مناشداتٌ تَبلُغُنا للتّضامن مع قضايا إنسانيّةٍ عديدة، كإغلاقِ وسيلةِ إعلامٍ ومُقاضاتِها، بحُجّةِ التّشهيرِ والخطابِ الكاذب، لمجرّدِ تناوُلِ مواضيع حقوقيّة أو وطنيّة!
ومناشداتٌ أخرى تُبلِغُنا عن اختفاءٍ قسريٍّ وتفشّي عمليّاتِ توقيفٍ واحتجازٍ تعسّفيّ، وتُطالبُ بالإفراجِ عن أطفالٍ ونساءٍ اختُطِفوا للاتّجارِ بهم أو لتزويجِهم، واحتجازِ نساءٍ وفتيان ومواطنينَ ولاجئينَ، ورعايا أجانب بدون جنسيّات ترفضُ دائرةُ الأمنِ الوطنيّة والمخابرات طلباتِ لجوئِهِم وقرارات ترحيلِهم، واحتجاز كُتّابٍ وأدباء وصحفيّينَ وطلاّبٍ ونشطاء وسياسيّينَ ومُعارضينَ ومُتمرّدين ومُحرّضين اختُطِفوا دونَ إعلامِ أُسَرِهِم، ودونَ معرفةِ أسبابِ الحجْزِ ومُدّتِهِ ونتائجِه، ودون معرفةِ الجهةِ الّتي اعتقلَتْهم، إن كانتْ مِنَ الشّرْطةِ أو أعوانِ الدّولة، ودونَ معرفةِ مكان احتجازِهِم: في مراكزِ شرْطة، قواعدَ عسكريّةٍ، سجونٍ سرّيّةٍ وغيرِ رسميّة، أو في مقرّاتِ المخابرات!؟
كثيرٌ مِنَ المُدَّعى عليهم تقومُ الشّرطةُ بتوقيفِهم دونَ إجراءاتٍ قانونيّةٍ أو خارجَ رقابةٍ قضائيّة ورسميّةٍ لوزارةِ العدل، وبناءً على أقوالِ شهودٍ مجهولي الهُويّةِ، فتتذرّعُ بظروفٍ استثنائيّةٍ لتبريرِ التّعذيب، وتُمارسُ انتهاكاتٍ خطيرةً بحقّهم، بأنماطٍ مُتعسّفةٍ واعتقالاتٍ سِرّيّةٍ وعلنيّةٍ، واستجوابِهم وتهديدِهم وملاحقتِهم وتعذيبِهم، فتُعرّضُهم للاعتداءِ والاغتصابِ وللعنفِ الجنسيّ وتشويهِ الأعضاءِ التّناسليّة، بضروبٍ مُهينةٍ ومعاملاتٍ لا إنسانيّةٍ، لانتزاعِ اعترافاتِهم القسْريّةِ أو لِحمْلِهم على التّوقيعِ على مَحاضِرَ لم يَقرؤوها، فلا تُتيحُ لهم الاتّصالَ بمُحامٍ لإعدادِ الدّفاع، ولا تستمعْ إلى شهودِ الدّفاع، بل تُعيقُ محاكمَتَهم ولا تسمحُ بالطّعنِ في حُكم صادرٍ بحقّهم، وقد تُنفّذُ فيهم عقوبةَ الإعدامِ وخارجَ القضاء!
لمَن ينبغي التّوجّهَ بالتّظلُّم؟ هل لهؤلاءِ المُحتجَزينَ ضماناتٌ حقوقيّةٌ؟ ما هي؟ وكيفَ يمكنُ إنصافُهم وتقديمُ الشّكاوى ورصْدُ هذهِ الانتهاكاتِ والتّصدّي لها؟
ما مسؤوليّةُ مَن يُمارسون شتّى أشكالِ التّعذيب، والمتواطئينَ والمشاركينَ مِن حيث العِقاب؟
الجمعيّةُ العامّةُ في الأممِ المُتّحدةِ اعتمدت الاتّفاقيّة في قرارِها في 10-12-1994، وبدأ الانضمامُ والتّوقيعُ في 4-2-1985، والتّنفيذ في 26-6-1987.
الدّولةُ الطّرفُ الّتي وقّعت الاتفاقيّةَ، لديها مُنظّماتٌ حقوقيّةٌ دوليّةٌ تتطرّقُ إلى وضعيّةِ حقوقِ الإنسان، وتشريعاتٍ واتّفاقيّاتٍ دوليّة في هذا المجال، مِن حيث حقّ الفردِ في عدَمِ التّعرّضِ لجميعِ أشكالِ التّعذيب، واعتمادِ القانونِ الجنائيّ الّذي يُحرّمُ ممارسةَ التّعذيبِ والعنفِ الجنسيّ والممارساتِ التّقليديّةِ الضّارة، فالتّعذيبُ محظورٌ بشكلٍ مُطْلقٍ ومُدانٌ بحسب القانون، لاتّسامِهِ بخطورةٍ بالغةٍ على الضّحايا.
أهمُّ الضّماناتِ للمُحتجَزين:
أن يُعلموا بسببِ توقيفِهم والتّهمِ المُوجّهةِ إليهم، والاتّصال بأُسَرِهِم وبمُحامٍ والاستفادةِ بمساعدةٍ قانونيّة، والخضوعِ للفحصِ الطّبّيّ، وإعادةِ النّظرِ في شرعيّةِ احتجازِهم وِفْقًا للمعاييرِ الدّوليّةِ وليسَ لدستورِ الدّولة، وتخفيفِ عقوباتِ الإعدامِ عن سجناء عنبرِ الموت، وتأمينِ الحمايةِ المنصوصِ عليها في الاتّفاقيّة!
هل هناكَ تعريفاتٌ واضحةٌ بخصوصِ أشكالِ التّعذيبِ، تدخلُ في نطاقِ الاتّفاقيّةِ وتَحُولُ دونَ تعسّفِ السّلطة؟
هل حكوماتُنا تتمتّعُ بإرادةٍ سياسيّةٍ عادلةٍ ومُهيّأةٌ لتنفيذِها؟
ماذا عن الجهازِ القضائيّ حينَ يتعرّضُ لتدخّلاتِ الجهازِ التّنفيذيّ، ولضغطٍ سياسيٍّ وحالاتِ تخويفٍ وتهديدٍ وعزْلٍ وفصْلٍ وتواترٍ، وفرْضِ اعترافاتٍ مُنتزَعةٍ بواسطةِ التّعذيب؟
هل هناكَ متابعاتٌ للتّوصياتِ والاقتراحاتِ بخصوصِ الشّكاوى المُتعلّقةِ بانتهاكاتِ حقوقِ الإنسان، ورصْدِ المَرافِقِ الصّحيّة، ومُلاحقةِ القضايا التي يُثبَتُ فيها التّعذيبُ وسوءُ المعاملة، وإحالة الاستنتاجاتِ إلى النّيابةِ العامّةِ وتقديم بياناتٍ وإحصاءات؟
وهل التّحقيقاتُ حقًّا تُوكَلُ إلى الإداراتِ الاتّحاديّةِ للتّحقيقاتِ الجنائيّةِ وللمَحاكِم، ويُعهَدُ بها إلى هيئاتٍ مستقلّةٍ، ومكاتبَ إداريّةٍ مُخوّلةٍ بمصداقيّةٍ عادلةٍ، لضمانِ حمايةِ وإنصافِ مُقدِّمي الشّكاوى، وعدمِ تهديدِهم وتزويرِ أدلّتِهم؟
وماذا عن لغةِ التّحايلِ الّتي تتمُّ بتسجيلِ تاريخِ اعتقالٍ مُزوَّرٍ وتمديدُهُ، مِن أجل التّمويهِ والتّهرّبِ وعدمِ الامتثالِ للقوانينِ الدّوليّة؟
وماذا عن امتثالِ الشّرْطةِ لأوامرِ المحكمةِ، بالإفراجِ عن المُشتبَهِ بهِ بكفالةٍ دونَ احتجازِهِ المُطوّلِ في الحبْسِ الاحتياطيّ، ثمّ تصفيته خارجَ القضبان؟
وماذا عن القوّةِ العسكريّةِ حينَ تقومُ بتنفيذِ مهامّ القانونِ بدلاً مِنَ الشّرطة، في حالاتِ النّزاعاتِ المُسلّحةِ الّتي لم تُعلَنْ فيها حالةُ الطّوارئ، وبمنتهى التّحايلِ تستخدمُ القوّةَ الفتّاكةَ في المُظاهرات؟
وماذا عن حالاتٍ يُقاضى ويُعاقَبُ فيها ذوو الرّتَبِ المُتدنّيةِ المتورّطينَ في حالاتِ قتلٍ وتعذيب، بإيعازٍ مِن ذوي رُتبٍ عاليةٍ لا تَطالُهم يدُ القانون!
هل تتمتّعُ دولُنا بتدابيرَ سريعةٍ وفعّالةٍ لتكفلَ تمتّعُ جميعِ المُحتجَزينَ عمليًّا، بجميعِ الضّماناتِ الحقوقيّةِ القانونيّةِ الأساسيّةِ منذُ بدْءِ احتجازِهم؟
هل تعمل دولُنا الأطراف على تدريبٍ إلزاميٍّ في مجالِ حقوقِ المُحتجَزين، للقضاةِ ومُوظّفي السّجون والشّرطة والمخابراتِ وأفرادِ الجيش، بدوراتٍ وحلَقاتٍ دراسيّةٍ ومحاضراتٍ متعلّقةٍ بحقوقِ الإنسان، للتّزوّدِ بوعيٍ ومهاراتٍ وتقنيّاتِ تحقيقاتٍ مناسِبةٍ لاستجوابِ الأفراد، تَحظُرُ التّعذيبَ بشكلٍ مُطْلَقٍ؟
هل تُعزّزُ قدراتِ مكاتبِ مُحامي الدّفاعِ، لإسداءِ خدماتِ المساعدةِ القانونيّة؟
وفي المجالِ الطّبّيّ، هل تُجري تدريباتٍ تتعلّقُ بكيفيّةِ الكشْفِ عن آثارِ التّعذيبِ، واستخدامِ دليلِ التّقصّي والتّوثيقِ الفعّاليْنِ لضروبِ التّعذيب؟
هل تفحصُ وتُقيّمُ مدى نجاحِ هذهِ الدّوراتِ التّعليميّة، وتُقدّمُ ﺭﻋﺎﻳﺔً صحّيّةً ﺗﻀﻤَﻦُ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴّﺔَ فحوصِ الطّبّ الشّرعيّ، وتقبلُ الاﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎﺕِ كأدلّةٍ في الإجراءاتِ الجنائيّةِ والمَدنيّة؟
هل تتعاونُ معَ المُنظّماتِ غيرِ الحكوميّةِ واللّجانِ الدّوليّةِ كالصّليبِ الأحمر وغيرِها مِنَ الآليّاتِ الدّوليّةِ المستقلّة؟ وهل تسمحُ لهم بزياراتٍ فجائيّةٍ أو بانتظامٍ بعمليّاتِ تفتيشٍ وتقييمٍ، للسّجونِ والمَرافقِ الإصلاحيّةِ ومَرافقِ الاحتجاز، للرّصْدِ المنهجيّ لأماكنِ الحرمانِ مِنَ الحُرّيّة، كي توفّرَ الحمايةَ للضحايا، والخدماتِ القانونيّةِ والطّبّيّة والنفسيّة وخدماتِ إعادةِ التّأهيل؟
هل تُشجّعُ وسائلَ الإعلامِ بنشْرِ الوعيِ والإعلانِ عن المُنظّماتِ غيرِ الحكوميّةِ كعنوانٍ للتّظلّم؟
وختامًا...
وعلى ضوْءِ أحداثِ الانتفاضاتِ في دولِ شرْقِنا ومنذُ عقودٍ، هل هناكَ حقًّا إجراءاتٌ ومقاضاةٌ للجُناةِ مُنتهِكي الحّرّيّاتِ، ومعاقبتُهم بجزاءاتٍ مناسِبةٍ ومُلاحقاتٍ قانونيّةٍ تأديبيّة؟
0 comments:
إرسال تعليق