يجب علينا أن نفهم العالم، وأن نعتمد على العقل ونمجد الشك فيما لا يستطيع عقل الإنسان إثباته أو البرهنة عليه، ولأن هذا النوع من الفلسفة لا تزعم لنفسها الثورة على إراحة الإنسان مثلما تريحه المعتقدات التقليدية، ولكن العزاء الوحيد الذي تقدمه للإنسان هو حرصها الشديد على الأمانة الفكرية مهما كلفت من ثمن، والإيمان بأن التشكك والقلق النقدي الذي يجيء في أعقابه نتيجة لانعدام المعرفة اليقينية ينطويان على شجاعة أدبية وفضيلة أخلاقية.
إننا نجد صعوبة كبيرة في التلائم مع الأحداث الراهنة، وأن التغير الذي طرأ على العالم العربي يفزعنا ويدهشنا. ولكن ينبغي التنويه إلى أن زين العابدين بن علي توصل إلى السلطة، بانقلاب أبيض على الحبيب بورقيبة الذي كان يحمل لقب "المجاهد الأكبر". وينبغي التنويه أيضاً، أن زين العابدين بن علي، أشاع بين التونسيين، بأن "وسيلة" زوجة الحبيب بورقيبة هي التي تحكم تونس وليس المجاهد الأكبر! واستناداً إلى ما بثه هذا الرجل من شائعات، خرجت الجماهير مؤيدة له ومباركة له السلطة.
وينبغي التنويه أيضاً، أن جمال عبد الناصر، انقلب على النظام الملكي في مصر، وأن الضباط الأحرار توارثوا الحكم بطريقة النظام الملكي الذي انقلبوا عليه.
وينبغي التنويه، أن أنور السادات حصل في الاستفتاء الجماهيري بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد على تسع وتسعين بالمائة من أصوات المصريين المؤيدة، وأن الفئة القليلة غير المحسوبة التأثير،أو الواحد بالعشرة فقط ، هو الذي اغتال السادات.
وينبغي التنويه أن محمد حسنى مبارك هو أهم الضباط الأحرار، وأنه حكم مصر بطريقة النظام الملكي وأراد أن يورث الحكم لنجله جمال. وفي اليمن تحكم المعارضة بطريقة النظام الملكي وفي ليبيا وفي سورية وفي كل أنحاء الوطن العربي.
إن المعارضة الكاذبة، ليست لها هدفاً سوى السلطة. ولكن ذلك لا يعني أن لا نشاركهم بواعث القلق.
إننا ننظر الآن إلى انكماش الحريات في العالم وتقلصها نظرة ملؤها الحزن والأسى.
ونرى بعيوننا قلاع الحرية تتهاوى أمام لوثة اللاعقل وأمام معاول الاستبداد والدكتاتورية. ولكن نستطيع إن نقرر بان الفرد لم يكن في حاجة إلى حمايته من سيطرة الدولة في وقت من الأوقات مثل حاجته إليها في العصر الحديث.
إن العالم يتوغل في الظلام وإذا كان العالم لا يدرك حقيقة هذا الموقف، فذلك لأن الحريات تنكمش بالتدريج، ولأن الناس في الغرب قد استخف بهم الرضاء عن النفس، فظنوا واهمين أنهم بمأمن من هذا المصير، وتوهموا أن ظلام الديكتاتورية الدامي، المخيم، لن يصل إليهم بحال من الأحوال، دون أن يدركوا أن نفس الظلمة تزحف إليهم، وتشملهم بالتدريج.
لا بد للناس أن ينتبهوا إلى أن العالم قد افتقد الكثير من مظاهر الحرية التي كانت تسود في العقود السابقة، فقد اختفت حرية التنقل بدون جواز سفر، وحلت فكرة الرقابة على الصحف التي لم تكن تخطر على بال أحد في الماضي البعيد نسبياً، إن كثيراً من النظم السياسية التي استولت على السلطة باسم المعارضة، أبشع حالاً من النظم التي سبقتها، ولكن ليس معنى ذلك أن يتجاهل الناس، الأخطار التي تهدد نظامهم الديمقراطي، وحريتهم التي يفخرون بها.
والدليل على الاختفاء التدريجي لكثير من مظاهر الحرية، التي كانت معروفة في العقود السابقة، تطهير أجهزة الدولة ممن تشتبه في ولائهم، وأن هذا التطهير يتم سراً حتى لا تثار حوله الضجة، ويحاط الرأي العام به علماً، كما أنها لا تسمح بالهجرة على النحو الذي كانت تسمح به في الماضي. أضف إلى ذلك أنها هجرة تقتصر على حالات قليلة يكون الباعث إليها سياسياً. وهناك مظهر خطير من مظاهر انعدام الديمقراطية يتجلى في تنحية بعض أساتذة الجامعات من مناصبهم، رغم عدم الكفاءة أحياناً ممن يشتبه في ولائهم السياسي، ودون أن يتوافر لديها الدليل على صحة هذه الشبهات.
0 comments:
إرسال تعليق