الزعيم تويتر.. والرئيس بسطويسي/ محمد طعيمة


صُدمت "القامات" ذات الثقل الوطني وهي تتلقى "فرمانات" البرادعي. صدفة كنت شاهد عيان على بدايات الأزمة، وتابعت تداعياتها عبر أكثر من شخصية عامة كانت جزءا منه.

في العاشر من أبريل 2010 بدأت الكويت ترحيل مصريين كونوا فرعا للجمعية الوطنية للتغيير بقيادة د. محمد البرادعي، قبل أن يتنصل منها متحدثا عن فرضها عليه. في الثانية عشرة ظهرا كان المتحدث الرسمي باسم الجمعية ومنسقها العام يبحثان، دون جدوى، عن "الزعيم" لتصدر الجمعية بيان إدانة للترحيل وللمطالبة بوقفه وللتضامن مع المُرحلين، ولأكثر من 24 ساعة ظل مختفيا، فصدر البيان بالتوافق بين عدد من رموزها، منهم حمدي قنديل وعلاء الأسواني ومحمد غنيم وحسن نافعة ومحمود الخضيري.

مع صدور البيان ظهر الزعيم وبحوزته الفرمانات.. "لأنه لا يصح أن يصدر البيان بدون موافقتي.. وأنا ليه طريقتي في الشغل". فاجأ "القامات" بعزله المتحدث الرسمي والمنسق العام وبتعيينه ثلاثة دبلوماسيين سابقين بدلاً منهما، واحد كمتحدث رسمي.. واثنان للتنسيق.

ليست مهمة تفاصيل الغضب الذي أعقب صدمة القامات، ولا ردودهم "الحادة" على الفرمانات التي سرعان ما تراجع عنها البرادعي، المهم أن الواقعة تكشف عن تركيبة ذهنية لا ترى سوى "طريقتي الخاصة في الشغل".. متجاهلاً أن تراجع الكل لتقديمه و"رُفعه فوق الرؤوس" كان لمهمة واضحة. من أجل هذه المهمة.. حين تقاطر الناس على حمدي قنديل أثناء أول زيارة خارج القاهرة لـ"مشروع" البرادعي.. تراجع وقدمه، فلم يكن أحد خارج جزء من دائرة النخبة يعرفه، وهو ذات ما فعله د.محمد غنيم.. صاحب دعوة زيارة المنصورة.

غنيم كان صاحب طرح البرادعي عام 2008 كبديل مدني للتوريث، بموازاة طرح قطاع واسع من النخبة عمر سليمان كبديل عسكري له. الأول.. لتحتمي الحركة الوطنية بمكانته الدولية، والثاني للفوز بدعم "الكتلة الصلبة"، لكن أيا منهما لم يقرأ من "العرض" سوى ما يتعلق بحلمهما.. دون أن يفكرا في أن عليهما ثمن يجب دفعه.

"كان عندي شغل"، هكذا برر البرادعي غيابه عن الثورة حين عودته للقاهرة. وقبلها: "ليه طريقتي الخاصة في الشغل"، وضعها كحجة جاهزة على تحوله إلى "زعيم زائر.. في وقت الفراغ"، وعلى تهربه من نزول الشارع، مشترطاً تجمع مليون مرة.. وعشرة ملايين مرة (!!)، نزل البرادعي الشارع ثلاث مرات. الأولى حين أحرجه منسق إقليمي للجمعية في منزل المترجمة إكرام يوسف.. فتعهد بنزول مظاهرة خالد سعيد، نزل فعلا.. لكنه انسحب بعد عشر دقائق مع ترديد هتاف "يسقط حسني مبارك". الثانية كانت في جمعة الغضب، كان بصحبة أسامة الغزالي حرب، اختفى.. واستمر حرب في المعركة، وحين سأُل البرادعي ليلاً برر غيابه بـ"رشوا علينا ميه بعد الصلاة.. فروحت". الثالثة.. "زار التحرير لعشر دقائق، تحدث للفضائيات.. ثم عاد لفيلته في "كومبوند.. مزرعة جرانة"، بطبيعته "المعزولة" اجتماعياً وطبقياً. الأكثر استفزازًا كان رده على استمرار غيابه بالخارج رغم تفجر الثورة.

لم يكن البرادعي أول اسم مدني يُطرح لفترة انتقالية تنقذ مصر من تراكمات حكم الرئيس المخلوع ووريثه، ففي عام 2005 طرح الراحل د.محمد السيد سعيد اسم (هشام بسطويسي). كان القاضي الجليل وقتها، بجسده وبمهنته، في الصفوف الأمامية من معركة التحرر.. ضمن شيوخ الوشاح الأخضر، ليمنحوا الحراك الإصلاحي قفزات للأمام، منها أنهم أول من أصدروا بيانا يطالب الجيش بالتدخل عقب بلطجة انتخابات 2005.

خلافاً للبرادعي، كان بسطويسي يسير على "طريقة شعبه"، لم ينتظر ليستدعه أحد.."على كبر"، وبعد أن أوشكت مسيرته المهنية على الانتهاء. في الثمانينات ألغى مع زميله القاضي محمد درويش انتخابات دائرة منيا البصل لتزويرها، وصمدا أمام ضغوط وزير العدل والقضاء الأعلى، وبعدها لم ينتدب ثانية للإشراف على أي انتخابات. وفي عام 1992 أعير للإمارات حيث قاد، مع رفيقيه محمود مكي وناجي دربالة، إضراباً للقضاة المصريين بعد وقف زميلين لهم بدون وجه حق، ولم يعودوا للعمل إلا بعد ضمانات تحفظ كرامتهم.. كمصريين وقضاة. وفي عام 2003 قررت محكمة النقض برئاسة القاضي حسام الغرياني وعضوية القاضي هشام البسطويسي بطلان انتخابات الزيتون، دائرة د.زكريا عزمي، وحين أشّر رئيس محكمة النقض طالباً إعادة النظر.. ترد الدائرة بذات التشكيل في فبراير 2004 بأنه: "لا حق لرئيس المحكمة في التعقيب عليها".

بعد أشهر كان البسطويسي وزملاؤه من شيوخ وشباب القضاة في الشارع، يتعرضون لذات ما نتعرض له. شهراً كاملاً معتصمين بناديهم وسط حصار أمني، وضرب القضاة وسحل زميلهم حمزة مع عشرات المتضامنين، ثم إحالة بسطويسي ومحمود مكي للجنة الصلاحية.. وتوقف قلبه يوم محاكمته 4 دقائق كاملة.. وإنقاذه بسبع صدمات كهربائية وقسطرة استغرقت ساعة ونصف. طوال هذه المسيرة لم نقرأ للبرادعي مجرد تصريح بدعم المناضلين، وحتى استدعاه د.غنيم.. اكتفى بكومنتات "التوترة". ورغم ذلك وجد جرأة ليتحدث عام 2009 عن أنه من كسر حاجز الخوف، وقبل أيام عن "الثورة التي قمنا به" رغم أنه كان خارج البلد، وحين عاد.. منعزلاً في الكومبند.

يقفز مروجو البرادعي على ما ينال من مصداقيته كمرشح، وها هم يريدون "تجيير" مسيرة القاضي الجليل لمصلحته، متجاهلين أن بسطويسي لم يغب تاركا الآخرين يناضلون ليقطف هو، ولم يقايض شعبه: "لمو لي مليون وأنا آجي أحكمكم". دفع بسطويسي الثمن.. وطاردته محاولات أمن الدولة لتشويه سمعته.. وكاد يفقد حياته "في الشارع".

مهين لنضال الحركة الوطنية أن تقف خلف "مناضل وقت فراغ".. كل إمكاناته "التوترة".

CONVERSATION

0 comments: