بانوراما عربية/ د. أحمد محمد المزعنن


من متابعة مخرجات الثورات الشعبية النبيلة التي تفجرت فوق أرض العرب ، والتي بدأت أولاً في تونس الخضراء ثم في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير 2011م ، ثم توالت بوتيرة متسارعة استحال معها أن تكون صدفة أو دون تحضير أو تحريض ، وفي محاولة لاستقراء وقائع تلك التجارب العبقرية الفريدة في التعامل مع رموز الطغيان ، ونماذج الاستبداد ، وأنظمة الفساد والإفساد في مرحلة شديدة الغموض ،مفرطة في التعقيد من تاريخ النضال الشعبي العربي، حيث تكاد تصبح وسائل الإعلام ، وتحديدًا قناة لم يزل الغموض يلف دورها الذي تدور حوله الكثير من الشكوك ، ورغم أن وسائل الإعلام أصبحت مصدرًا للتوثيق ، إلا أنه من الصعب الركون إلى دور القنوات الفضائية المشبوهة ،ومواقع شبكة الإنترنت بعد الذي حدث وجرى ، ولا يزال يحدث ويجري على مساحة الوطن العربي ، وأيًا كانت العوامل الخفية والظاهرة وراء الحركات الشعبية فقد توفرت مصفوفة من المؤشرات التي ترقى إلى درجة الأدلة والبراهين ذات الدلالة على أنه ما من أمة أو شعب أو جماعة بشرية على وجه الأرض يتوفر لها ما للأمة العربية المجيدة من قوة الدافعية المستمدة من الروابط الدينية المشتركة التي تطابقت مع التجانس العرقي ، والتفوق في الخصائص الأنثروبولوجية ، ودرجة عالية من النقاء في العراقة والنبل الذي كشفت حقيقته وجلَت معدِنه وصقلته السنون العجاف من الفقر والإذلال ، والتشويه الفكري ، والتغريب المتعمد، والاغتراب المصنوع ، ومحاولة صرف الشعوب العربية عن حقيقة وجودها ، واستعبادها لتسرق فائض إنتاجها الوطني الاقتصادي والنضالي المعنوي طبقة من الانتهازيين المحتالين من منخفضي الأخلاق ، هابطي القيم ، ملوثي الضمائر ، فاقدي الذمم ممن التفوا حول الحكام ، وشكلوا شبكات من الوصوليين المتزلفين المتحلقين حول دوائر أصحاب القرار .



لقد هرِمنا ! هرِمنا ! هرِمنا !



قالها رجل عربي تونسي من قلبه مُلَخِصًا معاناة جيلين من الشعب العربي المقهور بسيوف الجلادين ، وعرفت كلماته طريقها إلى القلب مباشرة دون أي مظهر من مظاهر التشويش والإعاقة المعرفية ، سكنت عبارته سويداء القلب الذي صدَّرها مباشرة إلى مدامع العين ، وحشرجات الصدر الذي ترجمها إلى عزيمة في الاندفاع في طريق الحرية ، ومواصلة لمشوار النضال الذي اختطته جماهير الأمة غير آبهة بالطغاة ، أو مكترثة بالتضحيات .

كشفت الأحداث المتلاحقة عن النقاء في التعبير اللغوي الفصيح الصادق في الدال على اختزال المسافة بين نقاء الفكرة وسلامة اللفظ الدال ، والتحكم في فنون الكلام العربي الذي كان يصدر عن عامة تلك الشعوب الأبية بسجية وبداهة وانطلاق خلاق انهزمت أمامه كل فلول التسطيح الثقافي ، والاغتراب الوجداني ، ناهيك عن هزيمة مخلفات الفقر والمرض والجوع والجور والإفساد العمدي ، وظهرت خصائص التميز الانفعالي والعاطفي ، والسمو الأخلاقي ، والعبقرية والإبداع المتسامي على كل المستويات المتدنية من أخلاق الطغاة الإفساديين المستبدين الذين تباعدوا عن أصولهم ،وزتنكروا لبداياتهم المتواضعة، وانساقوا وراء حالة من النرجسية المتقوقعة على نقائص الذات ، وانحطاط النفس المغرقة في تجاهل الحقائق الموضوعية للدور الإنساني الفذ لشعوب الأمة التي هالها تنكر هؤلاء لها وهي التي أمدتهم بمقومات حياتهم ، وبالغوا في محاولات يائسة من إذلالها وتجريدها من أهم خصائص جوهرها :الدين الحق ، والأخلاق العريقة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.



إرحل ! إرحل ! إرحل !



كلمة واحدة تجسد الرد الرادع الذي لا يملك الطاغية أمامه إلا التسليم والاستسلام أو الإفراط في مزيد من البطش الذي لم يوفر الطغاة من أساليبه وأشكاله ، ولم يقتصدوا جهدًا أو مالاً في ابتكار مسميات الدوائر من الحواجز الوقائية وجدر الحماية المصطنعة التي ظنوا أنها تحميهم من صيحة غضب تجمعت على مر السنين ،ثم افجرت كرد فعل طبيعي على القهر واللجاجة في والإمعان الطغيان ، مع أنهم جميعًا يعلمون بداياتهم المتواضعة ، ويفهمون جيدًا مواهبهم العادية ، وأنهم بدلاً من استغلال فرصة الحكم ليقوموا ببناء أوطانهم المتخلفة على أسس من المعرفة الحقيقية والعدل والمساواة والحرية المنضبطة جيروا كل إمكانات بلادهم للمصالح الفردية والفئوية والطائفية ،واستنزفوا موارد شعوبهم فيما لا يفيد ، وإن المرء ليذهل عندما يكتشف قصور صدام حسين ومؤسسات القذافي وما أنشأه علي صالح في اليمن مما يُظَن أنه جدر حماية مادية لا فائدة منها للشعوب الجائعة الباحثة عن العمل والحرية والكرامة وقبل ذلك لقمة العيش ، ثم يلقون المسؤولية على الأجندات الخارجية ويوزعون التهم يمينًا وشمالاً،ويمعنون في الكيد والتمترس وراء الحيل الظلامية والخادعة التي لا تصمد أمام نور الحقيقة التي تمثلها صيحة إرحل من شعب لم يعد لديه قدرة على الصبر ، وأوصله الطغاة المستبدون الأنانيون إلى حافة هاوية اليأس عندما يخيرونه بين الاستبداد وبين الفوضى ، بين أنا وأنا ،بين جحيم الطغيان ورصاص المجرمين السكارى والمخدرين أو المخدوعين الذين يفتكون بالنخب الشابة صاحبة المصلحة في أوطانها ، فيختارون لهم الرمي في النحور والرؤوس والصدور ، وأخيرًا لم تُجدِ تلك الحواجز والأبنية الجدر مع زئير كلمة إرحل إرحل المُهينة المذلة لو وجدت في الأفهام والأسماع والأبصاء وفي الضمائر بقايا سواء ونقاء افتقدوهما منذ زمن .

لقد انقمع هؤلاء الطغاة في القلاع التي احتموا بها ،وعزلوا أنفسهم خلف الحواجز المادية والمعنوية والبشرية المتمثلة في الحزب والقبيلة والمكونات الممتفرعة عنها بشكل تعسفي ، فما صمدت تلك الحواجز أمام صرخة :إرحل ! إرحل ! إرحل ! تنطلق من الملايين التي استوطنت في الساحات المتبقية لهم في مدنهم .

فكيف يطيق هؤلاء الطغاة ومن يدورون في فلكهم المكوث في سدة حكم شعب يجرؤ طفل واحد منه على رفع كلمة إرحل في وجهه؟

كلمة واحدة يُطرد بها الطاغية من دائرة الاحترام ، ويحرمه من شعور بالاهتمام ، ويبخل عليه بكلمة تقدير هي وقود القادة الحقيقيين ، وهي جذوة الحركة للزعماء الوطنيين ، والسر المعنوي الي يحرك كل من يتصدى لقيادة شعب أو أو إدارة شؤون أمة.

فكيف يقوى هؤلاء المطرودون من دائرة الاهتمام ، والمحرومون من عبارات التبجيل والاحترام على البقاء ساعة واحدة على كرسي الرئاسة ، وقد فقدوا الكياسة ، ودنسوا مفاهيم السياسة ؟



آفة القُطريةُ المُهِينة



لو لم تكن الأمة العربية على هذا المستوى من التجانس والنقاء والالتقاء الفطري العقدي والعرقي اللذين جعلاها وحدة متماسكة في الأرض وفي تقارب الأوطان ، لكان من المعقول تصور قيام دولة قطرية تنكفىء على نفسها وتيدر أمورها كباقي الجماعات المتباعدة عرقيًا وثقافيًا والمنتشرة على رقعة العالم في أوروبا وآسيا وامريكا الجنوبية ،ولكان من الممكن إنتاج دولة قطرية مثالية بلا عقد أو أمراض نفسية قومية ،إذ الدول تمرض وتشيخ كما يحدث في الأفراد .

ولكن ولسنوات طويلة فرضت الطبيعة القُطرية المتطرفة في الفرز النوعي المشوه للتفريق بين أفراد الأمة العربية في شتى أقطارها ، وعمل تكريس الأنظمة العربية الرسمية فيما بعد مرحلة الناصرية القومية (وبصورة تشبه التواطؤ الإجماعي) على الإغراق في التصنيف البشري على أساس القطر وليس الوطن ، وكانت النتيجة الكارثية الكبرى للإغراق المتعمد في النزعة القطرية هي انزواء النزعة الوطنية الصادقة الحقة ، في مقابل الانجراف نحو الولاء القطري ، تلك الوطنية المظلومة التي كانت تشكل تراثًا أخلاقيًا ومعرفيًا لدى الأجيال التي تضرب جذورها بعيدًا في تربة الإرث الديني والثقافي الذي صنعه الإسلام الحقيقي الذي اعترف بالكثير من الخصائص والأخلاق والسجايا والخصال العربية ، واستثمرها في نشر الرسالة الخاتمة ، وحماية الدعوة ، والدفاع عن العقيدة الصحيحة ، والقيم العليا التي تشكل جوهر الرسالة، ووظفها في إعادة تشكيل العلاقات الكونية في ضوء المنهج المعرفي المتفوق الذي يوفر حلولاً بسيطة واضحة ومنظمة للتساؤلات الكبرى في الحياة الإنسانية ، ويوفر المجهود الفكري والعملي ليتفرغ في بناء الحياة على أسس قوية ثابتة.



البانوراما العربية

ليبيا وسوريا : مقدمة كارثة قومية



لنبدأ من سوريا العزيزة : لماذا شلال الدماء الذي يسيل في المدن العربية السورية التي أعطت الحكام هناك مهلة امتدت لعقود ، ومع تقدير الدور القومي للجمهورية السورية بما لها من تاريخ هريق في الكفاح ضد أعداء الأمة ، وحمايتها لجبهات المقاومة في وجه العدو الصهيوني المحتل ، ومحافظتها على ثوابت المواجهة بعدما تخلى عنها الآخرون ، وصمود الشعب العربي السوري العظيم ، فإننا نستغرب كيف خفي على القيادة قراءة الوضع الراهن في المنطقة العربية ، وكيف أن الغرب حليف اليهود والحاضن الطبيعي للمشروع الصهيو – صليبي يركب موجات الغضب الشعبي ، ولماذا تسمح القيادة العربية السورية لقتل المحتجين ؟ ألم يكن الأولى بالقيادة أن تسارع إلى وأد الفتنة ، وتفويت الفرصة على المتربصين ؟ ألم يكن الأولى بالقيادة أن تدرس ما يجري في ليبيا من السير خطوة خطوة في سبيل الهيمنة على هذا الجزء من الوطن العربي بسبب رد الفعل المفرط في الغباء والبلادة من جانب القذافي وأبنائه ومن يلتفون حوله ؟

إن الهدف في حالة ليبيا هو الهيمنة على موارد النفط والتحكم في الموقع الإستراتيجي المميز للبلاد الليبية ، حيث إن وجود أي قوة غربية سيجعل من المستحيل مجرد الحلم في أي مشروع قومي وحدوي؟

إن اندفاع الفرنسيين والبريطانيين إلى التمهيد لاحتلال ليبيا بناء على طلب قسم من سكانها (سكان الشرق الثوار) بعد أن هبوا لنجدتهم وإنقاذهم من إبادة جماعية محتملة حضَّرت لها واندفعت فيها كتائب القذافي بقيادة غبية اعتبرت نصف شعبها مجرد صراصير وجرذان يستحقون أن يدوس عليهم القذافي وأبناؤه بالجزم .. هكذا !!! وتبين أنهم جندوا لهذه الساعة آلاف المرتزقة من كل الشعوب ، وأعلنوا صراحة تنكرهم للعرب ولجامعتهم !!! (نترفع عن كتابة ما تفوه به ابن العقيد القذافي: سيف الإسلام ) إن اندفاع الجار الشمالي من الوروبيين المتحفزين الباحثين عن موارد النفط والأمريكيين الذين يجيشون الحلفاء من العرب الغاضبين على الطغاة ،والذين يرتبون أوراقهم لعقد تحالفات جديدة مع ممثلي جماعات ركبت موجة الاحتجاجات لقطف ثمرة الثورات الشعبية بلا تضحيات في الجنود لا تحتملها الإدارة الامريكية التي تعاني من هزائم متوالية لسياستها في أفغانستان والعراق وباكستان ، هذه الإدارة الأمريكية وهؤلاء الطامعون الوروبيون همهم الأكبر هو أمن اليهود المحتلين في فلسطين ، ثم مصالحهم الوطنية في تامين موارد الطاقة وفي حرمان العرب من فرص الوحدة والتجمع إلا على طريقة قطر والأردن والكويت والإمارات وجامعة عممرو موسى في التحالف معهم على الشعب الليبي ومصالحه ومستقبل وطنه في ظل طغيان القذافي وغباء أبنائه وعجز من حوله على فهم حقيقة ما يجري.

أما في حالة سوريا فإن رأس المقاومة اللبنانية والعربية وجبهة الممانعة هي الهدف ، كيف لم يفطن هؤلاء الذين يثيرون المشاكل في درعا ومدن القطر السوري الأخرى إلى هذه الحقيقة ؟

وكيف لم تنطلق الدولة في سوريا من تجنيب البلاد هذه النتيجة بأي ثمن من الكبرياء الشخصية أو المصالح الفردية والحزبية أو حتى الطائفية ؟

وهل يتحمل هؤلاء الذين يتسترون وراء المعارضة الدينية أو الطائفية أو الوطنية أو شعارات الحرية مسؤولية التضحية بالمقاومة القومية والممانعة الوطنية ؟

وكيف أنهم سيواجهون موقفًا حتميًا إذا تخلخل الموقف القومي السوري في تاييد المقاومة ؟ ولن يكون أمامهم إلى التسليم بالاحتلال اليهودي للجولان ولفلسطين ، وستعظم الخطر اليهودي فيضر الجميع إلى الهرولة للتطبيع مع اليهود المحتلين ؟

احتلال ليبيا سيكون شوكة في خاصرة الكيان المصري الذي بدأ يتعافى وطنيًا وعروبيًا وبحسابات جديدة ، ومن بين الأهداف والنتائج الكارثية التي ستقع على مستوى الأمة العربية في حالة وقوع ليبيا في براثن المستعمرين هو حصار الدور المصري الجديد ، وحصره في دائرة رغيف الخبز والراتب والسكن ، وتحذيره من المساس بالالتزامات الدولية لنظام حسني مبارك الذي كان حاميًا للكيان اليهودي في فلسطين ،وعرابًا للحلول الاستسلامية التي انحرفت بها فئة مارقة من الشعب الفلسطيني متمثلة في جواسيس وسماسرة أوسلو اللعينة ، وتضييق فرص المساهمة القومية لشعب اكتشف هويته وأمسك بزمام وطنه .

أما سوريا فالهدف من إضعاف الدولة هو ابتزازها موقفيًا للتخلي عن المقاومة ؛ فيسقط حزب الله في دائرة النسيان والتصفية تزامنًا مع أخبث حملة تشنها قوى الانهزام والتحالف الخفي والعلني مع الكيان الصهيوني بقيادة جعجع والحريري وبقية الجبهة التي تزيف حقيقة الشعب اللبناني وتبتز بطولته وتصادر حرية أبنائه في حملة تضليل وتزييف أيديولجي ساقطة وواهية .



اليمن السعيد بدماء شهدائه ؟



لم تعد تفيد الكتابة عن حالة اليمن في حال المسرحية الهزلية التي يمثلها علي عبد الله صالح ، ويمعن فيها في تجاهل نداءات الأحرار من الشعب اليمني ، ويصر معها على تجميع الأنصار ، ويمعن في وصم من يعتبرهم أعداءه من المعارضة المتصاعدة ، ويردد كل يوم شعارات لم تعد تستحق حتى مجرد الذكر : القاعدة الحوثيون المتعاطون للمخدرات أصحاب السوابق وغير ذلك من الأوصاف والنعوت التي يرددها في خطاباته ويزداد عددها يومًا بعد يوم مما يزوده بها ويزينها له بعض المنافقين الذين أفلسوا في سباق المعلومات بينهم وبين القنوات الفضائية المتنافسة في البث المباشر على مدار ساعات اليوم ، وتتفنن في توظيف إمكانات الإعلام التقني الحديث في تلوين الرسالة الإعلامية ،فلا تترك دورًا يذكر لباقي وسائل الإعلام ، وتقف النظمة الاستبدادية المهترئة عاجزة عن إقناع طفل واحد من سكان الساحات ،ألا بقية من حياء تعيد لهؤلاء الرؤساء بعض هيبتهم واحترامهم لأنفسهم وقد خسروه ونسوه ،فخسروا ذواتهم وتجاهلهم وتجرأ عليهم حتى أطفال شعوبهم ،ولعمري إن هذا لهو صميم العذاب المعجل الذي يرسله الله لمعاندي دينه المتنكرين لمنهج رسوله من الكذابين المنافقين الذين ابتليت بهم أمة التوحيد ،أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله ،أمة الله أكبر التي تزلزل الكرسي من تحت هؤلاء الطغاة ! الأمة التي تقول للطاغية ارحل ارحل ارحل !



الورد اللي فتح في جناين مصر ...



لا يتمالك أحد إلا أن يقف تعظيم سلام للمحروسة وشعبها وجيضها ورجالها ، فهي صمام الأمان ، ومصدر الإلهام والاحترام لشعوب الأمة قاطبة ، إنها الآمرة الناهية ، وهي التي ينصت إليها إذا تكلمت ، إنها صانعة مصير الشرق قاطبة ، دورها التاريخي أن تكون عظيمة ملهمة ، ورسالتها أن تحمي الأمة وتحافظ على وحدتها ، وقد حباها الله بكل مقومات المجد والعنفوان ، إنها مستودع أسرار قوة الأمة العربية ، وصمام أمانها عندما تشتد بها الأزمات ،وتتفرق بها الطرقات ، ويحيط بها الأعداء والطامعون .

ولكن هناك ما يُقال على بعض جوانب الصورة البانورامية في أرض الكنانة ، لا طعنًا فيها ، أو تقليلاً من قيمتها ، بل من باب الغيرة والحرص عليها ، ومن دافع الخوف على مسيرتها أن تمتد اليدي الملوثة إلى الورد اللي فتخ في جناينها ليسرق عبيره ، وينفرد بمصيره ، فشعبها البطل هو صاحب الحق في قطف ثمار ثورته التي كتب أحداثها شبابها بدمائهم ، وبعد أن انقذها الله من مصير مجهول خطط له المفسدون الفاسدون الإفساديون ضعاف النفوس بهدف إغراقها في حمام من الدم ثمنًا لسقوط الطغاة ،وانهيار أبنية الاستبداد .

ندعو الله من قلوبنا أن يوفق الشعب المصري العظيم ويوفقه ليختار رئيسًا له من أبنائه الوطنيين المخلصين الذين تزخر بهم أرضها ويبعد عنها مكائد الكائدين ، وصمام الأمان حاليًا هو الإصلاحات التي يحرسها جيشها العظيم صاحب الأمجاد طوال تاريخه الطويل .

ونود أن نحذر الإخوان المسلمين خاصة ، وقادة الأحزاب التي تتشكل حاليًا فوق أرض مصر من الانسياق في عقد صفقات التسويات مع العدو الأمريكي ؛ فيقعوا في نفس الخطأ القاتل الذي وقع فيه النظام السابق ، إن دائرة الفعل في المرحلة الراهنة والخيارات أمام تلك الأحزاب ستكون ضيقة ومحدودة على مستوى السياسات الدولية ، والفرصة الوحيدة المتاحة هو العمل الوطني الجاد لتأمين الحاجانت الضرورية لجماهير الشعب العربي في مصر ، وتشكيل أجهزة التمثيل الصادق للشعب ، وإعادة تربية الأجيال على أسس من العدالة والحرية والمواطنة الصالحة وقيم العمل التي كانت متوطنة في الشعب المصري العظيم ، وأفقدته إباها الساسات الحمقاء التي حولته إلى شعب خدمات بدلا من تطوير قواه الإبداعية وقدراته الخلاقة للعبور به إلى مجتمع التقنية والمعلوماتية الوطنية .

ستحل كارثة إذا وقع الإخوان المسلمون خاصة في فخ الجري وراء بريق السلطة والنفوذ استثمارًا لدورهم في إسقاط رموز نظام الحكم السابق الذين لا يزالون فاعلين أكثر مما يتصور أشد الناس تفاؤلاً في قطف ثمار ثورة الشباب في الخامس والعشرين من يناير 2011م.

الصورة البانورامية لا تكتمل دون أن نعرج على بؤرة الألم في الجسم العربي ، الجرح النازف نجيعًا من الشعب الذي حركت مأساته شعوب الأمة ، وكان وقود جميع الثورات والانتفاضات ،وتوشك قضيته أن تطوى في سجل النسيان مع وجود جواسيس أوسلو من السماسرة العابثين في بؤرة العفن في رام الله ورأس الجواسيس الذي يتحرك حاليًا لتوظيف انشغال الشعوب العربية بهمومها ، ليتسلل إلى غزة بعهدف إرباك الشعب الفلسطيني ، وتضليل رؤيته لقضية وطنه فينتزع من حكومة حماس اعترافًا بالخطأ ، وطلبًا للصفح وتكفير هذا الخطأ ؛ لندخل في دوامة فصل جديد من المسرحية الهزلية التي يمثلها هؤلاء السماسرة الجواسيس على مسرح أطهر أرض ،وأقدس حمى ، يتلاعبون بمصير من تبقى من الشعب ، وما تبقى من أرض هذا الشعب إلا القليل .

فلا وألف لا لتدنيس محمود رضا عباس مرزا وزمرته أرض غزة الحرة ، ولن يخذلنا الله في قسمنا بأن لا يدنس عباس الهالك أرض غزة .

والله أعلى وأعلم ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف 21)


CONVERSATION

0 comments: