مصالحتنا خُلقت من ضلع أعوج/ سامي الأخرس


منذ أن وقعت ورقة حسن النوايا (المصالحة) في قاهرة المعز، تنهال على رأسي الأسئلة حول المصالحة ومن جميع الفئات والشرائح، فدوماً كنت أؤكد إنها خلقت من ضلع أعوج، ولكنه ليس ضلع من الصدر، كما خلقت حواء من أدم، بل ضلع من أسفل الساق فيها من الإعوجاج ما لم يمكنها من الإستقامة والإعتدال، لأنها مصالحة لم يكتمل عقدها وميثاقها ببنوده الشرعية، بل هي نتاج لحظة نشوة تمت بها مضاجعة غير شرعية، أختلق من حلالها جنين غير شرعي لن يجد إسماً في شهادة الميلاد، ولن يدون في سجل الأحوال الشخصية، وإنما لقيط وجد على قارعة الطريق، ولم يلتقطه من سلة القمامة إلا رعاة مؤسسات اللقطاء.
لست قاسي أو متشائماً، بل هو هكذا الحال، وحال مصالحتنا يخضع للعديد من الإعتبارات، والمتغيرات التي فرضت قسراً على أطراف الصراع الخضوع للتوقيع المبدئي على اتفاق المصالحة، ليقدموا للشباب والشعب الفلسطيني وجبة دسماء مخلوطة بالسم، وإخماد حركة الشعب التي بدأت في التسلسل إلي أعماق أبناء وشباب فلسطين الذين بدأوا بقوة تحت شعار إنهاء الانقسام، فأفرغوا حماسهم باتفاق المصالحة الشكلي، وكذلك لبوا شهوات بعض القوى العربية والإقليمية التي كانت تضغط على الطرفين للمصالحة.
بذلك يكون طرفي الصراع (حماس وفتح) استدركوا حجم المتغيرات السريعة في المنطقة، وإنتفاض الشعب الفلسطيني، واستطاعوا إمتصاص النقمة العامة، والإبقاء علي حالة التسكين والتحذير للرأي العام، بأن هناك مصالحة ولكنها تحتاج لترتيبات، ويلعب كل من الطرفين على عامل الزمن الذي يعتبر من أهم العوامل المُعول عليها، فحركة حماس تترقب نتيجة الأحداث في سوريا، وما ستؤول إليه الأوضاع هناك، وفتح تترقب الإنتخابات المصرية وتحديد ملامح النظام المصري القادم. لكي يبدأ كل طرف بنسج خيوطه العنكبوتية في شرنقة استنزاف الآخر.
أما على أرض الواقع فانه لا يوجد أي ملامح توحي بأن هناك مصالحة فعلية وحقيقية على الأرض، بل هناك تجسيد وتأكيد على الحالة القائمة وترسيخ لها، وتثبيت لجذورها في واقعنا الفلسطيني الداخلي، أما وجه الاختلاف على رئيس الحكومة القادم أي حكومة الوحدة أو المصالحة ما هو سوى هباء المراد منه الإيحاء بأن هناك جهود يتم بذلها للوصول لصيغة توافقية، والسؤال هنا ما العلة في تولية أو التراضي على رئيس وزراء؟ هل نضبت فلسطين من الرجال؟!
بكل المسميات لا يمكن التسليم بهذا الواقعية، وبالمبررات التي يتم طرحها من قبل الطرفان، وما هي سوى مسكنات لأي محاولات تحرك من قبل شعبنا الفلسطيني بالداخل والذي شهد تراجعاً كبيراً في فاعليات إنهاء الانقسام، وهذا التراجع قد تناولناه في مقالات سابقة، بما إنه تحرك جاء بإستحياء، ونوع من ردة الفعل والتقليد للأحداث في الوطن العربي ودول الجوار، ولم يمثل قناعة راسخة في الوعي الباطني لدى الشباب الفلسطيني، وعليه آلت الأحوال لما نحن عليه الآن. أضف لذلك تقاعس أحزاب المعارضة عن الوفاء بدورها وخاصة (حركة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) اللتان أكتفتا بلعب دور هامشي من خلف الستار، وكل محاولاتهما كانت في الخفاء لإحتواء حركة الشباب الفلسطيني عبر أساليب الاحتواء والاستقطاب غير المعلنة. وهو ما استغلته حركة حماس وحركة فتح كذلك في عملية التمويه منفذة بذلك ما تقوم به (الحرباء) بتغيير جلدها حسب البيئة التي تحط في فضائها
في خضم هذه الحالة المتشابكة أجد هناك تحركات فاعلة تحت ما يسمى ( الانتفاضة الثالثة) أو العودة المليونية لفلسطين، وهي حركة نشطة لجموع الشباب العربي عامة ويتم التفاعل معها بجدية، في شتى دول الجوار، ولكن لا أفهم ماذا يريد هؤلاء؟ هل يريدون العودة لفلسطين فعلاً؟ ومن أي الأبواب تكون العودة؟
هل تتم العودة المليونية إلي غزة مثلاً؟ وان كانت فعلاً، فهل هذا هو مفهوم العودة في القاموس العربي؟ فنحن هنا أيضا في غزة نريد العودة، ولكن لا نريدها إلا لفلسطين موطننا الأصلي، وليس عودة خادعة أشبه بالحمل الكاذب، والدعاية المفرطة لإمتصاص الغضب الشعبي العربي، وكم تمنيت أن أفهم أي عودة يريد هؤلاء؟!
فهناك مفهوم لتعريف اللاجئ، ومفهوم لتعريف النازح وفق قرارات الأمم المتحدة، فأي مفهوم يتبناه القائمون على الانتفاضة الثالثة؟! وكيف سيعودوا وفلسطين جغرافياً ثلاث دول، دولة الإحتلال القائمة على أرض فلسطين التاريخية، ودولة رام الله القائمة بالضفة الغربية، ودولة غزة القائمة في غزة، فأي دولة المستهدفة بالعودة من نشطاء الانتفاضة الثالثة؟!
فالأحرى بهؤلاء أن يحددوا ملامح رؤيتهم وفهمهم من خلال تحديد مفهوم العودة، قبل أن يتحركوا للعودة، ولما لا تكون عودتهم للفظ حالة الأمر الواقع بالانقسام الفلسطيني، والتشابك والتلاحم مع شباب غزة والضفة في إنهاء الإنقسام عملياً ومن ثم التخطيط للعودة الفعلية.
أستدراك الفهم العام للحقيقة يتطلب الوعي لمفهوم(الوطن) والانتماء، ومن ثم تحديد مفهوم العودة الجغرافية محددة ومعلومة على خارطة الفهم العام لطبيعة الحركة ومسارها، بعيداً عن ممارسة غوغائية التشرذم التي يعاني فيها الإنسان مريض داء الانقصام.
فالحالة هي تعبير كمي عن أساليب التقليد العشوائية لأصحاب أساطيل الحرية، المتجه صوب غزة لا تحمل على ظهرها سوى بعض المساعدات، وشخصيات متضامنة لعدة أيام ومن ثم تبدأ المسيرة مرة أخرى دون أي نتائج إيجابية في حقيقة الصراع بشقية، الأول: إنهاء الانقسام، والثاني: إنهاء الاحتلال.
فالحرية والمصالحة والانقسام متضادات في المعني العام، وعليه فكل منهما يحتاج لتعريف خاص، لنتقاطع في الوعي العام مع آليات تحديد المسار على أي جبهة يمكن لنا العمل.
أولاً: المصالحة يجب أن تأخذ الصبغة الفعلية، وهذا لن يكون دون ضغط جماهيري داخلي وخارجي من جموع شعبنا الفلسطيني، المطلوب منه تحرك موحد في حصار مؤسسات الحكم في رام الله وغزة، وكذلك في الخارج بمحاصرة السفارات ومقرات الأحزاب، حتى إخضاعها لرغبة الشعب الفلسطيني.
ثانياً: أن يعيد نشطاء ( الانتفاضة الثالثة) النظر في ترتيباتهم، ومخططاتهم، وإعادة صياغة أهدافهم، وتحديد ملامح تحركاتهم، وتعريف مفهوم العودة الذي يحضرون له بالمسيرات المليونية، فماذا لو حاصرت هذه المسيرات مؤسسات م.ت.ف، وسفارات السلطة الوطنية، ومقرات حماس في بلدان الشتات، وواصلت حصارها لهم حتى إعادة توحيد شطري الوطن جغرافياً وسياسياً، ومن ثم العمل على العودة الفعلية.
ثالثً: للإخوة منظمي أساطيل الحرية، أيضاً ضرورة أن تحمل هذه الأساطيل المفهوم العام لكسر الحصار، من خلال الفعل الجاد المتوافق مع حالة الإنسجام الوطني الفلسطيني، والإبتعاد عن الصخب الاعلامي في إعادة تثوير حالة الانقسام.
رابعاً: شباب الحراك الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ما هو مطلوب حالياً الإحساس بخطورة المرحلة، وحقيقة ما يجرى في الساحة الفلسطينية، وعليه إعادة صياغة الشعارات "الشعب يريد إنهاء الانقسام" والمحاصصة السياسية والبشرية من طرفي الانقسام.

CONVERSATION

0 comments: