عن حوار القردة/ عطا مناع

يقولون أن أصل الإنسان قرد، لكن للقردة موقف حاد من هذه القضية الخلافية، فهي ترفض ارتباطها بالإنسان، فحسب اعتقادها أن لها ثقافة لا تتقاطع مع ثقافة الإنسان، رغم أن المثقفين يصفون الحالة بالقردة، فمثلاً يصف الشاعر العراقي الكبير الحكام العرب بالقردة، وفي رأي القردة هذا تعدي خطير على الأصل كما يعتقد بعض الباحثين في أصل الإنسان وعلى رأسهم دارون الذي نادى بان أصل الإنسان قرد، وبالطبع هذا يزعج بعض البشر الذين تمس مشاعرهم لمجرد وصفهم بالقردة، وعلى اعتبار أننا كبشر نرتقي إلى مستوى ارقي من القردة، تلك هي طبيعة الأشياء.
كنت في ساحة المحكمة في حضرة النائب العام لأنني تأخرت في دفع استحقاقات إذاعة صوت الوحدة، وقد كان النائب العام لطيفا معي فأعطاني فرصة ثلاثة أسابيع لأتدبر أموري، والمعروف أن المحكمة تفصل بين الأطراف المتخاصمة، هذا هو دورها، ولكن على المواطن الذي ابتلاه اللة او بالبشر بقضية أن يتفرغ ليوم كامل وإلا فقد اعذر من انذر، وفي ساحة المحكمة المشهد ملفت، مجموعات بشرية تتقاضى أمام نفسها وتتحدث في أحوال الناس.
التقيت أستاذ علمني في المرحلة الإعدادية، بعد السلام والسؤال اكتشفت أن له مشكلة مع مستأجر وتوجه إلى القضاء ليفصل فيها، وللصدفة التقيت مع مدرس أخر علمني في المرحلة الثانوية وهو مصطفي فنون، ترك البلد منذ سنوات طويلة ووجد طريقة، كنا ذكياً وطموحاً ولذلك وجد طريقة وارتاح وريح، وبعد السلام قال لي أنا هناك لأدافع عن ارضي واحميها، قلت له لا اعتقد فالواحد فينا لا يستطيع أن يحمي........... وانصرفت؟
في إحدى زوايا المحكمة كان جورج حزبون مع جمع من رجال العشائر جاؤوا إلى المحكمة لحل مشكلة، وبالمناسبة من يدخل المحكمة يعتقد أن كل الشعب مدان، وقفنا لدقائق تحدثنا عن الأوضاع الاقتصادية البناء والاجتماعية والبناء الفوقي والتحتي والعلاقة بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ودور العمل في تحويل القرد إلى إنسان، والمعنى أن قريحتنا فتحت على هذا النوع من الحديث الذي أصبح بضاعة فاسدة وكاسدة في ظل الحالة التي نعيشها.
تحدثنا عن الوزارة وعن التكنوقراطي والوطني، وعرجنا على الكمبرادور والمنفكتورة المتغيرات التي عصفت بمجتمعنا والتي مسحت الأرض في الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة التي تعتبر بمثابة بيضة الكبان في المجتمعات العربية، تحدثنا عن المقاولين الجدد، وتذكرنا أيام زمان فقال لي!!!! عندما كنت في روسيا كتبت قصيدة باللغة الانجليزية ولم أترجمها للعربية، وسأبعثها لك وبالطبع لم تصلني حتى اللحظة، قال : مضمون القصيد يتحدث عن عالم القردة، ففي يوم من الأيام جاء قرد إلى قيادة القطيع محتاراً، وجهة سؤاله إلى كبير القردة قائلاً هل صحيح أن أصل الإنسان قرد؟ هل نحن أجداد البشر؟ سأله كبير القردة، ها نحن القردة نقتل بعضنا؟ فأجاب لا؟ وجاء السؤال الثاني هل تخون القردة بعضها؟ أجاب لا؟ ها نسرق القرد بعضها؟ هل تمارس القردة القهر ضد بعضها؟ قال لا، إذن كيف تقول أن أصل الإنسان قرد؟ نحن يا بني ليس لنا علاقة بالبشر فهم لا أصل لهم.
انتهى الحديث وذهب كل منا في طريقة، وحضر مظفر النواب مرة ثانية الذي لا زال مصمماً على أننا قردة وأولاد قراد الخيل، وفي هذا الصدد لا استطيع إلا أن أتبنى موقف القردة التي ترفض أي علاقة بنا، وتكمن حقيقة ومصداقية الموقف في الواقع، فالقردة لها نظامها الاجتماعي الذي يمنع ويسمح ولها أخلاقياتها، فلا اعتقد أننا سمعنا بان ثلاثين قرداً تناوبوا على اغتصاب قردة لمجرد التعبير عن الحالة الحيوانية الكامنة في داخلهم كما حصل في ليبيا مع امان ألعبيدي، ولن اصدق أن القردة تتفن في تعذيب بعضها البعض كأن نستخدم الخازوق مثلا، وان تهين بعضها وتخضع القطيع للتعذيب الشديد لأنة يطالب بحقوقه، وحسب معلوماتي فان القردة تعيش حالة من الديمقراطية تتجاوزنا بكثير.
إذا لم نكن قردة فمن أين جئنا؟ وما هي أصولنا؟ هل نعود بجيناتنا إلى الكلاب؟ لا اعتقد ذلك فالكلب هو الصديق الوفي؟ هل نحن من فصيلة الحمير؟ اشك في ذلك فالحمار لا يعض صاحبة؟
قد يقول احدهم ما هذه الأسئلة الغبية؟ وما هذه المقارنة الغير منطقية بيننا نحن البشر الذين خُلقنا في أحسن تقويم؟ وقد يتساءل احدهم أتقصدنا نحن العرب؟ أتعني أن حكامنا قردة؟ أتعني أننا كعرب مجرد قطيع تحكمه القردة؟ أقول لا اقصد شيئاً، وما أقوله بعضاً من جنون في مواجهة الجنون الذي يجتاح حالتنا العربية، وقد أقول من حق القردة أن تنظر ألينا بدونية ، فالمشهد اليومي في ليبيا واليمن وسوريا ومصر قبل الثورة والنخب التي تخلت عن شعوبها يؤكد عمق الطرح بأننا خارج التاريخ والجغرافيا طالما نرى الذبح اليومي ولا نحرك ساكناً.
في حالتنا الفلسطينية، هناك إجماع على أننا شعب تعرض للظلم بأبشع أنواعه، فيكفي ما عاناه شعبنا من جوع وعمليات اعتقال طالت مئات الآلاف، ويكفي عمليات القتل المتعمد والتطهير العرقي التي تمارسها الدولة الصهيونية بحقنا، وإذا القينا نظرة سريعة على حالتنا سنجدها غاية في الهبوط، فان يمارس احدهم التعذيب حتى الموت ويستخدم كل وسائل القوة لقمعه في الوقت الذي كان معه في الزنزانة والمظاهرة والشعار، فهذا يضعنا أمام حقيقة تؤكد أننا حالة مستعصية وعلاجها بالكي.
العلاج بالكي يستنهض الحالة العربية، فالشعوب العربية ستبحث عن هويتها الحقيقية، وستجد لها مكاناً في التاريخ، وستفرض احترامها على القردة بكل أنواعها، وقد يكون إتباع منهج الهرطقة الذي يناقش على سبيل المثال الايجابيات في خطاب اوباما، أو ما هو موقف ما يسمى باليسار الإسرائيلي، أو الغرق في مناقشات بيزنطية على شاكلة من الأسبق البيضة أم الدجاجة، هذا لن يغير من حقيقة الحالة المأساوية شيئاً، فالعامل الذاتي هو الأساس في الخلاص من حالة الهبوط التي تجتاحنا، وهذا يعيدنا إلى أصل الموضوع وهو حوار القردة، ويلقي بالسؤال على الطاولة ، من نحن؟ وهل عشنا فيها من نهرها إلى بحرها؟ وإذا كان الجواب نعم فلماذا الغرق في تيه التكتيك الذي وضعنا في مرتبة ادني من القردة التي تموت دفاعاً عن مناطق نفوذها.

CONVERSATION

0 comments: