هل يكون قرار الإفراج عن الشاب مامي ورقة شفاعة لدفع بالعلاقات الجزائرية ـالفرنسية الى الأمام والخروج بها من حلقة التجاذب ا لسياسي ،على القاعدة التاريخية وبقائها رهينة ذلك الإرث بين
الأطياف السياسية لكلا البلدين ، وهذه العلاقات تتسم دوما بالحساسية ، نظرا للأرث التا ريخي المجبول بهذه الحساسية لأنها لم تتعافى منها الأجيال التي تتعاقب على الحكم لأن الماضي التاريخي للبلدين حافل بالمحطات المؤلمة، كما أن فرنسا في بعض المواقف مازالت تنظر للجزائر بمنظار المعاكس لها وبخاصة في المنطقة المغاربية،والخوف الذي ينتاب فرنسا من فقدنها لحساب القوى الإخرى ، التي تتصارع على المنطقة للإستحواذ عليها نظرا لمالها من أفاق إقتصادية واعدة نهيك عن الثروات الطبيعية التي تزخر بها والموقع الجغرافي ا لقريب منها، وهذه القوىأمريكا،الصين،ألمانية،روسيا،والتقارب الملحوظ بين الجزائر وشنطن، تنظر اليه فرنسا بعين التحفظ خيفة من التوجس الذي ينتباها، من ضياع نفوذها التاريخي في موقع كان آ يل لها و لذا عين الترقب دوما شاخصة. هناك.
إذا هل يلطف قرار الإفراج المشروط عن أمير أغنية الراي في الجزائر الشاب مامي ، في فرنسا التي كان يقضي بها عقوبة السجن لمدة 5 سنوات، أجواء العلاقات الجزائرية الفرنسية ،وإعادة الدفئ
اليها من جديد لإذابةالجليد والمتكلس على مسار هذه العلاقات التي تتخبط من الفينة للأخرى في معترك يظفي عليها أجواء التشاحن ، وإن كان في بعض الأحيان يأخذ منحى المهادنة ، لكن الحقيقة الثابتةهي أن هناك ، جمر قابع تحت رماد هذه العلاقات من حين للأخر يبرز لمعانه من تحت الرماد بعد أن ينفخ فيه أحد الطرفين، وعلى مر السنوات التي تعقابت منذ إستقلال الجزائر عن مستعمرتها السابقة فرنسا ، شهدت سجال كبير أخذ في التسعنييات القرن المنصرم منحى أشبه بالقطيعة إلى درجة التراشق الكلامي بين المسؤولين الساميين في البلدين ، ولعلى أكبرتنابز بالألفاظ، كان على مسرح أروقة هيئة الأمم المتحدة في نيورك عام 1995 حين رفض الرئيس الفرنسي جاك شيراك أخذ الصورة التذكارية برفقة الرئيس الجزائري الجنرال ليامين زروال في مقابلة كانت مقررة أن تجمع الرئسيين هناك لبحث ملف العلاقات المتأزمة في تلك الأثناء الى درجة غير مسبوقة في مسار العلاقات و كانت في تلك المرحلة في أسوء مراحلها المقابلة ألغيت بتشنج الرئسيين على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي الحادثة التي أرخت بظلالها على مسار العلاقات ،بالإظافة الى حا دثة أخرى لاتقل دلالة رمزية عن مأل هذه العلاقات ،حين ترك سفيرالجزائر المعين حديثا في سنة1993 في باريس وهو السيد أحمد غزالي رئيس حكومة سابق في الجزائر
ينتظر أكثر من 6 أشهر ليظفر بموعد من قصر الإليزي ليقدم أوراق إعتماده لدى باريس،وهي سابقة
لم تشهدها العلاقات الدبلوماسية للبلدين ، وهذا التصرف كان مقصودا في تلك الفترة ، لأن باريس كانت تراهن، في تلك الأثناء على إنهيارالنظام الجزائري تحت واقع تصاعد ضربات أعمال العنف المسلح مع الجماعات المسلحةالإسلامية بعيدا توقيف المسار الإنتخابي عام1992 وهي الأحداث التي أدلت بتبعاتها في سيرورة هذه العلاقات في سنوات الدم المسكوب على فوهة الكلاشنكوف في الجزائر، و قضية أخرى كانت إ شارة القطيعة الصمتية بين البلدين حين تم توقيف الدبلوماسي الجزا ئري حساني مدير التشريفات في وزارة الخارجية الجزائرية في مارسيليا ومنعه من مغادرة التراب الفرنسي بشبهة ظلوعه في إغتيال المعارض الجزائري مسيلي رفيق الزعيم التاريخي حسين أيت أحمد رئيس حزب جبهة القوى الإشتراكية في باريس في ثمنينات القرن المنصرم ، لكن المسلم به ، هو أن هذه العلاقات تحكمهة شعرة معاوية، حين يصعد أحد الطرفين يتراخى الطرف الأخر ، أو كما وصفها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في إحدى تصريحا ته بعلاقة حب حين إستشهد بالبيت الشعري ْ ومن الحب ماقتلْ سنة 2000لوصف هذه العلاقات ، لأنها لم تنفصل بعد من العامل التاريخي الذي يربط الجزائر بمستعمارتها سابقا فرنسا، مازال يسري في عمق هذه العلاقات،ولم تتعافى بعد من هذه الجدلية التي ترخي دوما بظلالها على واقع العلاقات ،في العديد من المناسبات وفي أحيان أخرى تأخذ منحى ضغينة الماضي ،رغم محاولة القفز على هذه الحقيقة من قبل الساسة في البلدين ،وبخاصة في أعلى هرم السلطة،لكن ينجلي هذا المعطى من إسرار الأسرة الثورية في الجزائر على إعتذار فرنسا.وخطوة الإفراج عن الشاب مامي ، قبل إنقضاء محكوميته،سوف يكون لها إنعكاس على مسار العلاقات، خاصة إذا علمنا أن الجزائر كانت تتبنى مطلب الإفراج عن الشاب مامي ، من قبل دوائر في السلطة ربما بإعازمن قصرالمرادية ،بحكم أن الشاب مامي له علاقة شخصية بالرئيس الجزائري الى درجة أنه كان الشخص الوحيد الذي تكفل بالتصريح عن تحسن صحة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بعدإجراء العملية في المستشفى العسكري في باريس، مع العلم أن الشاب مامي ليس له أي صفة رسمية في السلطة تخول له الإضطلاع بالتصريح بكذا معلومات تعتبر من صميم دور السلطات الرسمية ،إذا الإفراج المشروط عنه لانستبعد بأنه جاء ة بعد ا لحاح دوائر في هرم السلطة ،بدليل أن أحد أركان هيئة الدفاع عن الشاب مامي كان يتردد على قصر المرادية في الجزائر، وأنه إستنجد بالرئاسة الجزائرية لتفعيل مطلب إستفادة الشاب مامي من المزايا التي تتوفر في النصوص القانونية ذات الصلة بالموضوع وأفصح عن طلبه هذا في إحدى تصريحاته الصحفيةمطالبا تدخل الرئيس في الموضوع الذي يبدو أنه آتى أكله...؟
وكذلك إشارة من باريس في إظفاءالمزيد من عوامل حلحلة المعوقات و الإرتقاء بهذه العلاقات و إنتشالهة من ترسبات الإرث التاريخي الذي دوما بالمرصاد ، ونستقرء هذا المسعى من خلال خطوة إستحداث منصب مستقل عن الطاقم الحكومي في فرنسا مهمته مسك ملف العلاقات الفرنسيةـ الجزائرية ، ملحق مباشرة بالدوان الرئاسي في قصر الإليزي في باريس إنيط به الى السيد جان بيار رفاران ، رئيس حكومة سابق ، مايعني أن العلاقات أصبحت في يد الرئيس الفرنسي مباشرة، ومهمة جان بيار رفاران فك الطلاسم التي تلاغم هذه العلاقات، التي توليها فرنسا أهمية خاصة خوفا على إنفراط عقد تواجدها في منطقة الى وقت قريب كانت حكرا عليها ،و إظمحلال مصالحها في المنطقة، خاصةبعد ظهور في الأفق بشائر التقارب الجزائر الأمريكي والذي تعكسه خطوات التناغم في عدة ملفات ، وبخاصة الأمنية في الساحل الإفريقي ، والتواجد الإقتصادي للمؤسسات الأمريكية البترولية في الصحراء الجزائرية،وهو ماإستشعرت منه باريس فلتان الجزائرمن دائرة أجندتها.
منذ تولي السيد جان بيار رفاران مهمة تكفل بملف العلاقات بين البلدين توافد على الجزائر مرتين في أقل من سنة وحظي بإستقبال من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يخص بوقت معتبر ، لتباحث في الملفات المطروحة على طاولة النقاش ، وهي متعددة ، بإستثناء ملف الذاكرة التاريخية
بين البلدين ، حسب ما يتدول إعلاميا للإستهلاك لأن هذا الملف يؤرق هذه العلاقات ،قصد تفادي التصادم من جديد والعودة الى التشنج الذي يؤشر عليه التراشق الكلامي والتصريحات ، والتصريحات المضادة التي كانت في بعض الحالات بعيدة عن الأعراف الدبلوماسية ، رغم الإلتفاف عليها لإحتواء تدعياتها ، لكن يجب القول إن هذا الملف/الذاكرة التاريخية /سوف يبقى حاضرا ومحل تجاذب ، وتنامي سجال المطالبة بالإعتذار وهوالسجال الذي يعود هذه الأيام الى الواجهة الإعلامية من خلال تبنيه من قبل أكثر من جهة في الجزائر، وبخاصة من قبل الأسرة الثورية(قدماء المجاهدين، أبناء الشهداء ، الثورة التحررية)أي التي تشرب من منبع التيار الوطني المحافظ، مطلب الإعتذار تتداعى له كل الأطياف المحسوبة على الجناح المحافظ ، وهو الجناح الممسك بالسلطة في الجزائر بمعية المؤسسة العسكرية، وأعتقد بأن إعادة إحياء هذا المطلب من جديد ّإعتذار فرنسا عن ماضيها الإستعماري في الجزائرّ رغبة كامنة عندالرئيس الجزائري ، وبإعاز منه يتم النفخ في الملف كل مرة، وهو الذي وبخ أحد وزارئه لأنه تجرأ و أدلى بدلوه في وصف العلاقات الجزائرية،الفرنسية مصرحا بأن موضوع العلا قات من صلاحياته منطلقا من هذا فإن إعادة تفعيل موضوع الإعتذار يتضح بأنه ورقة بيد الرئيس الجزائري يبتغي منها إفتكاك إعتذارتاريخي ،يوأرخ لمسار تربعه في أعلى هرم السلطة في الجزائر، وهي غاية لانستبعد أن الرئيس يسعى لها ليلمع بها إطار هذا المسار في قصر المرادية يجادل بها من سبقوه، وهذه الرغبة كامنة حتى لدى المقربين منه الذين خابوا في ترشيحه لنيل جائزة ًٌنوبل للسلام ًٌ منذ سنوات وهوالإخفاق الذي سبب لهم إحراج رغم الإمكانيات التي سخرت لهم لتحقيق هذه الأمنية،إذن إفتكاك إعتذار من فرنسا يترأ لنا أنه أصبح في حكم الغاية لدى الرئيس الجزائري ، وإن كنت أشك بأنها أيلة الى التجسيد على الأقل في الظرف الحالي، وحتى على المدى القريب لأن فرنسا ليست في وضع مريح داخليا، يسمح لها بإتخاذ قرار بهذا الحجم الذي يحدث صدمة لدى المواطن ، كما أنه لايتلائم مع مسعى باريس في إعادة هيبتهة خارجيا ، بالإظافة إلى ذلك الطبقة السياسية مقبلة على المخاظ الإ نتخابي الرئاسي ، ورغبة الرئيس ساركوزي في عهدة ثانية وقرار بهذا المستوى لا يشجع الناخب الفرنسي تقبله نظرا للحساسية التاريخية لديه، وهو الذي أي الناخب يعول عليه ساركوزي خاصة المتشبع بالنزعة اليمينية في خضم العديد من الإخفاقات السياسية داخلياوخارجيا، ونتوقع بأنه سيكون محل سهام متعددة في فرنسا بعيدا إنطلاق الحملة الإنتخابية لرئاسيات2012 ومتاعبه بدأت بشائرها تلوح في الأفق هذا الأسبوع بعد أن تكبد حزبه هزيمة مدوية في الإنتخابات المحلية التي إكتسحها الحزب الإشتراكي الذي يتوعده في المنعرج الرئاسي، مع هذه المعطيات مطلب الإعتذار غير مصتسغى لدى قصر الإليزي ، ومهمة جان بيار رفاران على المحك.
صحفي من الجـــزائر
مقيم فـي فيــــيـــــــــنا
0 comments:
إرسال تعليق