنية في كلمته في الجماهير المحتفلة بانطلاق حماس بالانحراف (التاريخي) المتمثل في سلطة رام الله ورموز أوسلو اللعينة الهابطة وطنيًا وعقليًا وفكريًا.وهو تيار لا يمكن الاستهانة بحجمه وطاقاته ،والإمكانات المتاحة له،ومساحة الحركة التي يمارس فيها أفعاله . ولا غضاضة في ذلك ،وهو ظاهرة طبيعية.
من متغيرات المرحلة
(1) المؤتفكون التنازليون والعودة إلى الثرثرة :
لن نقف طويلاً عند الحركات البهلوانية المكشوفة لأطراف التسوية بكل مسمياتهم ،ولا قادة وأبطال وهواة وعشاق المفاوضات بكل أشكالها أو باتفاقية السلام أو بسلطة أوسلو المشؤومة،أو بالتهديدات التي تنطلق هناك وهناك بين الفينة والفينة من رؤوس شياطين اليهود الصهاينة المحتلين لوطننا،لسبب بسيط وهو أن رموز أوسلو اللعينة الذين (يتنططون) هنا وهناك كالدمى التي يحركها الساحر جورج ميتشيل،وينتقل بهم من زاوية إلى أخرى في المسرح الذي أعده لهم بعناية ليفقدهم وجاهة مناصبهم التي غرسهم فيها الصهاينة وحلفاؤهم بكل أطيافهم،،فهم يعلنون مرة عن محادثات بعيدة عن الإعلام،ثم لا يلبث العدو اليهودي المحتل حتى يلجئهم للكلام التافه المموه تحت ضغط الفشل وانسداد الأفق ،ومرة يختفي الناطقون الملوثون والمستشارون المرتشون،والموظفون المرتهنون للعمالة لليهود،فتظهر بعض الوجوه الجديدة التي تتفوه ببعض العبارات التي لا تغادر الهزواء المحيط بوجوههم التي تنطق بالكذب والتزييف،فلا يصدقها إلا المخابيل والمهابيل أمثالهم.
(2) جورج ميتشيل والتفاوض بالتوازي :
تحت وقع الصدمة التي وجهتها له إدارة أوباما عندما تخلت عن التزامها بالضغط على الصهاينة بوقف الاستيطان لعودة سلطة عباس إلى التفاوض،طار عباس إلى القاهرة لحضور ما يعرف بلجنة المتابعة العربية،بهدف توفير غطاء وغلالة يستر بها الضياع الذي وقع فيه،ولم يتركه جورج ميتشيل،فطار خلفه،واجتمع إلى الرئيس حسني مبارك،بينما اليهودي دينيس روس في الكيان الصهيوني ،ولم يعد خافيًا الدور الذي يقوم به جورج ميتشيل في هذه الزيارة للمنطقة،فهو مرحلة من الدور الخبيث الذي انتدبته الإدارة الجديدة للقيام به،والذي ينتقل من مظهر لفرؤض التنازل وإهدار الحقوق إلى مظهر آخر.
- لقد كان ميتشيل عند عباس في رام الله ،فماذا بقي من المقترحات والأفكار الشيطانية لم يحطه به؟
- وماذا ترك من مظاهر التحايل لاصطياده وامتصاص دماء وجهه ليقبل بالمصطلح الجديد (المفاوضات الموازية) ؟
- وما الذي يعنيه المصطلح الجديد؟فعلى الأقل في المفاوضات المباشرة وغير المباشرة يتلاقى الطرفان ،ويتبادلان العبارات والعروض والاقتراحات والأفكار ،أي أن هناك لقاء من نوع ما ،ولكن أول تصور بدهي للتوازي هو الخطان المستقيمان اللان لا يلتقيان مهما امتدا،وهما من المسلمات الرياضية التي لا تحتاج إلى برهان،وكذلك قضيبا سكة القطار الحديدية لا يلتقيان مهما امتدا لآلاف الكيلومترات.
فما الذي يخفيه جورج ميتشيل في جعبته عن التفاوض بالتوازي؟إلا أن يكون ممثلو سلطة أوسلو اللعينة ممن ينطبق عليهم المثل الشعبي الفلسطيني(نفسي فيه وتفووه عليه !)وهناك مثل قبيح آخر نترفع عن ذكره ولعل لدى بعضهم بقايا الفهم يمكنه من استنتاج هذا المثل القبيح الذي ينطبق عليهم تمام الانطباق،بسبب الرخاصة والهيافة والدناءة التي وصلوا إليها في سعيهم وراء الوجاهات والمناصب وحب الظهور،والإصرار على الخطيئة،ونقصان حظهم في أي فرصة للتوبة بمعناها الديني والوطني والإنساني.
(3) دلالة نتائج الانتخابات في بعض البلاد العربية:
وما علاقة ذلك بغزة وحماس؟
قد يقول قائل وما علاقة الانتخابات العربية بحماس وبطولاتها ونهجها المتسامي على كل مكونات النظام العربي في هذه المرحلة المليئة بالانتكاسات ومظاهر الهبوط الوطني والقومي ؟.
غير أن التدقيق في بعض جوانب هذه الانتخابات التي جرت وتجري في مسرحية التسلية النظامية بالجماهير وممثليها الحقيقيين ،يجعلنا نصر على إدراجها بين متغيرات هذه المرحلة،ويجب ألا نقلل من دلالات الظروف التي صنعت نتائج الانتخابات في كل من الأردن ومصر وتداعياتها،فقد نجح النظام في كلا البلدين في فرض واقعٍ جديد بدت ملامحه في تحريم التمثيل النيابي على كل من ينتمي إلى الخط الجهادي الراديكالي،وتوشك الحالة التي وقعت في إحدى الديوانيات في الكويت أن تجعل التجربة الرسمية في كل من مصر والأردن واليمن وفلسطين وغيرها بمثابة حالة إستاتيك تبدو معها الأنظمة في قمة الشعور بالعنفوان والتفوق على الذات،حيث أفلح التحالف الصلب بين النظام العربي الرسمي في هذه البلاد وغيرها ،وبكل ما يمثله من مؤسسات مجتمعية واقتصادية وأمنية وعسكرية وشبه عسكرية في تقزيم وتحجيم أي تكتل جماهيري أو غير جماهيري ، وتوظيفه لصالح حزب أو فئة أو جماعة،واستغلاله لفرض قناعات على الواقع الذي تحاول القوى الشعبية أن تجد لها فيه موطىء قدم دون جدوى،ولم تفلح كل مظاهر المعارضة في التأثير في الفيل الذي يدوس تحت أقدامه كل الأعشاب والكائنات الضعيفة التي تتناثر من حوله مذعورة ،وبعضها يتجرأ على الصراخ في أذنيه،والبعض الآخر يمضي بعيدًا فينغزة ببعض المسامير والإبر والسهام من هنا وهناك،ولكنها لا تجرؤ على حمل عصا أو سوط أو حتى قطعة حلوى لاسترضائه،وليس ذكر هذا المتغير من قبيل الإطناب أو التذاكي،بل ورد ذكره لعلاقته القوية بتيار القوى التي تساند رأس الفتنة محمود رضا عباس ميرزا المستظل براية المبادرة العربية للسلام التي داس عليها الصهاينة ويصر أصحابها على رفعها.
إن مسرحية الانتخابات ونتائجه الفاضحة في العالم العربي حاليًا لصيقةُ العلاقةِ بمنهج حماس وجهادها ضد الغزاة اليهود الخزر الصهاينة،لأن القَسَمَ الذي كرره القائد إسماعيل هنية بكل بطولة وجرأة لم يكن موجهًا فقط إلى نهج عباس وزمرة أوسلو اللعينة،بل هو تعبير عن موقف مبدئي صلب ومتماسك لكل جماهير الأمة التي تحاول الأنظمة الرسمية أن تحيدها،وتعزلها عن مقدمة الصراع مع العدو،إنهاءً للصراع بطريقة تنسجم تمامًا مع خط اتفاقيات السلام بين مصر والأردن من جهة ،والعدو الصهيوني المحتل لبلادنا من جهة أخرى.
(4) المشروع الصهيوني :يحاول المشروع الصهيوني التوسعي أن يتظاهر بأنه في أسعد حالاته،وأنه بامتلاكه لأسباب القوة اللامحدودة قياسًا إلى الأنمة العربية يعيش أسعد وضع يمكن أن يتمتع به كيان سياسي،والمتابع للتحركات الصهيونية اليومية في أجهزة الإعلام وفي السلوك اليهودي على مساحة مجتمع الصهاينة يدرك ببساطة مظاهر التعبير عن هذا الشعور،وكل ما قد يصدر عن بعض الرموز في بعض المواقع إنما هو من قبيل التلاعب بأعصاب العرب الذين يحتفظون ببعض الاهتمام بمتعابعة السلوك السياسي الصهيوني،ويحاول الصهاينة في الاندفاع في النشاط الاستعماري بكل ما توحي به الأيديولوجية لاصهيونية التلفيقية،وهم يستفيدون كثيرًا من التواطؤ المطلق من الأوروبيين ،والاستسلام الكامل من إدارة أوباما للمشروع التوسعي اليهودي.
غير أن التفكير الشامل والفحص الدقيق لمجمل أوضاع المشروع الصهيوني التوسعي يجعلنا نعتقد عكس ما يحاول الصهاينة تصديره وتصويره،أي أن اليهود في وضعهم الراهن في أضعف حالاتهم،ومهما قيل فيما أوصلتنا إليه اتفاقيات لاسلام مع هذا الكيان الأجنبي من نتائج سلبية وقاتلة،فإن مجرد ارتفاع صوت رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية وأما مئات الآلاف ،وعبر كل شبكات الإعلام كان أكبر دليل على إفلاس الصهاينة،وإفلاس مشروع التسوية التي استهلكوا فيه فريق أوسلو اللعينة ،ورموهم بلا غطاء ولا خيارات ولا جدار يحمي ظهورهم،وتركوهم يتلقون مصير كل مفرط في حقوقه،ومستهين بكرامة شعبه.وخير ما ينطبق عليهم الوصف الوارد في الحديث النبوي: {كالمُنْبَّتِ :لا أرضًا قطعَ ،ولا ظهرًا أبْقى.}
(5) إستاتيك أزلي أم إرهاصات تغيير حتمي؟
منذ اتفاقيات السلام مع العدو الصهيوني المحتل،كان الرهان الرئيس لأصحاب مشروع السلام هو غسل أدمغة الجيل الذي عبأهم خطاب البطل العربي العظيم عبد الناصر يرحمه الله ،وقد تكفل الزمن بمؤازرة مجموعات التزييف الأيديولوجي ،وأنصار الخطاب الانهزامي الذين ركبوا موجة العولمة والتسهيلات التي يوفرها لهم اليهود في الداخل والخارج،وقد أثمرت جهود الصهاينة وحلفاؤهم الأمريكان والأوروبيين في تكريس أوضاع البلاد العربية بطريقة تجعل المرء يعتقد جازمًا أن هذه الحالة التي استنزفت فكر وعمل جيل كامل من الأمة،أنها حالة أمر واقع لا فكاك منها،وأنها مرشحة للاستمرار إلى يوم القيامة،فإما أن تكون القيامة أقرب مما نتصور،أو أن هؤلاء المتحالفون مع الرأسمالية اليهودية والإمبريالية الأمريكية يوطنون أمرهم،ويعيدون ترتيب الأوضاع في المزارع والواحات العربية بحي يستحيل تغيير ولو مسمار واحد في العربة العربية التي صدئت،وقد تضخمت مؤسسات قوى حفظ الوضع الراهن بحيث أصبحت أداة في يد فريق واحد من الشعب محسوب على السلطة فقط،الفريق الذي يستنزف فائض إنتاج الجماهير،ويحتكر مؤسسات الفعل الرسمي والشعبي،ويوظف النخب الثقافية الانتهازية التي نبعت من صميم مشروع عبد الناصر،فخرجت عليه،وتمردت واتنكرت لأصلها،واتحازت إلى قلة محتالة تستحوذ على الثروة،وتعول في تحالفها مع مكونات النظام الرسمي على تحييد مصادر القوة التي كانت سندًا تاريخيًا لمصلحة الجماهير،وأقصد بها القوات المسلحة الوطنية،وهذا الوضع إما أن يثبت وضعًا إستاتيكيًا أزليًا يتنافى مع سنن التغيير،وحتمية الديناميكية الاجتماعية،أو أن يكون مخاضًا لتغيير حتمي ينسجم مع قوانين التاريخ.
(6) كلمة أخيرة:
لا يمكن تصور نهاية محمود رضا عباس مرزا ،وانكفاء مشروعه التخريبي في هذه المرحلة،فهو لن يعلن الهزيمة بسهولة،وكل ما يصدر عنه من تهديده بحل السلطة،أو الاعتزال والانسحاب،أو التخلي عن التتسيق الأمني بعد أن أصبح ذا طبيعة مؤسسية متخصصة في الإفساد،أو احتمال أن تأتيه جائحة من عذاب الله،أو الإنابة والتوبة،أو التعويل على تقدمه في عامل الزمن بتقدمه في العمر،واستشعاره الضعف الذي يجعله يراجع محتويات سلة الموبقات والجرائم والانحرافات التي جناها مشروعه على الشعب،الذي لَبَّسَ عليه طويلاً هو ومجموعات الشياطين الذين استمالهم واستقطبهم في مجالات كثيرة وأبرزها التعيينات في المؤسسات الدبلوماسية والسياسية والوزارات وغيرها،أو خرافة اليد الممدودة لحماس لإنجاز المصالحة بغطاء من الورقة المصرية،أو الدعوة إلى الوحدة الوطنية،كلها عبارات انتهازية لا تغادر طرف لسانه،ومعه السادرون في غيهم،السائرون في طريق خدمة شياطين اليهود أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء دينه وأعداء الإنسانية،إن محمود رضا عباس مرزا وفريق أوسلو المشؤومة ليسوا أغبياء أو عاجزين،بل على العكس إنه أذكي من كل شياطين الأرض،ولديه المواثيق والعهود من جبهات الإسناد الفلسطينية والإقليمية والدولية التي تتاجر بقضية وطننا،وهو صاحب مشروع ،وأصحاب المشاريع لهم حسابات غاية في المكر والدهاء،ولا يمكن القضاء عليهم إلا بالمشاريع المضادة،وستكون المعركة شرسة ومحرجة ومكلفة،وكل ما يجب الانتباه إليه في هذه المرحلة هو ضرورة التقدم باستمرار في الطريق الصحيح ،بحيث يبدو هو ومن معه ومن يساندونه في مشروعه التخريبي أنهم متخلفون مكشوفو العورات،وبلا ظهر،ولا ينبغي أبدًا أن تظل قوى الشعب الفاعلة في موقع ردات الفعل على ما يقوم به العملاء والسماسرة والخونة وتجار القضية،بل يجب إبداء الصدق والصلابة في مواجهة مشروعهم ،ومفاجأتهم في كل دقيقة بوضع متقدم على أفعالهم التخريبية،حتى يأذن الله فيهم بكبتهم وإحباط ما يقومون به من العمل الهابط الردىء.
والله أعلى وأعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.)(يوسف 21)
0 comments:
إرسال تعليق