الحرية لشاليط…والحرية لأسرى الشعب الفلسطيني/ نبيـل عـودة

قضية الجندي الأسير جلعاد شاليط تأخذ في الأيام الأخيرة اتجاهات دعائية بعيدة عن الخوض الفعلي بألم الأسر، وإسقاطات الواقع الشرق أوسطي على الشعبين المتنازعين بدون آفاق لحل سلمي، واستمرار نهج التعنت السياسي الإسرائيلي،أيضا في قضية شاليط، رغم الدعاية الرسمية أن دولة إسرائيل لا تهمل أسراها مهما كان الثمن، وبالطبع لا ينقص الإعلام الإسرائيلي الرسمي والشعبي آليات الدعاية الممتازة، ولا تنقصه الحجج، ومن ناحية أخرى صمت، أو شبه صمت، الجانب الفلسطيني، والمواقف القليلة التي تنقل لوسائل الإعلام ، مسيئة، ولا تخدم إلا المواقف الإسرائيلية. إن موضوع حياة الإنسان ، مهما كان دينيه أو قوميته، ليس للتشفي والمكابرة، نفس الأمر ينطبق على الأسرى الفلسطينيين المنسيين إلا من صفقة شاليط، رغم أن قضيتهم أعمق وأقدم وأكثر حدة ومأساوية. وأعتقد أن عدم التحرك الشعبي والرسمي المتواصل لطرح مأساة الأسرى الفلسطينيين وتحريرهم من سجون إسرائيل، كخطوة لا بد منها لصفقة السلام، لا يخدم المواقف الفلسطينية. وكنت قد نشرت مقالا بالعبرية عن نفس الموضوع وبنفس المضمون، أثار ردود فعل مختلفة،عصبية وعقلانية ، أظهرت الاستقطاب في الشارع اليهودي نفسه.
أجل لموضوع الجندي الأسير شاليط إسقاطات عدة، وأبرز هذه الإسقاطات هو موضوع الأسرى الفلسطينيين أيضا، رغم أن موضوعهم لم يطرح على الساحة الدولية بمثل القوة التي يطرح فيها موضوع أسر شاليط، وكأن أسر شاليط جرى خارج الصراع الدموي ، وخارج استمرار الاحتلال والقمع والاستيطان والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، والأسرى الفلسطينيين هم شبه منسيين من الإعلام العربي أيضا، وربما شاليط لوحده حصل على ساعات بث إعلامي عربي أكثر من كل الأسرى الفلسطينيين. هذا لا يعني أني أربط ربطاً كاملاً بين تحرير جندي وقع في أسر حماس، وتحرير الأسرى الفلسطينيين. صحيح أن الإعلام الإسرائيلي، وفي أعقاب أسر الجندي شاليط قام بتحرك إعلامي وأنساني داخل المجتمع اليهودي، وفي المنابر الدولية المختلفة، أبرز خصوصية قضية شاليط، ولكن بتجاهل كامل لواقع عشرة ألاف أسير فلسطيني أو أكثر، ألام عائلاتهم ليست أقل من ألام عائلة شاليط، وحقهم باستعادة حريتهم لا تقل عن حق جلعاد شاليط باستعادة حريته.وقد افتقدت للأسف الشديد المصداقية الإنسانية لمعظم الإعلام العبري، في طرح الألم الفلسطيني أيضا، من واقع الأسر والإصرار الإسرائيلي على عدم تحرير الأسرى الفلسطينيين، وإغلاق كل الأبواب العقلانية لحل هذه القضية الملحة ، بكونه السبب المباشر في موضوع شاليط.
هذه المقارنة تفرض نفسها ليس فقط من منطلق مصداقية تصرف الطرف الثاني الذي يحتفظ بالجندي شاليط كورقة مساومة،بغياب إمكانيات عقلانية أخرى ، والمأساة أن المساواة، حتى في حالة الأسرى ، تبدو كنوع من نزع إنسانية الجانب الفلسطيني وتحويله إلى مجرد أرقام، بتجاهل أن كل رقم هو حالة إنسانية لا تقل مأساوية عن حالة الجندي شاليط. ومن هنا رؤيتي أن النظام السياسي السائد في إسرائيل، يواصل التمسك بعقيدة تقديم “القرابين الوثنية” – (ربما عقيدة اسحق ؟)، حتى يبقى الإله (السوائب المتطرفة في المجتمع اليهودي) راضية مرضيه عن نهج النظام.
نجحت عائلة شاليط بتحويل أسر أبنها إلى قضية اجتماعية إنسانية عابرة لكل الأحزاب السياسية في إسرائيل، ومع ذلك أعتقد أن هذه الحملة الإنسانية، التي لا يمكن لإنسان عقلاني أن يقف في مواجهتها بدون أن يشعر بالألم، يجب أن تتطور إلى حمله شعبية فلسطينية-إسرائيلية مشتركة، لإنهاء ملف الأسرى، بغض النظر عن مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وإمكانية الوصول أو عدم الوصول إلى اتفاق.
بات واضحاً أن جهاز السلطة في إسرائيل، دون علاقة بالقابض على صولجان السلطة، يتعامل مع موضوع الأسير الإسرائيلي ، وليس شاليط إلا نموذجا، من منطلق الفكر ألقرباني ،والثرثرة التي صمت آذاننا حول قيمة حياة الإنسان ، وفي حالتنا إنسان يهودي ،ثبت أنها مجرد جزء من نهج دعائي . ويبدو أن الخوف هو أن يتحول أي اتفاق بين إسرائيل وحماس إلى سابقة سياسية، تطيح بالثوابت السياسية التي تطوق حكومات إسرائيل نفسها بها.
أريد أن أقول، أني كمواطن عربي، وأبن للشعب الفلسطيني، باتت قضية الأسير جلعاد شاليط تؤلمني بنفس المقدار الذي يؤلمني واقع عشرة ألاف أسير فلسطيني، أريد الحرية لجلعاد، أن يعود سالما لحضن عائلته، وأريد الحرية لكل الأسرى الفلسطينيين، المناضلين من أجل حرية شعبهم.

بات واضحاً أن ما طرحته حماس للدخول إلى اتفاق تبادل أسرى، لم يتغير منذ اليوم الأول، وها هي خمسة سنوات كاملة تمضي، والموقف هو نفس الموقف تقريباً.
لا أنفي حق أي طرف فلسطيني في اختيار الطرق المختلفة، السياسية وغير السياسية لإنهاء ملف الأسرى الفلسطينيين، وهذا لن يتم إلا بكسر الطابو الذي طرحته إسرائيل حول أسرى مع دم على اليد، ومن هنا صعوبة اتخاذ القرار في إسرائيل، لأنها لا ترى الدم إلا على أيدي الفلسطينيين فقط.!!
وكم سيبدو هذا الطابو تافها بعد تنفيذ تبادل الأسرى، ولا أستبعد أن يقوم الجيش بعملية عسكرية لتحرير الجندي شاليط، إذا استطاعوا بوسائلهم المخابراتية تحديد مكان تواجده، حتى لو كلفتهم العملية، حياه الجندي الأسير وحياة عدد من الجنود الآخرين المشاركين بالعملية، ولهم سوابق في ذلك.
هذه العقلية ليست غريبة عنهم!!!
قبل فترة غير طويلة نشرت منظمة حقوق الإنسان "بتسيلم"، تقريراً مخيفاً في كشف تجاهل الجيش التحقيق بقتل مئات الفلسطينيين غير المشاركين بأعمال معادية. تحت صيغة أن ما يجري هو "نزاع مسلح"، رغم أن هذه الصيغة تتناقض مع القانون الدولي وتعطي للجنود والضباط تصريحا بالقتل، ما دام الهدف فلسطينيا. وطرحت "بتسيلم" مئات حوادث يشك بأنها قتل بدم بارد .
الذي أريد أن أنوه له، أن حجة الدم على أيدي أسرى فلسطينيين، تبدو حجة تافهة أمام الدم على أيدي الجنود والضباط الإسرائيليين ، وبشهادة منظمة حقوق إنسان إسرائيلية، لا يوجد دم إنساني رخيص ودم إنساني أثمن، الدم الإنساني له لون واحد، ولأصحابه الم واحد وحلم واحد بحياة حرة كريمة ومستقبل حضاري متطور.
أحني رأسي أمام والدي شاليط، أفيفا ونوعم، اللذان يخوضان معركة من أجل أبنهما، وبنفس الوقت طرحا، بشكل غير مباشر، موضوع الأسرى كله وبكل حدته أمام المجتمع الإسرائيلي ليعطي عليه الجواب.
للأسف لا أرى أن الإعلام الإسرائيلي يتعامل مع الموضوع بالعمق الذي تعودناه منه في قضايا أخرى مثل قضايا الفساد والجرائم الأخلاقية والجنح.
كنت أتوقع إعلاما يطرح موضوع الأسرى أمام المجتمع الإسرائيلي بكل حدته.
أن من يظن أن الشعب الفلسطيني لن يتحرك لتحرير أسراه، يعيش بوهم قاتل.
لا بد من طرح الموضوع على أعلى هيئة في الدولة، هيئة المواطنين التي تدعى الحكومات أنها تمثلها وتمثل مصالحها.
وأعتقد أنهم قالوا كلمتهم!!!
الحرية لشاليط وللأسرى الفلسطينيين!!!
والحرية للشعبين من الحرب والاحتلال !!
nabiloudeh@gmail.com

CONVERSATION

0 comments: